أو الأرض الرمادية, تلك التي لم يغفل عنها الزمن, لأنه يتراءى لي أن هناك ثلاث مسارات مسيطرة بقوة على الأدب الخيالي المصري, والأدب المصور منه أيضا؛ المسار الأول وهو أن أدب الرعب يعايش شخصياته أحداث من الماضي أو شبه الماضي ممتد إلى حاضرنا, والمسار الثاني حيث أدب الفانتازيا وعالم آخر موازي, بأجواء شبه ماضوية, لكن الزمن غير معلن عنه إلا بوصفه حاضرا لأبطاله, والمسار الثالث هو المستقبل وزمن الخيال العلمي.

الشق الأخير هو الطاغي على كتابات أغلب كتاب الخيال العلمي اليوم, فلا يوجد سوا واقع أسوأ ينتظرنا مما يجعل الحياة المعاشة كأنها قادمة من أحلامنا الوردية, تبدوا هذه القصص كأنها تهويدة تحاول أن تهون علينا مرارة عيشنا, وتجبرنا على أن نعيش اللحظة الحلوة لأن القادم أسوأ. أو ربما لأن الكتابة عن الخراب بعد العمار أيسر على الكاتب المبتدئ مدفوعا بنزعة سادية ولهانة. هناك سبب ثالث, وهو أنه بعض الكتاب والقراء أيضا, قد يحسبون هذا نوع من العوالم الجديدة التي لم تقابله من قبل في أي أدب آخر, عوالم حيث الأنظمة الشمولية الحاكمة والتي تحصي على البشر أنفاسهم وأفكارهم. في الواقع, إن ديستوبيا الأفكار تيمة منتشرة جدا في أدب وسينما الخيال العلمي, وأصبحت مكررة بشكل يدعو للغثيان في أدبنا العربي, منذ أن ابتدأها صبري موسى بشكل تجريبي في رواية (السيد من حقل السبانخ) ولا أحد تقريبا تنبه إلى روعة الأمر وأنه يصلح للتوظيف في الكثير من المنتجات الأدبية التجارية. الإطلاقة الحقيقية لعوالم الديستوبيا المصرية كانت مع يوتوبيا أحمد خالد توفيق. والتي كانت أصيلة على كل المستويات. بعدها أمطرت السماء علينا بمجموعة واسعة من الأعمال التي لا تخرج عن كونها في أحسن الأحوال تمصير لأفكار وأجواء غربية بامتياز. أهم فكرتين تسيطران على الغرب, هي نهاية البشر على يد البشر بصورة تدريجية؛ على أيدي نظم شمولية أو حواسيب ذكية, أو انتهاء البشر على يد البشر ولكن بصورة نهائية تأتي مرة واحدة, ورجعة ولا أمل بالرجوع فيها.

بالنسبة للنوع الأول, نلحظ انتشاره بعد فيلم الأصليين من نص سينمائي لأحمد مراد, ثم أتت كوميكس (يالو) الرائعة وكذلك بعض إشارات في أعمال سيف الدين ناشئ.

بالنسبة للنوع الثاني, نلحظ انتشاره بعد تمصير الكوميكس والمسلسل الشهير (الموتى السائرون) وتحويله إلى عمل من الأدب المصور على يد كل من كاتبا الخيال العلمي, والصديقان أحمد الزيني ومحمود علام. محاكاة عربية لقصة الموتى السائرون, والموتى السائرون هو مسلسل تلفزيوني شهير مقتبس عن سلسلة أعمال أدبية مصورة تحمل نفس الإسم. وتحكي عن وباء يجتاح العالم ويحول الناس إلى زومبي. هذه القصة الكلاسيكية المعتادة في أفلام السينما الأمريكية, ولكن المسلسل يركز أكثر على الصراع على البقاء وتتصاعد الأحداث وتزداد قوة مع تشابك مصائر الشخصيات كلها معا. وطوال أحداث القصة مليئة بالمفاجآت. محاولة ناجحة لتمصير عالم غربي ونقله إلى الحارة المصرية والجبال المصرية والأحياء المصرية (الشعبية والعشوائية) والطرقات المصرية. وبعدها تزايدت العشوائيات الكوارثية, ولكن يمكننا تحديد عملين آخرين مهمين. خاصة في تيمة الظلمات النووية, وليس الموتى الأحياء. أحدهما لأحمد صلاح المهدي, ويحمل عنوان (الشتاء النووي) والتي تعد ظاهرة مناخية مؤكدة على نحو كبير, مع أننا لم نشهدها يوما من قبل في تاريخ البشرية. العمل التالي هو السوار المقدس. وكانت رواية أحمد المهدي ملاذ هي السابقة على كل تلك الروايات؛السوار المقدس, والموتى السائرون. وتوالت بعدها أعمال عدة عن المدن الرمادية, أو ما يمكن أن نطلق عليه لفظة (عشوائيات ما بعد الكارثة) واللفظ نفسه مستوحي من مسألتين

أولاهما العشوائيات بما هو معناه نظام فوضوي إنتخابي, للإشارة مثلا إلى قناة عشوائيات الترفيهية لعرض مجموعة من العشوائيات المقالية.

وثانيها,وهو الأهم,العشوائيات كطراز معماري ونظام إجتماعي يحكم بيئة / بنية مدنية تمتاز في المقال الأول بتردي المستوى المعيشي إقتصاديا وإجتماعيا.

لذا هذا ينقلنا إلى العنوان الأصلي؛ عشوائيات ما بعد الكارثة

أي التركيز على ما يتبقى من تلك المناطق فيما بعد حدوث كارثة بشرية تودي بجميع البشر والمقصد أغلبهم وليس جميعهم,جلهم,وليس كلهم. وما أحاط تلك المناطق من مناطق أخرى ابتدأ منها أحمد خالد في رائعته يوتوبيا تليها الأعمال المذكورة, وأعمال أخرى ساهمت بشكل ملحوظ في تمصير الديستوبيا الأمريكية وتحويلها إلى أخرى مصرية.

بل وامتد هذا النمط من القصص حتى طال الكوميكس, ونجد قصص مثل ذلك في أيالو, مانجهة, السمندل, واللحم الطازج من رسوم وتأليف سمر الجيار وإنتاج كوميكس جيت, وهي قصة مخيفة, وقد تكون مبتكرة. وثلاثية شبيك لبيك لـ دينا محمد عن دار نشر المحروسة. وأيضا المدينة الرمادية من إصدار مجلة جراج لـ فريد ناجي.

وكل هذه القصص قد تحسب بعد ضمن الجديد, حتى ولو كانت مقتبسة, بينما التكرار في القادم لا يفيد ولا يخرج عن تقليد.