لم تعد مواقع التواصل محض خيال افتراضى او تفريغ طاقة بل اصبح لها قدرة كاشفة لشرائح اجتماعية موجودة على ارض الواقع ؛ولها خواص ايجابية عديدة تتمثل فى زيادة ثقة الفرد فى فاعلية ذاته وتحقق تدوينى لشخصيته عبر صفحته الخاصة التى يقول منها انها متواجد وله رأي ما ؛ذلك بجوار كثير من العلاقات الاجتماعية المكونة من خلال التواصل لاصحاب الشخصيات الحقيقية وليست "المستعارة" ونقل المعلومات ونشر المعرفة وتبادل الوعي والتجارب ونمو الحس النقدى والوعي السياسى لاغلب المستخدمين بشكل صحيح لمواقع التواصل .
لكن من الناحية السلبية برزت عدة ظواهر سيئة منها ضياع الوقت؛ وكثرة النميمة واطلاق الشائعات ؛والتطفل على حياة الاخرين وفرض وجهات النظر بشكل "ارهاب فكرى" من اطراف استقطاب فى اى مجال عام او خاص؛الى جانب بعد مشكلات الادعاء والتباهى والوهم بخيلات مرضية والكذب و"الفشخرة" الاجتماعية ؛ومن اشد السلبيات كانت ظاهرة التحرش الالكترونى والاباحية ونشر التطرف والترويج للارهاب .
ولكن من كل تلك الظواهر السلبية وجدت ان ظهور "عاهرات" مواقع التواصل بشكل فج هو الاولى بالقاء الضوء وذلك لانهن يتخذن شعارات الحرية والافكار التى تخص المرأة الحرة ليستخدموا تلك القيم المحقة بشكل مغلوط فى الترويج لافكارهن المنحرفة وزخرفة شخصياتهن الاعتبارية ؛تلك القيم التى ادافع عنها بشكل شخصى كالحرية وانهاء العقد الاجتماعية والتخلف الفكرى اختار هؤلاء العواهر ان تتحول بابتذال للتمحور حول التحرر الجنسى والالفاظ الاباحية و لبروزة المجون والتفاهه والعته الذى يروجوه بنوع من العمق المزيف ليس اكثر ..
المهم رايت مصادفةً احداهن وهى تكتب جمل اباحية شديدة البذاءة وتصوغ بعض كلماتها بشكل شعر ماجن ركيك لتقول ان هاهنا عقل ما خلف منشورات الدعارة! وكثر امثالها فى التحدث عن العلاقات الجنسية بشكل "تحررى مكذوب" ومع اضافة بعض البهارات الخاصة بجذب المراهقين والمتطفلين اصبح الامر "موضة فيسبوكية" شديدة الرخص ومثيرة للقرف والاشمئزاز ؛ولكننا سنحللها اليوم من وجهة نظر اجتماعية ونفسية بحته .
لاننا مجتمع يعانى من استهلاكية الافكار الغربية فلنؤكد مبدأياً ان هذا الامر الذى يدعيه هؤلاء الناس المحبين والناشرين لظاهرة "عاهرات التحرر" ليس له اى علاقة لا بمبادىء تنوير غربي ولا شرقي ؛ولانقدنا ورفضنا لهم هو مشكلة فى عقليتنا الجامدة واخلاقياتنا الزائفة بل هى ظاهرة فاسدة الجذور مريضة المنبت تتم تحت شعار تحررى كاذب ؛المهم لا ينقصك شىء ايتها الفتاة/الفتى ..فقط صورة بروفيل غامضة مع غلاف لجسد عارى وفنجان قهوة يتطاير منه البخار وبجوار صورك اغراض نسائية خاصة وسجارة حشيش ؛وستتكلف عناء اصطياد ابيات شعر قديمة من زنادقة العرب القدماء او ابونواس وبعض صعاليك الشعر العربي ؛وياحبذا لو اتيت باغانى غربية تتكلم عن الجنس بالفاظ سوقية .. فقط بتلك البساطة مبروك عليك لقد نلت شرف الدفاع عن الحرية واشتهرت!
لنذهب للسؤال الجوهرى فى تلك الظاهرة هل الكلمات النابية البذيئة والتحدث بفجاجة عن العلاقات الجنسية الخاصة جداً فى لغة اى مجتمع فى العالم لها علاقة بالثقافة والحرية ؟
بالطبع لا ؛ومن تفعل /يفعل ذلك باى مجتمع يطلق عليهم الفاظ شهيرة مثل "عاهرة- ساقطة- رخيصة" ..الخ تلك المصطلحات التى يخضع لها امثال هؤلاء ؛والاهم ان كل مجتمع لديه قواعد خاصة ايضا لا يشترط عالميتها! فليس كل قاعدة تخضع لها الصين اجتماعياً تجاريها امريكا مثلاً!
لذلك فان الجميل عندنا كمصريين من الوارد جدا ان يكون قبيح لدى اخرين والقواعد الاجتماعية تشكل علم كبير اسمه "الاجتماع" ومن خواصه الرئيسية ان الشخص المنبوذ والشاذ اجتماعياً له توصيف محدد بأنه لا يحترم قواعد ومعايير مجتمعة التى تشكل منها وجدانه وثقافته وذلك عرضه لخلل بصحته النفسية وتوازنه مع بيئته فهو نبته مريضة تتلون بما لا يناسب السليم من شكل تربة ارضها ليس اكثر ؛فكيف ببساطة تحول ذلك المنبوذ الشاذ اجتماعيا المهاجم لقواعد مجتمعه لأيقونة تتغنى بحرية وتتلون كظاهرة تتباعها الناس بمواقع تواصل ؟!
ومن جانب اخر فتلك النوعية التى تحول صفحاتها على مواقع التواصل لبيت دعارة يناقش ادق تفاصيل العلاقات الجنسية المنحرفة ويصرح بالفاظ جنسية على الملأ ويحكى مغامرات "سريرية" لبنت او شاب؛ ماهو الاّ مرض نفسى /اجتماعى تسبب فيه الكبت واللاوعي من ناحية وتسببت فيه مشاكل نفسية تخص الحالات الفردية لمشاهير تلك الظاهرة؛ فمن الممكن جدا بل فى الاغلب ان يكون هؤلاء يعانوا من عجز ما اوضعف جنسى او حتى نبذ من الجنس الاخر مما يبرز لديهم حيل نفسية دفاعية لتعويض الكبت والقهر الجنسى باسلوب تعالى مرضى كاذب ينبع منه ان يدور الكون فى فلك سريرهم ؛تستيقظ على نباحها وهى تحكى مغامرتها الرهيبة امس مع صديقها الشره! ويحشر بين جنبات كل "منشوراته" كلام جنسى بالفاظ بذيئة ومفعم بالحماس لعلاقاته المتعددة ؛واجساد عارية تملأ صفحاتهم وقصص واشعار عن الجنس وكأننا امام كازينو تعرى او وكر عاهرات محترفات !
تلك الشخصيات تعانى اصلا من فقدانها لشىء حقيقى وحرمانها الشديد او مشكلات وعقد اخرى ومن الممكن ان يكونوا اصلاً معزولين وخجولين فى الحقيقة النفسية تقول ان من يكثر جرأته الاباحية فى الكتابه هو فى الحقيقة شخص خجول حد المرض!
تلك الحيل النفسية الدفاعية تجعل تلك الظاهرة تتمدد على صفحات الشباب والبنات الذين فى الغالب ايضا لديهم فشل اجتماعى وعلمى وعملى ؛وشخصياتهم فارغة وباهته لايميزها اى شىء وعقولهم فارغة كقعر حمام بلدى فى شارع مزنوق! فبسهولة يتحول الكبت والفراغ بضغطة زر لعالم خيالى على مواقع التواصل تملأه قصص جنسية خرافية كانوا يتمنوا لو يفعلوها فى الحقيقة .
واما ان كانت قصصهم حقيقية وهذا احتمال اضعف بكثير؛فلابد ان تيقن بان علاقتك الجنسية وشراهتك لممارسة الجنس وتفاصيل لياليك المثيرة ..الخ تلك الاشياء لا تعنى احد سواك انت ومن تشاركه فى مجونك ومغامراتك وليس من العقلانى والجيد ان يصبح ابرز مايتحدث باسم شخصيتك جهازك التناسلى! وهذا خلل نفسى ايضا وفراغ عقلى بجانب كونه تمرد على قواعد مجتمعك التى اتُفق عليها من قبل اكتشاف "هوليوود" بالآف السنين!
اخيراً اذا كانت تلك الحالة لابد منها فى ظل الشارع المفتوح بمواقع التواصل فكل املى هو ان تنحسر ويتم نبذها؛و ان نبعدها عن اى استخدام لشعارات وقيم عظيمة كالحرية ومحاربة الاستبداد الدينى والسياسى والاجتماعى ولتترفعوا عن استخدام الفاظ عميقة لا ذنب لنا فى ابتذالها ؛ففى الحقيقة لا الحرية تعنى الكلام عن العلاقات الجنسية ليل نهار ولا حرية المرأة تعنى تحولها لجارية يستمتع بها الرجال المكبوتين ؛ فلا جسد المراة مادة لنشر قيم العاهرات ؛ ولامواقع التواصل مكان لشهرة بضاعة الساقطات .
-
أميرة أبو شهبةباحثة فى الفلسفة والتاريخ
التعليقات
والله ولي التوفيق....
وهدا نستنتجه من انحطاط المستوى الدراسي لابناءنا.
شكرا سيدتي