ما لم تحكيه شهرزاد للملك .. عن مدينة الزمان المنكوبة
حين يلقي المحابون نعالهم و يتعشقون الصيام .. تقرضهم الوساوس فرائض دين اليتم و الآثام ..
نشر في 06 فبراير 2017 .
«في ذكرى تأبين مدينة.. »
تقول فيما روت و العهدة لمصادر متفرقة تلوكها شوارع و أزقة مدينة تربت سماؤها و ألقت ما فيها من عنث و مجون..
في زمن مضى و سار نعيه و ٱنقضى، كان الحال أشد من حبال الردى، كان الناس أشباه أحياء، حيث شاع في البلاد القريبة و البعيدة، همس ما برح خبره أن ٱنبرى، هلم لقد تفشى الوباء .. عكف الناس لشهور طويلة في بيوتهم و قراهم و براريهم.. حتى نسي كثيرون منهم أمر ما حولهم .. كان لا سائل يطرق بابهم .. و لا مترجل يتسكع في حيهم و لا رقيب يجلي عنهم دهماء أقبيتهم .. كانت أخبار الموت وحدها تحاصرهم .. تصلهم مع تعالي الصياح و العويل و البكاء و النباح، حتى خاف الجميع يومها الخروج صبحا أو دجى، الموت لا رادع له قال كبيرهم، و لا يدبر فيما أقبل، ثم ٱستظل بعوده صغيره. سرت رعشة و رهبة تخشبت لها الأجسام و أسدلت أستارها و تغشت عنادها.. تمتم شيخهم و قال . للموت زئير ليس كالزئير ، كما للضعف نفير إن تجرد من الصرير.
خفظوا أبصارهم تحسسوا أصلابهم لكن سرعان ماأن مالوا فمالت عليهم ظلالهم، و من يومها ما علم أحد خبرا عن عهد بهم .. ولكن بقيت أحياؤهم خاوية على عروشها، تسكنها الجن و الشياطين .. و أمم سائرة أمثالهما من النمل، و عشعش خلالها السدر و ثمار الحنظل.
يوما بعد يوم صبت السماء العالية ريحا تسوق هضابا عاتية إقتلعت الأسدار و لملمت تلال الرمل في أيام و ليالي ثمانية، يوما طويلا من طول ٱنتظار سيانية .. حتى قيل في أثرها فيض نحسات رابية.. و حين هدأت قليلا و تكشف ما حولها، لاحت سهوبا و قيعان و براري خضر و عيونا و وديان، أنهار خمر و ألبان و ثمار و جفان و قلال ملأى بالفيء و مد البصر حصباء نخل و رمان.
تعجب من بقي ممن سكن حي الموتى ما بعد أزمنة الردى، سرى بينهم كيف و أين كان كل هذا المدى من الحب و القطمير تدروه الرياح أدراجا لسنوات سدى، من جمع فأوعى بينما الناس ما بين نارين جوعى أو مرضى .. و ثالث الأمرين هلكى .. من أفرغ الضرع و جفف ينابيع الخبا .. من رتب للموت أن يقيم فينا صبا حتى على و تدلى قطوفا من تبر الصبر مر المداق ضجت معه نوات السما .. من زرع القلاقل و شفر الربى .. لا بيع لكم هنا و لا شراء .. أو خير بعدها أو طيفا يرجى .. من بدل دين العيش برقاب الموتى و نواح الثكلى و شردمة تحكم و لا ترى.. بينما القابضون على الجمر حبر تراب جرى .. يخط الأوطان هذا ضرع و تلك فجاج بلا .. يرسم بتلاوين النفع و المنتفع طبعا شرط وفاء .. ينهانا عن بلاد حفها الجور و تعثر المشاؤون فيها من حبر الظلماء..
صاح الديك و لاحت خيوط الفجر رياء .. سكتت شهرزاد فيما تساءل المشاؤون عن حبل وريد روى .. من وقف قبل من و من تراجع دوما للوراء .. من هتف يحابي السروى .. اليوم ناقم يعري قاطفي المن و السلوى ..
أيها الوقافون أجيالا تترى .. آن لكم أن ترحلوا عنها حبا أو عصفا سواء .. لا مطعم لكم فيها و لا .. عودوا أدراجكم و لا يلتفتن منكموا أحدا .. لم تعد لكم بلاد و لا عادت البلاد إلا حكرا .. المرابون خلالها يمموا الغسق و النور من عصر حتى تغشى سواده الفجر .. و بيعت خريفا و ما عاد ربيعها إلا رؤوسا أينعت و فات موسم قطافها .. حتى بدلت ولاءاتها و ألويتها و ما بدا للناظر بشرى .. الأرض للعماليق و لكم غيم السماء .. المطر مناجيق مقتا أو عداء .. السرور غض طرف و مشي الأطراف حبوا أو هجرا .. المدن .. البراري .. الجبال ما عاد لكم جمعا أو نفرا .. كلكم جمع أقداح و الشاربون فرقا و مجاميع تأبطت وزرا.
-
إبراهيم ربيبمهتم بالنشر الرقمي و الصناعات الإبداعية