تطورت الأزمة في النيجر إلى انقلاب على الرئيس محمد بازوم، تزامنا مع قمة روسيا-أفريقيا الثانية، المنعقدة بسان بطرسبورغ يومي 27 و28 يوليو/ تموز 2023، فهل لذلك علاقة بالصراع الدولي في أفريقيا؟

مساء الأربعاء الماضي، ساعات قبل افتتاح قمة روسيا-افريقيا، تشهد النيجر عملية انقلاب على الرئيس محمد بازوم. ومع افتتاح القمة، يوم الخميس، يخرج متظاهرون بالنيجر وهم يرفعون علم روسيا، تأييدا للانقلاب. وهكذا يتحول انشغال عواصم غربية من متابعة مجريات القمة، إلى القلق حيال الوضع في النيجر ومنطقة الساحل الأفريقي ككل، في ظل التراجع المتزايد للنفوذ الفرنسي لصالح روسيا، هناك.

وتم إدراج مناقشة الوضع في النيجر خلال أشغال القمة، إلا أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قفز على هذه النقطة، في خطابه لافتتاح القمة، يوم الخميس.

تيار روسيا

وفي منطقة الساحل، التي تتوسط منطقتي شمال أفريقيا وبقية القارة، كان العلم الروسي ملازما لمظاهرات مؤيدة لانقلاب سنة 2020 بمالي، وفي مظاهرات داعمة لانقلاب سنة 2022 ببوركينافاسو. كما كان العلم الروسي مرتبطا بحركات عصيان ناقمة على فرنسا، حيث شهدت مالي، قبل تنفيذ انقلاب سنة 2020، مظاهرات تم خلالها حرق علم فرنسا ورفع علم روسيا.

ولم يقتصر ظهور علم روسيا، في مثل هذه الأحداث، على دول معينة في منطقة الساحل فحسب، فقد ظهر في أفريقيا الوسطى في مظاهرات تطالب بطرد الفرنسيين وترحب بقدوم الروس.

وأصبح ظهور العلم الروسي في هذه الأحداث بمثابة دلالة على سخط تجاه فرنسا، وعلامة على تغيير في موازين القوى لصالح روسيا بمنطقة الساحل وبعض دول الجوار.

تيار فرنسا

بهذه الطريقة، تخسر فرنسا أهم مناطق نفوذها بأفريقيا، لصالح روسيا، وهي التي ابتدعت أسلوب إظهار العلم للدلالة على أنها الفاعل الرئيسي في الأحداث. وفي أحداث ليبيا سنة 2012، وعلى إثر حادثة قتل معمر القذافي، من قبل مقاتلين، ظهرت أعلام فرنسا بالعاصمة طرابلس، في مظاهرات مؤيدة لانهيار النظام ومرحبة بالدور الفرنسي في ليبيا. وقتها، حرص الرئيس الفرنسي الأسبق نيكولا ساركوزي على أن يكون حاضرا هناك، من أجل أن يبعث برسائل تهديد باتجاه دول جوار كان يعتقد بأنها ستكون في قبضة فرنسا.

ولما منحت فرنسا، وقتها، دورا في أحداث ليبيا، فقد عملت على تدفق أسلحة الجيش الليبي المنهار، ومعه المقاتلون المرتزقة، إلى دول المنطقة، لتأجيج الوضع الأمني أكثر هناك. وبذريعة مكافحة الإرهاب وحركات التمرد، شرعت فرنسا، اعتبارا من سنة 2013، في عملية عسكرية شملت خمس دول في منطقة الساحل، مالي وموريتانيا والنيجر وتشاد والنيجر.

روسيا البديل

سنوات بعدها، يتنامى الوعي لدى النخب في هذه الدول من أن فرنسا تمارس سياسة استعمارية، تنهب الثروات ولا تقيم مشاريع تنمية، تخلق ذريعة مكافحة الإرهاب لاحتلال الأرض، في حين أن الإرهاب يتزايد.

سنة 2019، تنعقد قمة روسيا-أفريقيا الأولى، ويشرع في الترويج لمقاربة روسيا في معالجة الأزمة وتحقيق التنمية بأفريقيا، في إطار شراكة نفعية متبادلة، بعيدا عن هيمنة قوى القطب الواحد، أو القوى الاستعمارية.

ومثلما كان لذلك مفعول واضح في دول أفريقية تربطها بروسيا علاقات قوية منذ الحقبة السوفيتية، كان له أيضا أثر في دول منطقة الساحل، بظهور تيار يسعى لأن تكون روسيا بديلا لفرنسا بالمنطقة. هذا التيار تمثل في مجموعة ضباط تكونوا في روسيا، مدعومين بنخب مجتمع مدني وسياسيين.

فرنسا تنسحب

سنة 2022، تشن روسيا حربها على أوكرانيا، وتجعل فرنسا منشغلة بتبعاتها وتهديداتها المباشرة لها من جهة أوروبا. وهكذا هيأت روسيا الظروف الدولية والإقليمية كي تنوب عن فرنسا في منطقة الساحل، حيث تم إنهاء فترة التدخل العسكري الفرنسي، بانسحاب القوات الفرنسية، ما بين نهاية 2022 ومطلع سنة 2023، تاركة المجال لقوات روسية تتمركز خصوصا بمالي وبوركينافاسو.

أولى المكاسب

وتتوفر منطقة الساحل على ثروات باطنية، تتمثل أساسا في رواسب الذهب والماس المستخرج والحديد واليورانيوم، زيادة على النفط والغاز.

وكانت شركات فرنسية تسيطر على الاستغلال الحصري لهذه المعادن، خصوصا في مالي والنيجر.

وسنة 2022، ظفرت روسيا بأول صفقة لها في مالي للاستغلال الحصري للذهب والماس بقيمة 200 مليون دولار سنويا.

عبد العالي خدروش Abdelali Khadrouche