مأساة وطن - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

مأساة وطن

انصياع أُمة

  نشر في 04 نونبر 2022 .

الظروف التي نرمي على عاتقها اللوم عندما نتعثر، والعتبات التي نلعن كل يوم لأنها اسقطتنا، جراحنا التي تأبى ندوبها الرحيل، وذلك الحب الذي نخبئه لأنفسنا كي لا نقع أكثر؛ كل ذلك جموعا هو المصدر الذي ينتج منه صمودنا وصلابتنا.


في حقيقة الأمر لم يكن لنا الخيار في أن نكون ما أردناه، ولكن فرض علينا أن نقاتل طوال الطريق لعلنا نصل؛ حتما لم نملك القرار في ذلك أيضا، فنحن ولدنا مختوم مصيرنا ب "مقاتل". لقد ولدنا نحمل بأيدينا سلاحا، وكتب على أقدامنا ان تشققها صعوبة الطريق. كان لنا الاختيار في إما ان نسقط أو ان نعاني. لربما يظن البعض انني أبالغ قليلا؛ لكنهم يعلمون في قرارة أنفسهم أن حربنا لن تضع اوزارها، وما أن يضع محاربا كفاحه تأكله الكلاب والضباع، وأسوء من ذلك، تأكله نفسه.


كان علينا ان لا نميل، ان لا نكل ولا نمل، ان لا نستكين. لم يكن القانون في صفنا، ولم يجازف العرف في الوقوف معنا، لم يكن معنا إلا أنفسنا، تدرعنا بمبادئ صنعناها لأنفسنا، وتسلحنا بدين باركنا به ربنا. لم تكن الأيادي التي مدت لنا نجاة، فما مد لنا كان حبلا يلتف حول رقابنا، إما أن نجتر وإما أن نختنق.


حينا ظننا اننا انتصرنا وحينا ظننا أننا انتهينا، ولكن بعض الظن إثم وبعض الشر خير! لم نكن نبصر ما تحت أقدامنا، وكانت آمالنا واهية. كنا قد تعلمنا ألا نحلم بما هو بعيد عن متناول أيدينا، وتربينا على ان لا تبصر أعيننا ما لم يكتب لأجدادنا. وكانت تلك البداية...


تلوح لنا الأحلام ونغض الطرف عنها، تلوح في الأفق الألوان فنوئد مصدرها؛ ظنا منا اننا لن نصل، اخترنا ان نتغاض عن الفرص التي القاها القدر على قارعة الطريق تنظر لربما اغتنمها أحد. تركنا لأنفسنا الشقاء لأننا تكاسلنا عن الانحناء لالتقاطها، وتحدبنا لننصاع لما قيل لنا؛ كان مسارنا في الطريق محدود، ومن ينحرف عما حدد له يلوكه الجميع في فمه. تعلمنا أن نصمت حين يسرق أحدهم خبزنا، وأن نشكره ما إن أعطانا من خبزنا كسرة؛ لم يكن المجتمع عائقا آن ذاك، لقد كان المعوق فكري ذي طرف حاد صدئ. حاولوا وضع رؤوسنا في قوالب فولاذية لتشكيلها، وما أن رفع أحدنا وأبصر فقأوا له عينه؛ فأصبح الأعور مثالا لكل من حاول ان يرى.


طمسوا عنا الحقيقة وجعلوا لنا الحق طريقهم، ومن ضل عنهم فقد ضل سواء السبيل. صنعوا منا رواعي وقطعان، وولوا على كل قطيع وليا منهم، وكلما أقربت منهم نهايتهم وضل الخراف عن سيدهم وتقلبت عليهم كلابهم؛ رأوا ان يصنعوا نظاما أخرا، نظاما لونوه حتى يراه الرعية الخلاص. اختصموا على طاولات كبيرة، وصُور لنا أننا ظفرنا؛ لكنهم كانوا يتصافحون وراء الطاولة، ويعدون أموالهم ويقسمون الغنيمة!


 تأمن الخراف سيدها الجديد، وتطأطئ رأسها ليربت عليه، فيبدأ الوالي الجديد -ذا النظام الرغد الزهيد- في قطع تلك الرؤوس التي ضلت عن سيده التليد، بغتة دون ان يصدر عنهم صوت أو صريخ، نجدهم قد اُقتلع رأسهم واختلطت الأرض بدمائهم! وتبقى الذريعة في الوسط، تقتات الذئاب على الخراف الضالة.


كان أول ما تعلمنا هو الصمت، فكنا نرد علينا طرفنا عمدا؛ خوفا من ان تقتات علينا نفس الذئاب، أو تتسلط على أقواتنا ضباع تابعة لهم. يتكرر المشهد كثيرا، ولا نجازف حتى بالتفكير في ذلك. تلك الخراف تركت عنها كفاحها، تذكرتْ ذاك الأعور ذاته واختارت ان تغض طرفها عما يقوده إليه قلبها.


كان الأمر سيان عند علمائنا، فكانوا يحجبون عنا كل ما يشوه شكل الأقفال الفولاذية التي حدونا ووحدوا نظرة العالم حولنا بها. كان الواحد مننا يولد فيتشكل على شكل طائفته، وحذاري ان يخالف حتى في هيئته شكلهم فتكون جهنم مصيره ولبئس المصير! جعلوا من الدين طينا، ينتقوا منه ما أعجبهم، يشكلوه بما يتناسب مع سيادتهم، ثم يجعلوا من رؤوسنا صاجا صلصاليا يخبزوا عجينهم عليه فيلتصق!


سيسوا لنا الدين وضللوا عنا الجنة، وضعوا لنا ضرائح وأجداث نتوسل الى بارئنا بها، ونسيو أنه سبحانه أقرب إلينا من حبل الوريد. وضعوا لنا شروطا، بل أنهم جعلوا لنا للجنة مفاتيح لا يرد عن بابها من حازها! جعلوا لنا قضيتا حقا، اما أسبابها فكلها باطلة. كان لهم قرنان وذيلا؛ يدرؤونها تحت غترتهم وأثوابهم، يولد الواحد منا صلصالا يشكلونه، اما أبناؤهم فبراميل يعبئونها. يزينونها بآيات من كتاب الله يحفظونها عن ظهر قلب ولا يفقهون إلا ما أفقهوهم إياه أوما سُمح لهم ان يفقهو منها.


في ضل ذلك كله، يضيع شبابنا وراء أوهام ادعوا انها ما تنبض به قلوبنا، كانوا يمنعونه منا علما منهم بأن كل ممنوع مرغوب؛ فأشغلوا الفتيل حتى يبلى ويهترئ قبل ان يشتعل. إنهم يعلمون أننا إن تفقهنا وحققنا وتتبعنا سنستعر، وتحترق بنارنا مخططاتهم وتكوي جمراتهم جلودهم. لم يكن سلاح الحرب البنادق قط، لقد كانت تضحية في سبيل تنعمهم؛ كانت الشعوب بيادق في يدهم يلعبون بها على رقع عديدة.


أخطر سلاح يملكه كل البشر؛ أخطر سلاح يجلب علينا المصائب و يجلب لهم الرخاء الثراء هو السلاح الذي سينتصر به من ينتصر. فكما أمر فرعون بقتل الصبية في أوانه خوفا من أن يظهر الحق، ووأد النمرود الأطفال لعام كامل في زمانه حتى لا يتبدد جبروته؛ يشكلون عقولنا حتى يزيد نعيمهم ولا تفنى أموالهم. خلق الله لنا عقولا متساوية، وهيء لنا السبل وأعد لنا الطرق وجعل لكل منا ميزتا، بل انه جعل لنا كتابه نورا لتتنور بصيرتنا وتأمينا لما في صدورنا.


يقال ان لكل زمان ظالم، ولكن الظلم واحد؛ لطالما ربط الظالم دينه به، يجره جرا يجر خلفه الملايين من من حفظوا دينهم حفظا، وتعلموا أن لا يسألوا فيه سؤلا وأن لا يسألوا عنه سؤالا. فجعلوا من فتوة ال"حرام" رادعا وشحة المصادر وازعا على ذلك، وموهوا لنا بوسوسة الشيطان وضعف النفس والإيمان حتى نسلم لهم رقابنا وأوطاننا.


وها قد وضع الذئب عليه لباس الجدة العتيق، اخفى مخالبه واسدل على قرنيه قلنسوة الحفيدة التي تصبغت -القلنسوة- وأنيابه بدمها حتى أصبحت حمراء بلون الورد الذي تقذفه مدفعياتهم على ما اغتصبوه من حقنا. فأصبح من بالأمس يقولون عنه عدونا -بعد قرون من الصراع -رفيق لنا تملأ البراءة والمروءة عباءته؛ ومن يطأطئ له رأسه فطوبى له، أما من ضل عن سلمهم فقد تلوث قلبه بالحقد والحسد وأمسى الحق في بصيرته باطلا؛ زهق الحق وظهر الباطل وهتفوا ان الباطل كان زهوقا!


ما أعتى هؤلاء الذين يظاهرون بالإثم والعدوان، وما أحقر أولئك الذي تتلون أعينهم بلون العملة الأقوى؛ الذين يبدلون جلودهم مع مصالحهم ويتبعون من يزيد لهم فوق سلطتهم سلطة. وتبا لكل من طأطئ رأسه وأعمى عينيه ليكلا تُفقأ!


بسم الله الرحمن الرحيم "ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار" صدق الله العظيم


#رها_المغازي



  • رها المغازي
    طالبة سياسة، اُسخر الأدب وأوظفه في مناقشة قضايا سياسية واجتماعية تهم الأمة العربية ككل ✨
   نشر في 04 نونبر 2022 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا