قادة الغرب والتعاطف الانتقائي - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

قادة الغرب والتعاطف الانتقائي

  نشر في 08 أبريل 2024  وآخر تعديل بتاريخ 08 أبريل 2024 .

كان المشهد حالكا بالشكل الذي يكفي لتحريك أساطيل من أجل إنقاذ غزة وإيقاف الحرب فيها ولو بالقوة، كانت الأوضاع تتردى من سيء إلى أسوأ بعد سقوط أكثر من 32 ألف شهيد حين قُتل 7 عمال إغاثة من جنسيات غربية مختلفة من منظمة المطبخ المركزي العالمي. هذه الواقعة هي التي قسمت الحرب في غزة إلى فصلين متغايرين في المنظور الغربي ، ماقبل جريمة قتل عمال المطبخ العالمي ومابعدها ، وليس ما بعدها كما قبلها !

بعد انتشار خبر الجريمة مباشرة وحين تبين أن هؤلاء المغدورين ليسوا ضحايا من النوع المعتاد ، فهم ليسوا عربا ولا فلسطينيين ولا من المسلمين " الذين يموتون كل يوم " و لا مواطنين عاديين منسيين من العالم الثالث الذي " لايُحتسب " في خريطة الإنسانية، بل إنهم غربيون ومحسوبون على الغرب .. يا للهول! أي جريمة شنعاء هذه ! حينها فقط بدأ التقريع الملَطف لنتنياهو في الدول الغربية وأشهر الدون كيشوت سيفه أمام طواحين الهواء حتى لا يتأذى وجه الصهيوني المدلل، وبدأت حينها زوابع الغرب في فناجينهم ، بولندا تستدعي سفير الكيان لديها وتعاتبه عتابا خفيفا لايرقى إلى معاداة السامية، أستراليا تنتفض بشكل لا يخدش أواصر الصداقة والمحبة، و سوناك صار يفكر على الاقل في تصنيف الاحتلال في قائمة الدول المنتهكة للقانون الدولي !

قتل عمال الإغاثة فعلا جريمة بشعة تضاف إلى قائمة طويلة من التوحش الصهيوني، لكنها فضحت المعايير الأخلاقية لدى العالم الغربي حين انتفض لأجلهم ونسي الفلسطيني الذي قصف مع الضحايا الستة ولم يتحدث عنه أحد منهم . 170 عامل إغاثة استهدفهم جيش الاحتلال طوال الـ 6 أشهر الماضية وفقا لهيومن رايتس ووتش، ناهيك عن الطواقم الطبية الفلسطينية التي ذاقت المرار في مستشفيات غزة وفي مهمات الإسعاف لم يلتفت العالم الغربي إلا إلى 6 منهم بمعايير انتقائية عنصرية بحتة..

بطريقة ما كان على جيش الاحتلال أن يقتل عمال إغاثة أجانب من دول غربية لها ثقلها حتى يتحسسوا إنسانيتهم المغدقة وترفقهم المتدفق فيضغطون على الاحتلال لفتح معبر إيرز وإدخل المساعدات بأحجام أكبر إلى القطاع، ويعمدوا تحت الضغط إلى تنحية قائدين عسكريين في جيش الاحتلال وتوبيخ ثلاثة آخرين ، كان ينبغي لأمريكي و3 بريطانيين وأسترالي وبولندي أن يموتوا قصفا حتى يتحرك الضمير الغربي ويسمع نتنياهو من بايدن صوتا أعلى بـ 1 ديسبل على أقصى تقدير بعد أن أحس أخيرا ولأول مرة بعد 6 أشهر بـالغضب والحزن والألم ! كان لابد من دماء غربية تُراق خطأ بنيران صديقة حتى يُكبح التوحش الصهيوني بمقدار خجول من الجدية والحزم، وحتى يعتذر رئيس الكيان الصهيوني هرتسوغ ، ولكي يدعو بلينكن "مترفقا" إلى محاسبة "إسرائيل" وليتبنى مجلس حقوق الإنسان في جنيف قرارا بمنع بيع الأسلحة للاحتلال ، حتى صرخات بوشنل وهو يحترق صارخا بحرية فلسطين لم تكن كافية في هذه المعادلة العجيبة ، فنحن هنا لسنا أمام عنصرية قومية وحسب بل أمام عنصرية أيديولوجية أيضا!

يقدم لنا الغرب وإعلام الغرب تصورات معمقة حول العالم المتحضر ، وحول مايجب أن يكون عليه الإنسان المتحضر، لكنه في حقيقة الأمر يكرس لنوع من الإذعان لـ " العالم الغربي المتحضر" ممررا تحت صور الحضارة الفتانة عنصريةً مقيتة، هم ومن بعدهم الطوفان ، هم النوع البشري الأرقى والأفضل ، وأصحاب الدماء الأغلى والأنبل. هذه الأحداث التي نعيشها اليوم تكشف حقيقة الزيف الذي يُصنع تحت الطاولات ويُبث عبر الشاشات في تكرار ممض لتلقين الضحايا أن الجلاد ليس سوى ملاكا كريما يحمل صولجان الرقي والتطور!

في لحظة ما من لحظات الحقيقة تبين أننا سكان العالم الثالث غير معنيين بالقوانين والأعراف والمواثيق الدولية التي تسود حول حقوق الإنسان ، وأن المشكلة ليست في التزامهم بهذه المواثيق ، بل في تعريف الإنسان نفسه من منظورهم الخاص ، الإنسان في عرفهم هو البشري الأبيض الذي ينتمي للمعسكر الغربي بالمعنى الجغرافي والفكري. والحقيقة الأقسى أنهم لم يسودوا هذه المواثيق من أجلنا بل من أجلهم هم لا غير ، لهذا السبب لا يصدر منهم أي تعاطف أمام الأهوال التي لقيها الغزيون أو العرب والمسلمون في أي بقعة من العالم ، لأنهم في تعريفهم " بشر من الدرجة الثانية" ويجوز - في أعرافهم - أن نكون قرابين لهوس مصالحهم وأطماعهم وجشعهم.

والسؤال هنا يبقى معلقا بلا جواب .. إذا كان الدم الفلسطيني والعربي لا يعني لهؤلاء شيئا .. كم على الاحتلال أن يخطئ في حق الرعايا الغرب بغزة حتى تتوقف الحرب ؟ 


  • 3

   نشر في 08 أبريل 2024  وآخر تعديل بتاريخ 08 أبريل 2024 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا