الشرق والغرب على رقعة الشطرنج. | يوسف الدرقاوي
الشرق والغرب على رقعة الشطرنج. | يوسف الدرقاوي
نشر في 04 ماي 2024 وآخر تعديل بتاريخ 05 ماي 2024 .
تمامًا كما في لعبة الشطرنج، تتقاطع علاقة الشرق والغرب بأنماطها المتنوعة والمعقدة، حيث تتحرك القطع وتتبادل السيطرة وفقًا لقواعد محددة.
الشرق والغرب، على الرغم من اختلافهما الواضح في الثقافة والتقاليد، إلا أنهما يشكلان جوانب مترابطة من عملة واحدة
فكما أن الشطرنج يتطلب استراتيجية دقيقة وفهمًا عميقًا لحركة القطع، فإن علاقة الشرق والغرب تتطلب أيضًا فهمًا دقيقًا للتفاعلات الثقافية والسياسية بين الجانبين. في حين كان الشرق يسبق الغرب في مجالات العلم والفلسفة في العصور الوسطى، إلا أن تطور العالم الحديث شهد تفوقًا للغرب.
ولكن، ليس ذلك دليلاً على تخلف الشرق، بل يكمن الفارق في استثمار العقول والمواهب. في الشرق، كان الاهتمام بالعلم والتكنولوجيا يقتصر عادة على النخبة، بينما في الغرب، تم التركيز على نشر المعرفة بشكل أوسع بين الشعب.
هذا التفاوت في الاهتمام بالتعليم والتطوير الشخصي يعكس مدى تأثيره على التقدم والازدهار. إذ يعكس الغرب استثماره الشامل في العقول والقدرات البشرية، في حين يعاني الشرق من تقييدات تمنع انتشار المعرفة بشكل واسع.
في المقابل، استثمر الغرب بشكل كبير في تطوير عقول أبنائه ونشر العلم والتكنولوجيا بين مختلف شرائح المجتمع. هذا الاهتمام الشامل بتعليم وتطوير الفرد ساعد الغرب على تحقيق مستويات عالية من التقدم والازدهار.
وعندما نتعمق في هذا السياق، نجد أن هناك قوى خفية تتحكم في الأحداث. تلك القوى العالمية تسعى جاهدة للسيطرة على العالم، وتستغل الاختلافات الثقافية والسياسية بين الشرق والغرب لتحقيق أهدافها. هذه القوى تشبه اليد الخفية التي تدير حركة القطع على لوحة الشطرنج.
في النهاية، يمكن أن نصف علاقة الشرق والغرب بأنهما مثل بحرين يلتقيان ويتبادلان الأمواج والرواسب، لكنهما لا يمتزجان تمامًا، مما يعكس تنوع وتفرُّد كل منهما وعدم الاختلاط التام بينهما.
في لعبة الشطرنج، يُعتبر الملك رمزًا للسلطة المطلقة، وهو الهدف الذي يسعى إليه كل لاعب بغية تحقيق الفوز. لكن، يدرك اللاعبون أن الملك لا يمكنه تحقيق هذا الهدف بمفرده، بل يحتاج إلى مساعدة القطع الأخرى التي تمثل المصالح المختلفة والتي تسهم في دعم السلطة.
فعلى سبيل المثال، تمثل الجنود القوة العسكرية التي تحمي الملك وتحافظ على سلامته. وتُعتبر الخيول رمزًا للقدرة على المناورة والمرونة، في حين تُعبر الفيلة عن الحكمة والذكاء. أما الرخت فيمثل القوة والسلطة، والوزير يمثل الدبلوماسية والتفاوض.
ومع أهمية هذه القطع في دعم وحماية الملك، يظل الملك هو الذي يحدد حركاتها ويوجهها وفقًا لأهدافه ومصالحه الخاصة. ورغم أهميتهم، إلا أن القطع تبقى مجرد أدوات في يد الملك، حيث لا يمكن لأي منها أن يتحرك أو يتصرف إلا بموافقته ووفقًا لتوجيهاته.
في هذا السياق، يُشبه دور القراصنة الذين يعملون وفقًا لمصالحهم الشخصية، ولا يهتمون إلا بتحقيق أهدافهم الخاصة. وهم عادة ما يكونون جاهزين للخيانة أو العمل ضد الملك إذا ما وجدوا في ذلك مصلحة لهم.
لذا، يجب على الملك الذي يسعى للحفاظ على سلطته أن يكون حذرًا ويعمل على إشباع مصالح هؤلاء القراصنة، حتى لا يتحولوا ضده ويُشكلوا تهديدًا لسلطته واستقراره.
هناك طريقتان رئيسيتان لإشباع مصالح القراصنة:
الطريقة الأولى هي الاستيلاء على السفن والثروات الأخرى، مما يمنح القراصنة السلطة والثروة التي يتطلعون إليها
أما الطريقة الثانية، فتتمثل في الاستيلاء على الأشخاص الضعفاء، وهذا يمنح القراصنة القوة التي يحتاجونها للسيطرة على الآخرين.
وتعكس لعبة الشطرنج هذا الواقع، حيث تُظهر أن السلطة لا يمكن أن تتحقق إلا بتوفير الدعم للمصالح المختلفة، وأن هذه المصالح قد تكون غير مستقرة وقابلة للتغيير.
تنتهي اللعبة عندما يتفوق أحد الأطراف على الأخرى، مما يظهر أن التنافس على السلطة والمصالح قد يستمر حتى يحقق أحد الأطراف الفوز.
ويجب على الحكام أن يكونوا مسؤولين عن قيادة الشعب وتطويره، إذ إن الأفراد يُعتبرون الثروة الحقيقية للدولة، ومن خلال تطويرهم وتمكينهم، يمكن للدولة أن تتقدم وتزدهر
في الغرب، تدرك الحكومات أهمية استثمار العقول والقدرات البشرية، حيث تؤمن بأن الثروة الحقيقية تكمن في البشر وليس فقط في الموارد الطبيعية. وبناءً على هذا الإدراك، تولي الحكومات الغربية اهتمامًا كبيرًا لتوفير التعليم الجيد للجميع، وتنمية المواهب والقدرات، وخلق فرص عمل مناسبة
نتيجة لهذا الاستثمار في البشر وتطويرهم، يعيش الغرب عصرًا من التقدم والازدهار. فشعوب الغرب تتمتع بمستويات عالية من المعيشة، ويبلغ معدل التنمية البشرية في تلك الدول مستويات متقدمة.
في الشرق، على النقيض من الغرب، نجد إهمالًا كبيرًا للتعليم وتطوير القدرات البشرية. فالعديد من الحكومات الشرقية لا تولي اهتمامًا كافيًا لتوفير التعليم الجيد للجميع، بل تركز بشكل أساسي على تنمية قدرات النخبة فقط، في حين يعاني بقية الشعب من نقص واضح في جودة التعليم.
ونتيجة لهذا الإهمال، تعاني العديد من الدول العربية من التخلف ومشكلة البطالة، مما ينعكس سلبًا على معدل التنمية البشرية في تلك الدول، حيث تبقى على مستويات متدنية.
من بين أكبر المشاكل التي تواجه الدول العربية هي هجرة العقول، حيث يهاجر الكثيرون من الشباب الموهوبين إلى الغرب بحثًا عن فرص أفضل، مما يمثل خسارة فادحة للوطن.
عندما يهاجر شخص مثقف وموهوب إلى الغرب، يستفيد منه الغرب ويساهم في تقدمه، بينما يحرم وطنه من خدماته وخبراته.
يمكن تشبيه الغرب بصائغ يأخذ اللآلئ من الشرق ويصنع منها مجوهرات جميلة، كما يمكن تصوير الغرب كمصنع يأخذ ثروات وثقافات الشرق ويصنع منها منتجات يبيعها للشرق مرة أخرى بأسعار مرتفعة.
لماذا لا نستثمر ثرواتنا؟
نعيش في زمن تسود فيه ركود العقل العربي، فالاهتمام محصور بإشباع الحاجات الأساسية وتفريغ الوقت في متع الجسد والمتاعب الزمنية، بدلًا من استثمار الثروات الفكرية والمعرفية التي برزت في تاريخنا.
يدعونا الوقت لتأمل عميق وتفكير صادق، لاستشراف ما أفقد عقولنا نبلها وجاذبيتها. ففي الماضي، كانت عقولنا مصدر إشراقة وتألق، تسعى للمعرفة والإبداع، وتبحث عن الحقيقة والجمال.
لكن مع تغيّر الأزمنة وتعرّضنا لتداعيات الاستعمار والغزو، طغى الانحطاط على روح الاستقلالية والتفكير النقدي. صارت عقولنا تقتصر على التقليد والتماهي بالغرب، متناسين إرثنا العريق وحضارتنا القديمة.
في الوقت الحاضر، يفتقر معظم شبابنا إلى الاهتمام بالتعليم والثقافة، ويفتقدون للرغبة في تطوير مهاراتهم واكتساب المعرفة. ينغمسون في أمور الحياة اليومية دون أن يلقوا نظرة على الآفاق المتاحة أمامهم.
حتى من يظن أنهم مهتمون بالعلم والتعليم، ينشغلون بالاستهلاك السطحي للمعرفة دون أن يبذلوا جهودًا جادة في تطبيقها وتحويلها إلى إبداعات وابتكارات. إنهم يتلقون المعرفة بلا جدوى تطبيقية، ما يجعلها ثروة ضائعة بدلًا من أن تكون موردًا حيويًا للتقدم والتطوير.
في هذا الزمن الراكد، يجب أن نتذكر قيمة الاستثمار في عقولنا وثقافتنا، وأن نعيد بناء جسور الفكر والإبداع التي تربطنا بماضينا العظيم وتوجهنا نحو مستقبل مشرق.
في الغرب، تمكنوا من تشكيل عقول أبنائهم وتوجيههم نحو التفكير والإبداع، حيث تم نقل الفكر العلمي والابتكاري إلى الأجيال الجديدة. فأغلبيتهم أدركت أن العلم هو المفتاح الأساسي لتحقيق التقدم والازدهار. ونتيجة لذلك، تمكن الغرب من أن يصبح قوة عظمى في العالم المعاصر.
إذا أردنا أن نعيد لأنفسنا مجدها السابق، ينبغي علينا إعادة صياغة تفكيرنا وتنشيط عقولنا. يجب أن نستوحي من تجارب الغرب في بناء مجتمعاتهم المعرفية والابتكارية، ونضع العلم والتعليم في صدارة أولوياتنا.
الفكر العربي يشكل حجر الزاوية في بناء مستقبلنا، فإذا كان ضعيفًا ومتخلفًا، فإن الأمة العربية بأكملها ستعاني من الضعف والتخلف. لذا، ينبغي علينا أن نعتني بتطوير وتعزيز الفكر العربي، وتشجيع البحث والابتكار، لنعيد الأمة العربية إلى مكانتها الطبيعية في عالم العلم والتقدم.
خلاصة القول، يكمن مستقبل الشرق في تحسين التعليم وتطوير الموارد البشرية، بالإضافة إلى توفير فرص العمل المناسبة للشباب. عندما يتم الاستثمار في الشباب وتمكينهم، سينعكس ذلك إيجاباً على التقدم والازدهار في المنطقة. ومن خلال الاعتماد على مواردها الداخلية واستثمار الطاقات الشبابية، يمكن للشرق أن يعيش حياة كريمة ويستفيد من ثرواته الطبيعية. إن نهوض الشرق وتحقيق تطلعاته ليس مستحيلاً، بل هو واقع محتمل وممكن بجدية وإرادة حقيقية.
-
يوسف الدرقاوييوسف الدرقاوي من مواليد ماي 2003 متدرب في معهد التكوين المهني حي السلام