حل الليل منذ قليل، وزمردة لم تخرج بعد من غرفتها، فأرسلت إليها الأميرة التي تدعى ليزا، خادمة من خادمات القصر، تدعوها للعشاء.
لم تمر بعض دقائق حتى لبت زمردة الدعوة. في حقيقة الأمر هي في اقصى درجات الجوع لم تتناول شيئا منذ قدومها، ربما من هول الاحداث التي تتالت عليها، او من شدة الفرحة بتلك الغرفة الخيالية. لبت طلب الأميرة بسرعة.
عند دخولها قاعة الطعام، كانت هناك طاولة مستديرة ذات حجم كبير، تتوسط القاعة، وضعت فوقها مزهرية كبيرة للزينة، تحوم حولها الأواني القيمة، الذهبية والفضية من كل جانب، و الكؤوس الطويلة، زجاجية الصنع التي أضافت فخامة أكثر على الطاولة. سُحرت زمردة بروعة القاعة و جمالها. إنها فعلا قاعة ملوك من أعلى طراز ،مثلما تخيلتها، قبل قليل قبل وصولها، وهي تمشي بين أروقة القصر و أجنحته.
وهي في تلك الحالة من الانبهار، دخلت الملكة ليزا يتبعها الخدم في أبهى صورة لها، جلست في مقعدها الذي كان في مقدمة الطاولة. ثم نادت زمردة وطلبت منها ان تجلس بالقرب منها. للحظة خيل لزمردة، أن لا أحد غيرهما في هذه القاعة الكبيرة، لكن حدسها أخطأ، لأن أخ الأميرة ليزا، تفضل بالدخول ليشاركهما الطعام. تعرفت عليه منذ النظرة الاولى و لكن لم تعلم لماذا يقحم نفسه معهما في هذه القاعة. فنظرت إليه نظرة سخرية لتذكره بتصرفه الغبي قبل ساعات في غرفتها، لكنه لم يعرها اهتماما، وتوجها مباشرة إلى أخته يقبلها فوق جبينها، استغربت زمردة من تصرفه، لكن الأميرة نظرت إليها مبتسمة و اخبرتها، انه أخوها الوحيد، ويدعى ماثيو، فألقت عليه التحية وهي في كامل خجلها. لكن ماثيو المتكبر، أخذ يأكل ولم ينبس بحرف واحد.
-إنه شخص مغرور، غير متواضع. و يصعب تحمله. هكذا ظلت زمردة تتحدث في نفسها.
إنتهت فترة العشاء، بسلام فإستأذنت زمردة بالخروج، أما ماثيو فطلب من أخته أن يتحدث معها قليلا، على انفراد. أخبرها عن مدى قلقه و إنزعاجه فورا سماعه أن هذه الفتاة الضعيفة هي من ستخلص القرية من تلك اللعنة، لكن ليزا تفهمت موقفه وقالت له بصوت هادئ :
- ليس لنا حل آخر، حتى نزيل اللعنة، ولن نخسر شيء إن حاولت مساعدتنا. أرجو أن تتفهم الموقف يا عزيزي وان تتعاون معها ...
فأجابها غاضبا:
- أنتِ دائما تتصرفين من تلقاء نفسك !
وخرج من تلك القاعة تاركا الاميرة في عاصفة من الحيرة و الخوف، كونها الأميرة، و وظيفتها الاولى إنقاذ القرية بأكملها و إخراجها للعالم الخارجي، بدل هذ السجن الذي جعل العالم ينسى أن هناك مدينة ما تعيش معه . وكونها أخته الكبرى التي تحاول دائما جعله في المقام الأول من إهتمامها.
في تلك الأثناء نامت زمردة من شدة تعب، بمجرد ان استلقت فوق السرير، أما ماثيو فإستولى عليه الفضول حول زمردة، وقرر ان يمر بالقرب من غرفتها، ربما يجد لغزا ما يحوم حولها. لكن فور وصوله وجد باب غرفتها مفتوحا، فدخل ليجد زمردة تلك الفتاة الضعيفة، تغطو في نوم عميق، ولم تقم بوضع الغطاء فوقها، "يبدو انها حقا متعبة" ، هكذا ردد ماثيو هذه الكلمات بينه وبين نفسه، فلم يرغب في الخروج قبل أن يغطيها، لكن وجد نفسه يتأملها عن قرب وهو يجثو على ركبتيه بالقرب من سريرها، و ينظر إليها نظرة غريبة، كأنه يحاول إكتشاف أمر ما، أو ليحفظ ملامحها في ذهنه. فتحركت زمردة قليلا، حينها، تدارك تصرفه، وخرج مسرعا دون أن يقوم بتغطيتها، ربما خوفا من تفتح زمردة عينيها لتجده ينظر إليه و هو يجثو على ركبتيه قرب السرير، او خجلا من ان تفضح تصرفه الحميمي نوعا ما، والحال أنه كان يتصرف معها منذ الصباح بخشونة و تكبر. فتظن أنه مختل، او منفصم الشخصية.
يتبع ....
-
راضية منصورمختصة بدارسة قانون سنة ثالثة دكتوراه