تجولت في قريتي ليلاً هائماً على وجهي ، يعتريني الحزن والضيق، أبحث في كل الأماكن عن صديق أو حبيب ، أشكو له أمري ، أحادثه وأسأله : ماذا فعلت في سنواتي الماضية لتضربني الحياة وتحطمني بهذه القوة؟!
غير أنه لا يوجد أحد، الجميع غادروا وبلا وداع ، قادتني خطواتي إلى مقابر القرية، لا ادري لماذا أحسست بإنجذاب شديد تجاه هؤلاء الموتى ، أو لعلني انجذبت للموت، ربما، الصمت والهدوء يريحان نفسي قليلاً، هذا الهدوء الذي يغطي على الصخب والضجيج اللذان يضربان أعماقي، جلست بجانب أحد القبور لتذرف عيني دمعة لربما طال انتظارها، فمنذ فترة أصبحت عاجزاً عن البكاء، فقد بكيت كثيراً دون جدوى، لقد ملت عيناي البكاء
أحسست بيد باردة تلامس كتفي ، نهضت مرتعداً وأقدمت على الجري والفرار، لكني تعثرت بحجر ضخم ، فسقطت على وجهي، رفعت رأسي في خوف لأجد شخصاً شاحب الوجه أصلع الرأس ذو عينان غائرتان، وجلده متيبس يغطي جسده كفناً أبيض اللون، ابتسم ابتسامة باردة ، وجلس أمامي وقال:
لا تخف، الموتى لايؤذون الأحياء، الأحياء فقط هم من يلحقون الأذى بأنفسهم وبكل من حولهم، قبل انتحاري كنتُ مثلك
مكتئباً يائساً وحائراً امتلأت رأسي بالأفكار السوداء، وامتلأ قلبي بالغضب والكره على كل من فارقني وتركني وحيداً، على أخ أغلق بابه بوجهي، وعن حبيبة فضلت صاحب المال والسلطة على حبي الفقير المتواضع ، اكتست تفاصيل حياتي باللون الأسود القاتم، تركت عملي تركت موهبة كنت أحبها منذ الطفولة، تركت أهدافي وأغلقت عيني عن الأمل ، وفي الليلة المشئومة دخلت غرفتي، وتجرعت كأساً من السم إلى أن فارقت الحياة، ثم ماذا ، لا شيء، أنا شخص ضعيف، أنهى حياته في لحظة يائس حمقاء، لا فائدة مما فعلت لم يشعر الآخرون بجرائمهم التي ارتكبوها في حقي، أقسم أنهم الآن يعيشون سُعداء يعملون ويمرحون ، أما أنا فقد خسرت كل شيء ، خطواتك التي قادتك إلى هنا لم تكن من قبيل الصدفة، إنه القدر، إنها الرسالة.
فأرجوك يا صديقي توقف عن الحزن ، توقف عن الاستسلام للأفكار السوداء الغبية، من مضى قد مضى ، وانتهى الأمر، نحن لا نمتلك إلا حياة واحدة وأرى أنه من الضعف أن تستسلم أمام مصاعب الحياة ، ، أريدك أن تثبت للجميع أنك شخص قوي صبور، لا تحطمه التوافه ولا يقصم ظهره فراق الآخرون، وكن على يقين أن الفراق قانون ثابت من قوانين الحياة، فانهض ودع عنك اليأس ، وسر في حياتك مُحطماً كل الصعاب وكل الأفكار القاتلة ، فمن رحم الألم تولد السعادة.