في ذكرى الغياب.. - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

في ذكرى الغياب..

في ذكرى الغياب..

  نشر في 24 يونيو 2018 .

في ذكرى الغياب!

هيام فؤاد ضمرة..


سأبث طيفك شعوري وشوقي وحنيني!

وسأبرح صمتي لينطلق صوتي معلنا انبعاثات شجوني!

فتلقفني يا طائر الفينيق وانفخ في أعقابي نيران هبوبي!

وأقر في ملحمتي أساطير انتقالي حتى اعتقال مصيري!

سيظل هذا الكوكب المنبعث ضياءاً تاركا في الأثر نورا يضيئ كونا زاخرا حضوره، ما زال بالهون الرحيم يحتويني، وستظل ذكراه عزفا منفرداً هادئا يهدهد كل حواسي وأنفاسي ويثير شجوني، ويُسكن الهدوء بعد عصف، ويتهادى في مسيل النهر الجاري عبر شراييني، وطيفه النوراني يختال في كل مكان، حتى تعودت الأماكن لثم خطاه في الإقبال والإدبار، وبين رحلة وضوء وسجود فجر، وإقامة ليل بصلاة خاشعة، فيرسل عبر الأثير صوته يدعوني، من داخل محراب تعوَّد في رخيم صوته أن يعبئ مسامعي بكلمات الله التامات، ليبث أمواج السكون في روحي وتلافيف مشغولات عقلي، وتنتظم للخشوع أنفاسي في تردد منتظم يُوَاسيني، وذاك المبسم الذي حلاه ربي بالذكر، شاء الله له صفاءً يُسعِف بالابتسام فرحي في كل وقت وكل موقع، وغداة كلّ صبح يفرد شعاعاته فيسابقه النور معبئاَ بالسطوع تلابيبي.

يزاور ظله الساكن عالمي ويوضح تفاصيل معالمي، ليأخذ بيدي في ظلمات الطرق المعفرة بالاصطدامات، فطيفه السابح في محيطي هو دليلي الأمين، ونبضي العليم، ومرآة ظهوري، فحبه حارسي وإنْ رحل عن عالمي، لا يفارقني طيفه وإن غابت عني كلّ أحلامي، فبهِ القلبُ يَنبضُ بأجمل المشاعر وأبقاها، وبهِ استدلال خطوي على مدى إيابي وذهابي ورحيلي، توافيني همساته على تقاسيم خرائط مسافاتي واعتزالاتي وفي ثبوت يقيني.

فما زالت تلك اليد الحانية والرحيمة تكفكف دمع العين كلما تفجَّرت مياهها، وكلما لاحت لفتة من ذكرى ملامحه، لينبعث بحب الله يقيني، أن سيجمعنا في تلك الدار حيثما الوعد يُشفيني، ويتمحور الأثر الطيب لوجوده كأنما هو غيمة تظللني في طرقات الحياة، تحرسني وتقيني، فإنْ كان فارقني إلى عالم برزخ يواريه، فقد أبقى لعالمي طيفٌ يُحاديني ويناغيني، وما زال على قارعة الانتظار يترقب في الإياب مروري، وما زال يفرد هناك حرائر جوده لحضوري، وأنا التي أتقدم بالخطى الوئيدة نحو نهاية رحلتي، أتوق للقائه ما وسع لحبه وجودي، فيا أنتَ الغائب بالرحيل قبلي، وقِبلتك عالمٌ يسبح بملكوت الله بكرة وأصيلا، قَبَلتْكَ شفاهي ذات لحظة رحيل على جبين ماثل النور سطوعا، ما لوثه الوهن ولا رد في بُعد المسافات وهج خاطري، وأنا أدس في حقيبة رحيلك مشاعري وحنيني وكثير جنوني.

اصطفاك فؤادي حين تقاربنا، واصطفاك ربك فقربك حين أحبك، وأنت الشريف العفيف تكتنز في داخلك مشاعر سحري وفتوني، أقم عند ذلك التل حتى تراك على قرب عيناي، وتشهد على ابحارك باتجاه مراكبي ومع إقلاع سفن رحيلي، فليس لموانئي أنْ تُبدي اعتراضاً، وليس للإبحار في ظلك ما قد يَستهين به مدار رحيلي، وأنا أهجس معكَ ولكَ بأسراري، وتفاصيل حواري، وأسرد على أسماعك حكاياتي من مبدأها حتى تقفل آخر فصل فيها، كما كنا وكانت عليه أيامنا الخوالي، وكان الليلُ بأطرافه يُدارينا، ويُسامر فينا شطحات ارتحالاتنا عبر عبارات أغانينا، حتى تلك الأحلام التى تداولناها، وخدرنا لها لحظات الانتظار، فأقمنا لها بنيانا وزينا مداخله، حتى حسبناه يُشرع لنا الأبواب ويضيء الساحات بكل منارات الوجود، لتلتحف أعيننا فرح النوال بكل اقتدار، فنبتسم لها معاً، وتبش ملامحك بابتسام ساحر ينفض عني غبار مشقة ائتلفتها طوال نهار شاق، أو يعترف السهد للعدم وسراب الزمن يتراءى، فيما الذاكرة تتسكع في متاهات عقلي فتنحتك انساني الطائر على مدارات خيالي، وبين متاهات أسفاري الموحشة نحو العدم، والوقت يلج في أنحائي يداهم ذاكرتي ويذكرني، أن لك دوما في عالمي مخيالا لا يألُ يدوي بالنور، ويأخذ بالرفق يدي لنسير نحو فراق احتضاري، متخطياً مشارف نهايات سنيني، ورحيل روحي إلى داخلي، وإن عاودت خروجها عبر حدود جودي إلى حيث وجودي.

اكتنفني الصمت على غير جزع، وحَبَت على أربعِ عباراتِ انصهاراتي، ونظرات عيوني ترفرف فوق عذوق يقيني، وأنا السائرة على أطراف أصابعي على بساط أوراقي، أسجلك قصتي وحكاية مراحلي، ومشاعري تناضلُ في أنواء جوانحي، وبين مفارز حدودي، فليس لبقية الرحيل خواء وأنت ظلي الملازم ترعى خطوي، وتوسع مكان جلوسي، وتفرد من حولي أزهارك، لتعانق في فوح عطرها زهوري ، فيا سحابي الذي أمتطيه شموخاً، أصهل عالياً بالكبرياء، ففارسي يَجدّ الخُطى ليتلقى هناك لحظة حضوري مُفعمة بشعوري، ستسمع طرقات الفضاء نقرات خطونا، وستداعب الغيمات أقدامنا، وتغسل بفوحها أنداء أشجاننا، ونعائم مراتب ظنوننا، ويا أنت الذي ستضحك فرحا لفرحي، وستسعدك رحلتي التي أوكلتها ما شئت من أشكال التجلي في روعة هطولي.

فيا ترحالي الظامئ، يا وسن أهدابي، وتقلبات الذكرى على شبكية عيناي، وفي قلبي المبلل بغيث مشاعري، وتراتيل الاشتياق في حنيني، ارسمي وجهه المشرق بأحداقي، بكلّ الألوان وكل الأفراح والمحسوسات، وضعي على خدِهِ خالٌ أستدل به اشعارات مروري، فيا وجهكَ الأبدي الأروع المطبوع على غِلاف ذاكرتي، يا طبعتي الأولى والأخيرة والوحيدة بأوراق أسحاري وأحداقي وأفكاري، ولباليبُ تفتحي واخضراري، يا عيون تدفق نبعها ليملأ كؤوس هوسي بك واشتياقي، فقد منحتك أحداقا ترقب بودها ظنوني، فافتحوا يا أيها الناس غلاف كتاب عيشي، لأريكم كم ترنح طيفه على دنوٍ وكم زارني سابحا بأجنحة السلام فوق مساحات حنيني، وعارجاً بين مقاعد حجزي، على رحلة سفري المتجهة إلى عالم هو فيه طياري وقائد رحلتي نحو سماء لا يشتعل البرق بها، ولا يستوطنها إلا كل شغوف تعبأت روحه بالسلام والوئام.

سأحملق في البعيد البعيد، وأحتسِبُ مساحات فراقنا، وراحلتي التي تخبرني كيف يكون تسحبي من عالم لستُ أنتمي إليه بكلِّ وجودي، والنهاية مشعشعة أناملها تطوي الأيام دون أنْ تحتسب في الصبر انشطاري مصاحباً تقلب مصيري وقراري، سأستوطِنُ الأفق، فيما قلبي ينتظرك مُقبلاً تمتطي فرس حلمي الأجمل، فوق أجنحة الضياء، في حضرة عشقي بك، وقد تحول دمي مداداً يكتبُ قصائد الشوق دون أدنى أنين، ليذوب الكلام على شفتي شهدا ليس بحلوه الشهد، ويسكن بريق عيني ذلك الحنين المترعرع بين أكناف وجودي، وبين حضرة طيفك المرهف بودي، وبرقك المحترق يكبلني بحكاياتي ومعتركاتي، كلما لاح صراخ الرعد في جنبات انتقالي، ليُطلق في المدى عبق السرد فصولاً، تمتد بسحر وصفها وقصيدها، فيختبر يراعي بي ملكة ابداعاتي، وانعتاق ردي عن مرادي، فيوثقني عاشقة الراحل الذي ستتبعه خطوي حتى أستدل فجر لقائي.

فانظر يا حبيبي؛ كيف يتساوق في القلب رجائي ، وكيف تحملق في الأقدار أقداري، فكأن براثن الزمن وحش يغرز أظفاره في حظي، وبين أكوام جمودي، وأنا بك ما زلت أزرع الشغف أشجاراً وفسائل، فأسقيها من ماء عيوني، وأشذبها بأنفاس كموني ، زرعت فيك بيدري سنابل قمح لأحصد إليك محصول وجودي، فأجمَع بين كفيك شتاتي وأشيائي، وفرائض انشغالاتي بك وعزائي، فأستوقفُ لقدري لحظاتي، وألملم ما أسقطه الرحيل من كلماتي خلال مسافات رحلاتي، لأكتبكَ ملحمة تجوبُ أفقُ الشوق لمُحَيَاك، فمن ذا يقوى على نسيانك أو يَسهاك، فلا خصيم يدوس بالقهر أرض مرضاتك، ولا سجال ليس في النباهة أريب قادرللمثول أمام مثواك، فحذار يا شغفي حذار، فهذه الدار ستجمعنا بعد غياب وشفاهة حوار، وسيشع النور ثانية من بعد كل المراحل، إلى ما بعد الاحتضار، فانتظرني في مجلس القمر حيث هناك سنوقع صك لقاء العشاق.    


  • 2

  • hiyam damra
    عضو هيئة إدارية في عدد من المنظمات المحلية والدولية
   نشر في 24 يونيو 2018 .

التعليقات

Salsabil Djaou منذ 6 سنة
هو القدر يفرقنا عن من نحب ، ولا يواسينا غير الرضا بقضاء الله ،قد يقرأ مقالك من فقد عزيزا فيحس بكلماتك و كأنك تلمسين حزنه و تواسينه في آن، فبين الذكرى والشوق و الرضا تمازجت حروفك ، مقالك رغم الحزن بين كلماته يحمل الرضا بم كتب الله علينا ،صبر الله كل نفس فقدت حبيبا و عوضها خيرا على اصطبارها ،سلمت يمناك سيدتي الفاضلة ،تحياتي وتقديري.
1
hiyam damra
صباحك الهناء من وسعته الدنيا من رخاء.. اللهم إنا بإسمك العظيم نسبح وبذكرك نفتتح مسيرنا مع كل تحرك ونشكر فضلك وإحسانك علينا، نتعبدك وأنت الخالق الرحيم العظيم الكريم.. اللهم إنا بالصبر والرضى بقضائك متمسكين فما خلقته لنا هو الأفضل دوما والأنسب، وما بالموت إلا نهاية لكل حي.. أصعب ما بالوجود شعور الفقد وغياب الوجوه التي أحببناها، لكن الغائبين بوجوههم هم حاضرون بأطيافهم داخلنا لا يفارقونا ولا حتى بالتقادم.. رحم الله والدينا على ما ربيانا من كريم الخصال ورحم الله أزواجا رحماء محبين جملوا حياتنا بالحب والاحترام ورحم الله أمواتنا وأموات المسلمين أجمعين... مرورك على نصوصي يسعدني سعادة غامرة يا سلسبيل فكلماتك تمنحني طاقة عالية وسعادة غامرة فشكرا لكل مرور تطلين فيه بعبارات الألق والعبق.. أجمل التحايا
Salsabil Djaou
صباح الخير والبركات في جمعة مباركة و أنا أقدر ردك الطيب و الشكر موصول لك على روعة ما تخطين ،رحمهم الله و أسكنهم فسيح جناته و سدد خطانا للنصح و فعل الخير.

لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا