هل تساءلت يوما عن مفهوم الزمن ؟ هل تساءلت عن ماهيته ؟ هل تعتقد أن الزمن حقيقة مطلقة ؟
قد يكون المفهوم الذى يتبادر لذهنك عن الزمن ، هو مجموع ال ٢٤ ساعة التى تعرف بيوم الأرض ، ولكن أن ذلك المفهوم لم يلبث أن يتلاشى ويفقد قيمته ، حينما تدرك أن اليوم على كوكب زحل لا يتعدى ال ١٠ ساعات ، وأن اليوم على الأرض يختلف بالزيادة والنقصان عن باقى كواكب مجموعتنا الشمسية .
فى الحقيقة لم اعرف غموضا قد يحيط بشئ ، مثلما يحيط بالزمن وماهيته ..
ويبدو أنه لا وجود لحقيقة زمنية ، فالحكم نسبى ، وفرضية وجود زمن واحد للكون أصبحت فارغة المضمون ، عارية تماما من الصحة ، وذلك لاتساع الكون الشديد ، على أن الكون يتحرك ، وليس ساكنا كما ادعت النظريات القديمة .
ولكن لكى نحاول الاقتراب أكثر من مفهوم الزمن ، ومحاولة فهم ملابساته لا الإحاطة بها لأن ذلك درب من الخيال ، علينا أن نربط الزمان بالمكان ، فيوم الأرض يختلف عن يوم زحل نتيجة لبعد أو قرب كل منهما عن الشمس ، ومقدار حركة كل منهما فى ذلك المكان ، أضاف أينشتاين البعد الزمنى للمكان كبعد رابع اضافة الى الأبعاد المكانية الثلاثة : الطول والعرض والارتفاع ، وأوضح أنه لا يمكن فصل الزمان عن المكان ، فيما عرف بالزمكان ، فالفكرة الرئيسية لنظرية أينشتاين (النظرية النسبية) تكمن فى أن الحركة خلال المكان تؤثر على الزمن . وقد قام العلماء فى عام ١٩٧١ بتجربة عملية ، حيث أطلقوا صاروخا إلى الفضاء ووضعت فيه ساعة ذرية ، ونفس الساعة بنفس المواصفات كانت على الأرض ، وتمت مراقبة دقات عقارب الساعتين ، فكانت النتيجة هى تأخر دقات الساعة التى على متن الصاروخ عن مثيلتها فى الأرض ، بفارق وافق تماما قانون النسبية الذى وضعه أينشتاين ، وتأكد فعلا أن مقدارالحركة(السرعة) فى المكان يؤثر على الزمن ، فزيادة السرعة تعمل على ابطاء الزمن بفارق يمكن حسابه .
وأعتقد أن اثبات فكرة تباطؤ الزمن بما لا يدع مجالا للشك ، زاد من الأمور تعقيدا فيما يخص مفهوم الزمن ، وجعله أكثر ابهاما وغموضا ، فمثلا عندما تعرف أن ضوء الشمس يستغرق حوالى ٨ دقائق حتى يصل إلينا ، نتساءل هل ما نراه قبل مرور تلك الدقائق حقيقيا ؟ وهل يجعلنا ذلك نشك فى حقيقة الزمن ؟ هل زمننا زمنا وهميا ؟
فى الحقيقة لا نستطيع تفسير ذلك الغموض ، وكل ما نستطيع قوله أن الزمن يتباطأ نتيجة لانحراف الضوء أو انحنائه حول الأجسام بفعل الجاذبية ، وكلما كانت كتلة الجسم كبيرة ،كلما زادت جاذبيته ، مما يؤدى لانحناء الضوء حوله فيتباطأ الزمن ، وتلك الفكرة وضحها أينشتاين ، ودحض بذلك نظرية اسحاق نيوتن ، حيث قال نيوتن باستواء الكون ، وبذلك فإن الضوء يسير بطريقة مستقيمة ، وبالتالى فإن الكون سيكون له زمن واحد .. بينما أكد أينشتاين أن الكون غير مستوى ، وبأن كل خطوط الكون منحنية ، وبالطبع قدم أينشتاين قدم كل المعادلات وصاغ القوانين ، التى ثبتت صحتها بالدليل القاطع .
ثم بدأت المحاولات لاستغلال فكرة تباطؤ الزمن ، فتباطؤ الزمن يعنى أنك إذا حصلت على نسبة كبيرة من هذا التباطؤ فإنك قد تنتقل إلى المستقبل ، ولتوضيح الفكرة نرجع الى التجربة التى أجراها العلماء ، حينما أطلقوا صاروخا إلى الفضاء على متنه ساعة ذرية دقيقة جدا ، وبمقارنتها بساعة مطابقة لها تماما على الأرض ، حصل العلماء على نسبة تباطؤ زمنى للساعة التى على متن الصاروخ ، ولكن النسبة كانت ضئيلة ، فلو افترضنا أننا توصلنا لتقنيات معينة من شأنها أن تزيد نسبة التباطؤ إلى درجة كبيرة ، فسننتقل حتما إلى مرحلة زمنية أخرى وهى المستقبل ، بمعنى أنك ستسافر عبر الزمن ، وعلى الجانب الآخر أكد أينشتاين أنه لو تمكنا من السفر بسرعة تساوى سرعة الضوء لانتقلنا إلى الماضى .
وهنا بدأت الأبحاث ، وبدأ شغف لا ينتهى نحو فكرة السفر عبر الزمن ، وتصميم آلة لتحقيق ذلك .. مع العلم أن أينشتاين أكد من جانبه أنه لا يمكن الوصول لسرعة تساوى سرعة الضوء ، ولكن هذا لم يمنع العلماء من الشغف التام والفضول القاتل نحو تلك المسألة .
والسؤال الآن : هل السفر عبر الزمن شئ ممكن ؟؟
- الجواب : السفر عبر الزمن من الناحية النظرية شئ ممكن ، وحسب المعادلات فإنه يمكنك الانتقال إلى الماضى إذا تمكنت من السفر بسرعة تساوى سرعة الضوء ، بينما تستطيع الوصول لمحطة المستقبل إن تجاوزت تلك السرعة .. ولكن هل استطاع العلماء مع التقدم العلمى والتكنولوجى المتزايد يوما تلو الآخر السفر عبر الزمن ؟؟
والحقيقة ، لا لم يستطع أيا منهم منذ ولادة الفكرة ،وحتى يومنا هذا القيام بذلك ، ربما للسبب الذى أوضحه أينشتاين فى حياته ، حيث شكك من قدرة العلم فى امكانية السفر بسرعة تساوى سرعة الضوء ، لأنه فى حين الوصول لسرعة تساوى سرعة الضوء ستزيد كتلة الأجسام إلى كتلة لا متناهية ، وهذه الفرضية مستحيلة ، فليس هناك كتلة مطلقة ، ولكن شغف العلماء جعلهم مستمرين فى إجراء تجاربهم حتى اليوم ، متعللين أنه ربما مع التقدم العلمى المستمر ، ربما يتسنى لهم الوصول يوما لسرعة تساوى سرعة الضوء ، وربما قد يتجاوزونها .
على أن الفلاسفة كان لهم رأى يميل للمنطقية فى تلك التطلعات ، وطرحوا سؤالهم : إن كانت لديكم تلك التطلعات نحو السفر عبر الزمن ، متعللين بالتقدم التواصل والمستمر للعلم ، فلماذا لم يسافر إلينا أناس من المستقبل ، وهم بالتأكيد يمتلكون حضارة ومقومات علمية أعظم بكثير مما نمتلك نحن ؟؟
ولم يكتف الفلاسفة بذلك ، وإنما كان سؤالهم الآخر ، لو أمكنكم السفر إلى الماضى ، هل تستطيعون تغييره ؟؟ وضربوا مثالا أطلق عليه (مفارقة الجد) ، والمثال يقتضى أنه إذا سافر شخص إلى الماضى وقام بقتل جده فلن يكون لأبيه وجود ، إذا لن يكون بدوره هو الآخر له وجود ، وهذا ما يجعل فكرة السفر عبر الزمن فكرة سخيفة .. وهكذا توالت المفارقات بين الفلاسفة ورجال الدين من جهة والعلماء من جهة أخرى .