لعبة الورق (الكوتشينة) من الألعاب العائلية الممتعة، لا سيما واللعب مشدود مع أطراف حديث سامر في علِّيةِ منزل تحت قمر مُضاء، بحيث تستطيع أن تتأمل من موقعك النجوم السواطع، إلى جانب إمكانية تتبعٍ للشُهُب الهائمة في الأجواء العليا في مثل هذا الوقت من العام، باحثًا عن...
حسنًا. دعونا نهبط إلى قشرة الأرض، هناك بأعلى نُتُوءٍ يتكون من خمسة طوابق، حيث حلقة مكونة من سياج بشري، يصطف على أقطارها ورق لعب بحيث يتخلل الوحشة الليلية صوت ضحكات مع بعض الأحاديث حول (الشيف الشربيني) و(محمد صلاح) وإعلان (اديني الكيكة يا بابا)!
من قال أن الإعلام يؤثر على عالم الحياة من موقع خارجي مُستقل؟!، فحياتنا اليوم ليست إلا شاشة سينمائية تسع كل ضروريات الإنسان. إن ما نريده حقًا قد ذاب في عملية تماهي مع عالم المشاهير. حري بهذا العالم أن يلقب بعالم (الصور الزائفة)، وأيُّ زيف أشد من الاحتفاء بنزع الخطوط الفاصلة بين الخيال والواقع!
لا يهم!
ما سيلفت نظرك حقًا وأنت تنظر من مشهد رأسي، هو هذا الفتى الذي استأثر بمجموعة ورق لعب في ركن خالي، لا ينقصه سوى (مِبْخَرَة) مشقوقة الجدار حتى يتحول لساحر مُتوجهًا ناحية (زحل) ليقوم بأعمال تتعلق بإصلاح المعاش في ظل هذه الأزمة الاقتصادية الطاحنة
أو لربما هو مُتوجهًا ناحية الأُفق الغربي قاصدًا (المريخ) بتعويذة محكمة تساعد في التفريق بين المتحابين وإيقاع العداوة والبغض بين زوج وزوجته
أو ربما هو يحاول التواصل مع...
حسنًا. لنعود ثانية إلى الأرض!
الحقيقة. أن هذا لم يكن الدائر في خُلدِ صاحبنا. بل. وعند تمرير دماغه على ماسح الرنين المغناطيسي الوظيفي (fMRI)، أضاءت تلك الأجزاء من الدماغ المسؤولة عن التفكير الإبداعي، بحيث يبدو أنه مُنهك في صنع قواعد جديدة للعبة عكس المتعارف عليها. تستطيع أن تعرف ذلك بسهولة إذا عدنا بالزمن قبل ساعتين من الآن، لترى أطراف الحديث تتجاذب بين صاحبنا وشابة -نستطيع أن نميز بيسر أنها أخته بتحليل وراثي بسيط عن صفة العين الخضراء المتنحية التي زينت مقلتيهما-
"لا جديد، فأنت تخسر دائمًا" قالت الأخت
"سأصنع قواعد جديدة للعبة، فالقواعد القديمة تصلح للعجائز فقط" رد صاحبنا
"ليكن. ولكن ينبغي عليك أن تفوز عليَّ أولًا بقواعد العجائز قبل أن أجرب اختراعك الجديد الذي لم تبدأ بصياغته بعد" قالتها الأخت بلامبالاة متعمدة
لنقدم الوقت مرة أخرى. فهناك في وسط الحلقة توشح صاحبنا بقطعة قماش حمراء، وصار يرقص على أنغامٍ من صنع خياله
الخيال...الكلمة السحرية والأكثر فاعلية في مسار الفكر البشري، حتى أعتى زعماء العقلانية والفكر المادي لم ينفكوا عن خلفية خيالية تستند عليها فلسفاتهم. ألم تستند أعمال (فرويد) على مصطلح (العقل اللاوعي)!
حسنًا حسنًا. لم يشأ صاحبنا إلا أن يفوز بعد جولة خامسة على أخته المُتمرسة في اللعبة، ليزأر من بعدها مُعلنًا انتصار الأسد في نهاية سلسلة المعارك. يا للروعة!
"انظري. هكذا نبدأ في توزيع..." قالها صاحبنا مُحاولًا شرح القواعد الجديدة، قبل أن يُفَاجىء بعدوى تَثَاؤُب انفض من بعدها المجلس من حوله لينفرط عقد الحلقة!
"لا يهم. فلقد حققت ذاتي" قالها صاحبنا وهو يتأمل القمر
-
محمد رفعتطالب جامعة الأزهر بكلية الصيدلة، 20 سنة، أحب احتساء القهوة إلى جانب القراءة ومتابعة الأحداث السياسية