النفس لا تطيق تحمل المزيد من الأحزان ، ولا تتحمل قليلاً من الأوجاع ، فالذي بها يكفيها بل ويزيد ، والروح منهكة من ذاك الماضي ، والقلب يعتصره المرار المعلقم ، والعين تخفي دمعها ولو إلى حين .
بدأت أتكلم باسلوبٍ حزين وكأنه جرني إلى وادي الضياع والبكاء ، اسلوب أخفيته بضحكاتٍ وتحت عباءة التفاءل ، حتى لا أظهر ضعيفاً ولا أبدو كسيراً ، ولا يرميني أحدٌ بسهم ضعفي فيقتل ما تبقى من أحلامي أو من بقايا آمالي .
سيبدو ما أقوله هراءً للبعض ، وللأخرين مسلياً لما يشعرون به في "مدينة الأحزان ، تلك المدينة العميقة في النفس التي تغرق عند أول فرح ، ويتصاعد عمرانها في أول بركانٍ للدموع ، تحاول أن تطبق عليّنا قوانينها وأحكامها ، وبدوري اقاومها باسم التفاءل الذي يُسقط بعض أركانها ولو إلى حين .
دسور هذه المدينة يقصتر على قانون واحد هو أنك لا شيء ودوماً انت المظلوم ولك الحق وعليك أن تنتظر كلمة تُنصفك من الأخرين ، قانون يجعل نفسك حبيسة الخيال ، مكبلةً بفكرة واحدة ألا وهي لا أحد يحبك وإن وُجد فهو لا يفهمك .
نحن نبني هذه المدينة بداخلنا من خلال عدم الممصراحة مع أنفسنا ومع الأخرين ، نبنيها بلبنة الماضي وغشاوة الحاضر التي تعمي بصيرتنا عن رؤية ما يحدث من جانبين ، الأول أنا والثانية هو ، وكأننا نحن دوماً عرضة لظلم هو وأن أنا دوماً عاجزةٌ مستسلمة لهو .
نعم نحن من يبنيها بغبائنا وسذاجة مفاهيمنا بل وبحماقة مواقفنا ، يساعدنا بها بعض الهدّامين للحق الباغين على مفهوم الحب والصداقة ، فهم من باب الحب هذا يؤيدونا في كل شيء بل ويتقمصون شخصيتنا لكي يثروننا بنصائح تتناسب مع حماقة عقولنا ، يبحرون معنا وبنا إلى مرفأ تلك المدينة ، فإما ينزلون معنا وإما يعودون بحجة أنهم لم يقصدوا ذلك .
"مدينة الأحزان " قاتلة الإبداع ، وسجّانة الماضي ، ومعذبة النفس ب "اللاواقع" التي تسكننا فيه ، فلا تدعوها تسكن فيكم ولا تبنوها اصلاً فتعيشوا عبيداً لها وفيها .
-
majed waelمتخرج من تخصص صحافة مطبوعة والكترونية - جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ، مرتبة امتياز مع مرتبة الشرف . متدرب في دار الحياة لنشر .