بينما كان قد اسلم جسده المنهك على اريكته ، يقلب بين قنوات التلفاز عَلّهُ يفوز بشيئ يشبع غرور مزاجه الذي لطالما كان سببا في متاعبه ، اضاءت شاشة هاتفه منبهة اياه بمكالمة واردة فقد اعتاد من وقت ليس بالقريب ان يلغي تنبيه الجرس وسماع صوته الذي كان يوتره !
فإن عشقه لهدوء ذاته كانت اسمى غايته بعد ان قرر مغادرة عالم البشر الذي بات مليئ بالكذب والخداع والنفاق وتلك صفات لم تواتيه يوما ولم يستطع مزاجه الحاد تقبلها ولو على سبيل المجاملة !
نظر مليا الى هاتفه .. من يا ترى يكون ؟ وماذا يريد ؟ تجاهل الاضاءة وكأنه لم يراها وعاد يمسك في متحكم التلفاز يقلب بلا وعي وقد تزاحمت في عقله الاسئلة وعلامات الاستفهام ،
عاد الهاتف من جديد يعلن له مكالمة على الانتظار !
امسك بهاتفه وضغط على رز القبول :
الو :
ثلاثة حروف كان لها وقعها على نفسه ، قلبت موازن اللعبة بالنسبة اليه
كيف انت : ؟
اريد ان اخبرك شيئ .. انك رقم صعب واظنني صاحبة
هذا الرقم رغم اني اكاد اعترف بهزيمتي امامك !!
وانهت بتلك العبارات مكالمتها لتتجمد الدماء في عروقه!! ويضع هاتفه جانبا وتعصف في ذهنه افكار واحلام وامنيات حمي وطيسها في معركة حالت بين التمني والاوهام
فلا ريب ان تلك المكالمة قد وقعت بين يَديْ بارع يكاد يمتهن فن التحليل !
بضع من الكلمات في عقارب من الساعة لم تكمل فيها دورتها الاولى .. كانت تكفيه ليحول نبرة الصوت القصيرة الغريبة تلك الى اسطوانه تتزاحم فيها الحروف ، وحين انتهى من فك تلك الشيفرة وما تحمل في طياتها بان له النور من جديد وشعر بفجر يطلّ عليه و يولد في حلكة ظلمته يخبره انه قد نال مبتغاه بعد صبر طال انتظاره وان هناك من يحمل نفس شيفراته الوراثية .. مزاجيته .. قوته .. ذكائه .. احلامه .. عالمه الذي لطالما عاش فيه وحدة وعزلة منظرا من يفهم خواطره وجنونه !
ولكن لوقعة الحذر من الخذلان كان دور كبير في كبح جوامحه !! ..
يبدو انه كان يحتاج الى ان تسابق عقارب الساعة اكثر حتى يحسم امره .
-
ابو البراءان تكون او لا تكون تلك هي المسألة ...!!!