جودوا بحُبٍ فإن الجــودَ يجـــــودُ
جودوا بالحُب في شتلات الزهور
بيت من قصيدتي " الجود ".
حينما يموت أحدهم ستجد تلك التغريدات تنعي وفاته ، وذلك الهاشتاق على الانستجرام مليئ بصوره قديمها وحديثها ، ستجد السنابات أيضا تشارك في العزاء ، والرسائل التي تحمل دعاء للراحل لن تتوقف على هاتفك إلا بعد أيام ، بل وسيظل البعض يتوافد صوره وقد كتب عليها كلمات الحزن والاشتياق ، صدقني هذا شئ غير مؤلم الألم الذي أكتب عنه هنا هو شئ آخر ، ربما سيصيبك الأمر أنت ببعض الألم والرحمه فتدعو له وأنت لا تعرفه ما زلت تتذكر إحدى تلك الصور ، في كل صلاة ..
الشئ الذي يؤلمني حقاً ، يستفزني ، يثير هدوئي ، هو أن أجد تلك الكلمات مرصوصة بشكل يوحي بأن كاتبها حزين فقد قواه ، شخص يكتب فقط ليعبر عن مشاعره ، فكتبت يداه تلك الأحرف غصباً عنه ليعبر عما اعتصره وجاشه ، فقط ليخبر العالم الحقيقة ، وكم يتمنى لو أن يجثو على قبر من رحل ويصرخ ليخبره بالحقيقة هو فقط ، لا أن يخبر العالم أجمع ، ليقول تلك الحقيقة التي لم تقال ، وفقدت رونقها حينما قيلت بعد فوات أوانها ، وخضبت اساريرها ، وأصبحت كتلة من الألم يشعر بها كل قارئٍ لها ، وتهاوت قوتها ، و قُبح جمالها ، وهذه الحقيقة قولها في الـ قبل كان أحق وأصدق وأجمل ، لكن بعد ذلك احقيتها أضحت واضحه في الـ قبل لا في الـ بعد ، وصدقها انطفئ إلى الأبد ، وجمالُها قد فُقِد ، تلك الحقيقة هيّ أن تخبر ميت أنك تحبه! أنه كان شخصاً قريباً منك لكنه لا يعلم ، ومن يدري ربما كان يتوق لأن يسمع ذلك منك أو يقرأه أو حتى يراه ..
لابدّ أن نتهادى بيننا الحقيقة ، أن نخبر بعضنا لا أن نصمت ، أن نعبر عمّا يسكن العمق ، لا عمّا يزيد العمق عمقاً ، فلتخبر من أحببت أنك تحبه حتى وإن كان بينكما بحراً من البعد ، ونفقا من السطحيه قبل أن تغوص بداخله ، فلتخبر أباك أنك تحبه ليس فقط حينما يأتي إليك حاملاً هديةً ما ، أو حينما يعطيك ما تحتاج من المال ، بل أخبره بذلك حينما تراه يتابع قناته المفضلة ، أو يقلب هاتفه أو حينما يجلس لوحده دون أن تعلم ما يستوطن قلبه من آلام ، فلتخبر والدتك ، أختك أخاك ، صديقك ، كل من أحببت ...
لا أنكر أنني أقرأ الكثير من تلك الكلمات المهداة للموتى كأي شخص آخر يجول في مواقع التواصل ولو نصف ساعة ، لكن بينما كنت أقرأ أخبار كرة القدم بكل شغف بعد إحدى المباريات ، استوقفني وفاة الفنان المصري ماهر عصام شعرت بشعورٍ غريب وأنا أقرأ في مجلة المصري اليوم ما كُتب في إحدى المقالات ، لماذا لم يخبروه من قبل بأنه أطيب قلب ، وأنهم يحبوه أيضا ، وهم يعلمون صحته النفسيه و الجسديه ، أن يموت الشخص قبل أن تخبره فعلا شعور قاسٍ جداً جداً ، هو لن يعود ، وتلك اللحظات لن تعود ، والكلمات التي لم تقال ستظل حبيسة قلبك إلى أن تذهب أنت ، وتصبح رفاتاً لن يعود ...
آمنت أكثر بما يُقال أن الميت يحبه الجميع ، فإن كنت تتمنى حب العالم فلتمت ، فلتمت هذا أمراً محرماً في قاموس اللغه لا يخرج من صلب جذوره سوى ماضٍ مؤلم ، كحرمة أن تقرأ ما كُتب ، وتسمع ما قيل وأنت وحيدا في منزلك المظلم المؤبد..
الحب المهدى الموتى غالباً لا ينبع من القلب ، فأولئك الذين يكتبون رسائل التعازي ، خطابات وتغريدات ، بل وأولئك أيضا الذين يهتفون مع الجميع أنك كنت طيب ومحبوب ، ماهم إلا صنف من نوعين أولئك الذين يمضون مع التيار ، وأولئك الذين يختبئ في باطنهم النفاق ، وبينهما يكمن عدد قليل جداً ممن أحبوك بصدق ولم يقولوا لك ذلك .
فلنخبر العالم أننا نتبادل الحب على سطحه ، ونتبادل أيضا ورود السلام، ونهدي لهذا العالم وجوهٌ تعانق السماء حتى وإن كانت تناظر جمال البحر في الأسفل لا تُخفض للأسفل بل ترفع عينيها لترى امتداد البحر وزرقة السماء معاً فترى الجميلان يلتقيان وتشعر بالحب ، فلنغني بأغنية الحياة ، لا أن نتبادل رصاصات الموت ، وشبح الكره ، ونعطي للبغضاء والحسد واليأس جزءاً في باطن أو على سطح القلب ، مادمت فردا تعيش على سطح الأرض ، لا في باطنها ، فلتخبر الجميع أنك تحبهم ، أنك تود لو أن تتبادلوا مع بعضكم مشاعر الحب والامتنان ما دمتم أحياء ولم يحن الموت بعد ..
-
يسرى الصبيحيياريتَّا.
التعليقات
تحزنني هذه الحقيقة ،ألا يوجد اقتراح آخر سيد يسري؟
أحب العناوين الساخرة ..أبدعت حقا ... اعجبني كل حرف خطته اناملك ..ما الفائدة من التعبير عن حبنا عن مشاعرنا إتجاه الاخرين بعد الاوان ..ما الفائدة ..
حينها لا يصير الحب حبا بل مسرحية لتركيب الكلمات ...الكل يتظاهر ..مجتمع منافق .
بالتوفيق
أتذكر ذات مرة مذ زمن، أخبرتني أحدهم أنها تحبني دون أن أتوقع ردة فعلها، وكأني أحس بالكلمة تخرج من أعماق أعماق قلبها، لم أعرف ماذا أجيب بالضبط خصوصا مع ردة فعلها بهذا الشكل، نسيت جوابي، لكني متأكدة بأنه ليس المطلوب، وأحبطت كثيرًا
رغم أني أصبحت أعرف الجواب جيّدًا بعدها على هذه الكلمة الرقيقة، إلا أنه لا يزال لزامًا علي فعل شيء .
مقالك أنعش ذاكرتي، لعلي أستطيع قول "أحبك" لها المرة القادمة -بإذن الله- .
دام قلمك قويّا بلفظة، رقيقًا بمعناه، جاذبًا بفقراته وكأنها سلسلة، فعند قراءة الفقرة الأولى أجدني بالفقرة الأخيرة بسرعة من شدة الترابط وجمال الفكرة .
رائعة ، بالتوفيق .