رؤى الحجاز
فيصل البكري
لكل من سكان عروس البحر "جدة" ذكريات لا تنسى. نتذكرها جميعآ وهي جزء من حياتنا.
ذكريات كانت تعيشها العوائل من كافة الطبقات دون تميّز.
لقد كان البحر لسكان "جدة" المتنفس الوحيد وحلم الكبار والصغار بالذهاب له في رحلة عائلية تضم الأبناء والأمهات والآباء.
كان "البحر" حتى وقت قريب مفتوحاً للجميع من "شرم أبحر" وحتى خليج سلمان شمالاً على حدود قرية عسفان. ومن "قبة عشرة" جنوباً وحتى قصر "الملك سعود" شمالاً.
نتذكر حينما كنّا صغارا ننام ونحن فرحين من أجل الذهاب باكراً إلى "البحر" للسباحة والنزهه مع الجيران والأقرباء.
نجتمع في "سيارة" واحدة قاصدين "شرم أبحر" منذُ الصباح الباكر لقضاء يوم كامل بين أحضان الرمال والشواطئ المفتوحة قبل أن تلوثها المخلفات ولم تغزه مطامع المتخمين من أصحاب النفوذ والمال الذين جعلوا بين البحر وأعين "البسطاء" ساترآ وصل البعض منها إلى أمتار وبداخلها قصورآ وشاليهات.!
فكم نتذكر في رحلتنا للبحر كيف كنّا نطارد السلطعونات "أبو مقص" وكفرات البلاستك السوداء تحيط بأجسادنا النحيلة أثناء السباحة والكبار مشغولون بصيد الأسماگ ولعب البلوت والأمهات بإعداد سندويتشات التونة قبل وجبة الغذاء.
وعلى أنغام أغنية فوزي محسون "سبحانه وقدروا عليك" كانت طيور "النورس" تستقبلنا وتودعنا وتشاركنا الفرحة والغبطة ونحن نلقي لها من أيدينا الصغيرة ما تبقى من طعام معبرّة عن فرحتها بإطلاق أصواتها المميزة وهي تدور حولنا مرفرفه بأجنحتها على ارتفاع قريب منا.
فبعد ما تحطمت نفوس "البسطاء" بإمتلاك أصحاب المال لتلك الشواطئ. لم يعد لسكان "جدة" متنفس غير ما يسمى بشاطئ "الإسكندرية" لقضاء يومهم برغم صغر المساحة التي لا تفي بإستيعاب العامة من مرتاديه وخاصة يوم الجمعة.
سنوات والكثير يرتادوا أخر معاقل النزهة القريبة منهم قبل إغلاقه من قبل "البلدية" بداعي التطوير كما يعلم الجميع.!
شهر سنة إثنان ونحنُ في إنتظار إفتتاح ذلك الشاطئ ليتفاجئ الجميع بتغيير مسماه من شاطئ "الإسكندرية" إلى "خور أبحر" وفرض رسم دخول "٦٥ ريال" للشخص الواحد.
تبخرت على إثرها أحلام "البسطاء" ولم يعد لهم متنفس سوى الذهاب إلى شاطئ "السيف" الواقع في كورنيش الجنوب الذي يبعد عن جدة ٤٥كم.! وأقرب مطعم منه ٥٠كم.!
فكان الله في عون رب الأسرة الذي لا يستطيع السفر لذلك الشاطئ لقلة الحيلة وصعوبة المعيشة.
متى نرى إهتمام "الأمانة" بإعادة البحر إلى سكان "جدة" وحضوره في نزهتهم وفرحة أبنائهم بكسر إحتكار شواطئه من خلال فتح ممرات بين الشاليهات والفيلات تؤدي مباشرة إلى البحر يستطيع من خلالها قاصديه من رؤيته وملامسته.
أو يتم الردم من جهة الشاليهات لفتح طريق يؤدي للبحر يمتد من الكورنيش وحتى خليج سلمان ليعود البحر للبسطاء كما كان والله الموفق...