لعلنا في عصر الذرة و الليزر. لعلنا قد زرنا الفضاء و تمردنا على قوانين الجاذبية. نعم لقد اخترعنا الهواتف الذكية و صيرنا العالم قرية كونية. أنا على رأيكم في أننا قد صنعنا الروبوت الذي يعوض الإنسان في جل أعماله. نعم لقد أسسنا الشركات العالمية و صيرنا حياتنا سهلة بسيطة. لقد غيرنا من عيشنا بفضل تطور العقل البشري مما قلب حياتنا و بدد مشاكلنا. و لكن للأسف ها أنا اليوم أخبركم دون ريبة أن إنساننا المعاصر لم يبلغ بعد سنا من الرشد يخوله لفهم مبدأ الحياة و منطق العيش. و أنا عندما أقول هذا فأنا لا أعتقد ان أحدا سيدحض هذا التصور بالحجة أو الدليل القاطعين. و في رأيي إن المشكل العويص و الوهم الذي تتفرع منه جميع أوهام الإنسان هي أنه قادر على العيش دون أخيه الإنسان و في منعزل عنه. و إن جميع مشاكلنا ناجمة بالأساس عن حب الذات و الأنانية و نبذ اللحمة و الاتحاد و كأننا نسينا أن الإنسان المتحد مع أخيه الإنسان ليس الا بركة تصب في بحر الإنسانية فيخلقها مجددا نظيفة و جديدة و أن الأناني لا يشبه سوى البركة المنعزلة التي تود أن تظاهي هبة البحر فتغدو قذرة و آسنة مهما طال بها الزمن.
نعم "لقد خدع المناطقة بالإنسان فقالوا إنه مدني بطبعه و إنه حيوان عاقل و راشد و حر. بالطبع هو حر فأنا لن أتحدث اليوم عن زمن العبودية بعد أن تجاوزناه, حمدا لله, منذ أمد بعيد و لكنه و الله غير رشيد و غير فهيم. و لو كان كذلك لخلص نفسه من أدرانها و سما بذوقه و تخلص من دونيته الحيوانية أما و هو مازال على ماهو ملاحظ فلا شك و لا ريبة في أننا ‘المؤمنون بأفكار المناطقة ‘ نعاني من قصر نظر لا من سمو في الإدراك.
و لن أنسى مهما حييت الحكمة التي تقول : من السهل أن تحب الاها يتصف بالكمال و العصمة و النقاء لكن الأصعب من ذلك أن تحب إخوانك البشر بكل نقائصهم و عيوبهم و لكن تذكر أنك اذا لم تتعلم أن تحب خلق الله فلن تستطيع أن تحب حقا و لن تعرف الله حقا ‘‘ .هكذا قال أحد الحكماء و على ما يبدو لا أحد على هذا الكوكب يعرف الله حقا. و أنا لا أقول هذا من باب الاتهام الذي لا يقوم على حجة أودليل و هل أفضل من واقعنا المعيش برهانا قاطعا على ما أقول ؟ نعم لست من المناطقة و لا الفلاسفة لكنني إنسان ناقد بناء و كم هو راجح و جميل ما قاله إبن المقفع منذ سنين طويلة : من أشد عيوب الإنساء خفاء عيوبه عنه فإنه من غاب عنه عيب نفسه و محاسن غيره لم يقلع عن عيبه" لذلك فنحن في حاجة ماسة اليوم الى وقفة مع الذات و الدنيا من حولنا ابتهال ننسى أنفسنا و نراجع ذواتنا.
و إن أشد ما يؤثر في عالمنا في هذه الأيام هي العولمة الوحشية و لست هاهنا خبيرة أو محققة و لكنني أكاد أجزم أن جميع مشاكل إنساننا المعاصر تنجم عن هذه الافة التي اهتزت الدنيت لمقدمها فقد حسبتها الأغلبية الحل السحرب و بداية عهد جديد يقطع فيه الإنسان مع الجشع و الأنانية .و لكن على ما يبدو لقد طبقت القاعدة الشهيرة : اذا زاد عن حده انقلب الى ضده. فقد أصبحت بوابة العيش الكريم محصورة بين أيدي الأغنياء و رؤوس الأموال و خطا أحمر بالنسبة الى المستهلك فهذه العولمة لم تزد الا الغني غنى و الفقير فقرا و تكفيني الأرقام المفزعة التي تؤكد بطريقة أو بأخرى زيادة عدد الفقراء و الجوعى في العالم بعد اعتماد هذا ‘‘الحل السحري ‘‘ .
و هذا منطقي و صحيح فكم نشعر بالألم كلما نتأكد من أن حل الأراضي الصالحة للزراعة في العالم تزرع منتجات ‘‘برجوازية‘‘ توجه بالأساس للطبقة الغنية كالفواكه الجافة و ثمار باهضة الثمنبينما لا نكترث لزرع المواد الأساسية لسد احتياجات الجوعى في العالم. ليت معركتنا كانت مع الأرض لاعليها فنحن لا نلبث نلبس تهمة الجوع و الفقر للأرض بينما هما في الحقيقة صناعة بشرية. و هاهو الإنسان مجددا يتصرف تصرفا اذا ما نسب الى الوحش خجل الوحش منه.
(يتبع )
اية الفتني
التعليقات
موضوع هام و ممتع , في إنتظار التكلمة .
بداية موفقة .