الأسباب الخفية للتأخر العلمي في الدول النامية(الجزء الأول)
أهم العقبات التي تعترض طريقنا لبلوغ التقدم
نشر في 14 أبريل 2015 وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .
يتساءل الكثيرون اليوم عن اسباب التأخر العلمي في الدول النامية، فيقول البعض بأن السبب في تأخرنا يعود الى أننا لا نمتلك امكانيات مادية تتيح لنا الدخول الى عالم التقدم من بابه الكبير، و يقول البعض الآخر بأنه لدينا كفاءات علمية غير أنهم يعملون في الدول الغربية، فهل تبدو لكم هذه التبريرات مقنعة ؟ ان القول بأننا لا نمتلك امكانيات مادية هو كلام لا أساس له من الصحة ،ذلك أنه لدينا من الامكانيات المادية ما يتيح لنا صناعة الكثير من الآلات التي نستوردها من الدول المتقدمة ،نذكر على سبيل المثال : الآلة الحاسبة ، التلفاز ، الحاسوب...
أما بالنسبة الى التبرير الثاني و الذي يزعم أصحابه بأنه لدينا كفاءات علمية غير أنهم يعملون في الدول الغربية ،فأود أن أقول لهم بأنه لا يعقل أن تستنجد الدول المتقدمة بمدرسين و مهندسين من الدول النامية، فهل ستفوق كفاءتهم كفاءة المهندسين و المدرسين الذين يعملون لديها حتى تستنجد بهم؟ثم انني أعرف العديد من أصدقائي الذين يعملون في الدول الغربية والذين يجهلون حتى صناعة محرك كهربائي صغير، و هذا ما يؤكد على عدم كفاءتهم في الميادين العلمية ،لذلك سأحاول في هذا المقال توضيح الأسباب الحقيقية للتأخر العلمي في الدول النامية، وسأبرر صحة هذه الأسباب بالأدلة اللازمة.
ان النظام التعليمي في الدول النامية هو العقبة الوحيدة التي تعترض طريقنا لبلوغ التقدم، فالمدرسون في العالم النامي لا يعلِّمون التلاميذ و الطلبة كيفية صناعة الآلات، لأنهم و بكل بساطة يجهلون صناعتها، لكنهم في المقابل يكثفون من ضغوطاتهم على التلميذ و ذلك بإجراء التمارين و الاختبارات حتى لا يتركون له متسعا من الوقت للتفكير فيما يدرسه، و قد يتفق معي الكثيرون في القول بأن الجانب التطبيقي من العلم هو مهمل اهمالا كاملا في الدول النامية ،لكنهم قد لا يتفقون معي في أن الجانب النظري هو مهمل أيضا في هذه الدول، فقد يذهب الظن بالكثيرين الى الاعتقاد بأن الجانب النظري من العلوم يقتصر على القيام بعمليات حسابية روتينية تتمثل في تطبيق بعض القواعد العلمية ،لذلك فهم يظنون بأن العمل في الجانب النظري هو عمل ممل للغاية، و هم بذلك يخطئون الظن فالعمل في الجانب النظري شيق و ممتع غير أن التلميذ في الدول النامية لا يفهم النظرية بشكل كامل، فقد وصل الظن بأحد التلاميذ الى الاعتقاد بأن العمليات الحسابية التي نقوم بها في الفيزياء كلها خاطئة، وقد علل كلامه قائلا : "إننا لا نقوم بحساب قوة الاحتكاك مع الهواء ،فإذا سلطنا قوة على جسم ما في الفضاء ثم تركناه فانه سيواصل سيره دون توقف" .
ان كلامه صحيح لكن تفسيره خاطئ، فنحن نقوم بحساب قوة الاحتكاك مع الهواء اذا كانت هي القوة الوحيدة المسلطة على الجسم أو أن القوى الاخرى المسلطة عليه ضعيفة، أما اذا كانت القوى الاخرى المسلطة على هذا الجسم كبيرة فان قوة الاحتكاك مع الهواء لا تأثر تقريبا على سرعة الجسم، وبالتالي نفترض أن قيمتها تساوي صفرا، و قد تبدو لكم هذه القصة طريفة و مضحكة بعض الشيء لكنها تؤكد أن التلميذ في الدول النامية لا يفهم الجانب النظري فهما كاملا، و هذا ينطبق أيضا على المدرس لأنه لم يبين للتلميذ سبب عدم حساب قوة الاحتكاك مع الهواء.
ان القيام بعدد كبير من التمارين دون فهم النظرية بشكل كامل يعتبر عبثا لا طائل منه، فالتلميذ الذي لا يفهم النظرية بشكل كامل لا يستطيع التأكد من صحة اجابته على سؤال ما دون اللجوء الى الاصلاح، لكن في المقابل يستطيع التلميذ الذي يفهم النظرية بشكل كامل أن يؤكد صحة اجابته دون أن يلجأ الى الاصلاح (و هذا ينطبق على المدرس أيضا)،فالعلماء الذين كانوا أول من أجاب على الأسئلة العلمية لم يجدوا أي شخص في العالم كان قد سبقهم في الاجابة على هذه الأسئلة حتى يقول لهم بأن اجاباتهم صحيحة، لكنهم و بالرغم من ذلك كانوا واثقين من أنها صحيحة، و السبب وراء ثقتهم في صحتها يعود الى أنهم كانوا يفهمون النظريات العلمية فهما كاملا.
ملاحظة أولى : اذا كان التلميذ لا يفهم النظريات العلمية فهما كاملا فسيشعر بالملل عند قيامه ببعض التمارين، مما سيجعله يكره الدراسة و المدرسين، و هذا هو حال التلميذ في الدول النامية، أما إذا فهم التلميذ النظريات بشكل كامل فسيصبح متحمسا دون شك للقيام بالتمارين، و هذا هو حال التلميذ في الدول المتقدمة.
ملاحظة ثانية:ان السبب وراء عدم فهم التلميذ للنظريات العلمية فهما كاملا يعود الى أنه لا يعلم الفائدة من دراسة هذه النظريات أما لو علم تلك الفائدة فسيصبح دون شك قادرا على فهمها فهما كاملا.
إليكم الآن مجموعة من الأسئلة يمكنكم طرحها على المدرسين في الدول النامية، و ستلاحظون أنهم لن يتمكنوا من الاجابة عليها:
في الكيمياء:
السؤال الأول:
لماذا يتكون جزيء(molécule)واحد من الماء من ذرتين من الهيدروجين و ذرة واحدة من الأكسجين؟
السؤال الثاني :
كيف نقيس الكتلة المولية(Masse molaire)للهيدروجين و الأكسجين؟
السؤال الثالث:
كيف نقيس الحجم المولي(Volume molaire)للهيدروجين و الأكسجين؟
في الفيزياء:
السؤال الأول:
لماذا نجد أن الاسقاط المتعامد(projection orthogonale) للقوة"F"على محور (axe)معين يساوي قوة بالقيمة التالية:F*cosα علما و أن α هي الزاوية بين F و المحور؟
السؤال الثاني:
نعلم جميعا بأنه يتم التفرقة بين محركات السيارات حسب القدرة (puissance) فنقول مثلا أن هذا المحرك له قدرة أكبر من ذاك،لماذا لا نفرق بين المحركات حسب القوة(force) بأن نقول بأن هذا المحرك لديه قوة أكبر من ذاك؟ و لماذا نفرق بينهم حسب القدرة؟
السؤال الثالث:
يبين بعض التلاميذ قانون بقاء كمية الحركة (loi de conservation de la quantité de mouvement)عند تصادم جسمين بالطريقة التالية:
مجموع القوى الخارجية المسلطة على الجسمين يساوي صفرا و بالتالي فان كمية الحركة تظل ثابتة.
هناك سبب يمنعنا من أن نبين قانون بقاء كمية الحركة بهذه الطريقة، فما هو هذا السبب؟
توضيح:كمية الحركة هى quantité de mouvement
قد يعتقد البعض منكم أنه لا يوجد اجابات لهذه الأسئلة ،و أنها تبدو بديهية للغاية ،لذلك أود أن أعلمكم بأنه على عكس ما تعتقدون ،يوجد اجابات لهذه الأسئلة، و أنا أملك هذه الاجابات علما وأنني قد توصلت اليها بنفسي ، لذلك سأنشر مقالا آخر أجيب فيه على هذه الأسئلة حتى تتيقنوا بشكل كامل من عدم كفاءة المدرسين في الدول النامية ،و كان من الممكن أن أطرح أسئلة أكثر صعوبة، لكنني طرحت هذه الأسئلة السهلة والتي لن يجيب عليها المدرسون في العالم النامي حتى تعلمون القيمة الحقيقية لهؤلاء المدرسين.
هناك أمر آخر أود الاشارة اليه، فقد يتساءل البعض عن أهمية هذه الأسئلة في الميدان التطبيقي ،أو بالأحرى كيف يمكن أن تفيد الاجابات على هذه الأسئلة في صنع الآلات؟ و اليكم الاجابة على هذا السؤال الأخير:
اذا اعتاد التلميذ أن يقوم بتطبيق القواعد العلمية تطبيقا رياضيا مجردا دون محاولة اثباتها في عالم الواقع فانه بذلك سيساهم في ترسخ معلومة لديه تقول بأنه لا فائدة من التفكير و اعمال العقل وأنه يجب دائما أن تفعل ما يطلبه منك المدرسون، فقد كان لي صديق يقول:" اذا كان الشكل الذي تراه أمامك هو مربع و الأستاذ يقول لك انها دائرة فقل انها دائرة" و هذا أبرز دليل على اعتياد التلميذ أو الطالب عدم اعمال عقله، فماذا تتوقعون أن تكون النتيجة؟ ستكون بكل بساطة أن لا يحاول التلميذ التفكير في صناعة أي شيء، فكأنه قد فقد ثقته بنفسه أو بعقله لو صح التعبير.
خلاصة القول هي أنه يوجد سببان اثنان للتأخر العلمي في الدول النامية وهما:
السبب الأول: عدم كفاءة المدرسين في الدول النامية(و اذا أردتم التأكد من ذلك يمكنكم أن تطرحوا عليهم الأسئلة التي ذكرتها في السابق)
السبب الثاني: عدم سعي التلميذ أو المدرس نحو التفكير في كل ما درسه للتمكن من الاستفادة منه في فهم النظريات العلمية أو صنع الآلات.
ملاحظة: ان السبب وراء عدم سعي التلميذ نحو التفكير في كل ما درسه يعود الى تطبيقه للقاعدة الأساسية التي تعلمها منذ الصغر و التي تقول :" اذا كان هدفك هو النجاح الدراسي فانه يتوجب عليك أن لا تفكر في ما تدرسه ،بل يجب عليك دائما أن تفعل ما يطلبه منك المدرس من تطبيق رياضي مجرد للقواعد العلمية".
-
مروان السالميطالب بكلية الهندسة