لو تأملنا نهارً لبدا لنا البحر الشاسع بلونه الأزرق الجميل ، ولوجدناه يشبه إلى حدٍ كبير حيز السماء الواسعة التي ستبدو لنا باللون الأزرق أيضاً ، ولأن البحر أكثر كثافة وبسبب لجته تبدو زرقاوته أغمق من فضاء السماء ، ولو تأملنا لزبد البحر لوجدناه يشبه إلى حدٍ كبير غيوم السماء ، مع أن كلاً منهما تكون بفيزيائيته الخاصة ، ويزداد تأملنا لذلك التشابه عند ركوبنا الطائرة ورؤيتنا السماء ، وحينما ننظر إلى الأرض ونرى البحر يتجلى لنا ذلك التشابه المتقن ، حيث لو قارَّنا الطيور وهي تحلق في السماء لوجدنا تشابهاً بارعاً مع عوم الأسماك في البحر ، إلا أن الفارق في اختلاف تفاعل هذه الكائنات مع بيئتها هو التباين في كثافة هذه البيئتان ، ولو نتفكر قليلاً في طريقة تشابه البحر والسماء بنسبةٍ معينة نتنبه لمعنى قول الله تعالى: "أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا ۖ وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ ۖ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ" ، رَتْقًا في الآية تعني أن الكون كله كان مادة وكتلة متلاصقة ومتراصة ، ففتق الله هذه المادة بانفجار عظيم في العدم ، قدر الله أن تكون كتلة السماء فيها أقل كثافة من كُتْلتا الماء والأرض ، فحدث بتمددها وتوسعها عند الإنفجار العظيم هذا التنانسق البديع في هذا الكون الرحيب ، قال الله تعالى: "وكل شيء عنده بمقدار" وقال أيضاً: "وخلق كل شيء فقدره تقديرا" ، فهذا الكون وكل ما فيه ، خلقه الله بميزان وحسبان وحكمة ودقة لا متناهية.