سياسة القطب الواحد - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

سياسة القطب الواحد

هل يتفوق الغرب؟ ماهو دور الحضارة الإسلامية في نهضة العالم أجمع؟

  نشر في 01 أكتوبر 2023 .

عندما تنظر إلى العالم ترى أنه يتشكل من مجموعة أقطاب، أحد هذه الأقطاب يتحكم في كافة الأقطاب الأخرى ويؤثر فيها وعليها. ترمي سياسة القطب الواحد-والمقصود بالقطب الواحد هو الغربي والذي يمثل الشخصية الأوروبية والأمريكية معا- إلى فرض سلطانها ومد نفوذها على العالم بمختلف أقطابه ومحاوره، إذ أن سياسة القطب الواحد المركزية، تنطلق من مبدئ التفوق الحضاري والاستعلاء العِرقي والتصغير من الحضارات الأخرى، بداية من الحروب الصليبية في القرن الحادي عشر الميلادي حتى الحرب العالمية الثانية في القرن العشرين ميلادي. كانت ولا زالت الحضارة الغربية تروج لسياسة القطب الواحد وأحقيتهم في احتكار ذلك وحدهم مما وصلوا بهم الأمر إلى اعتبار أن الإسلام يشكل خطر وتهديد حقيقي على الغرب بجانب الثقافة الكونفوشيوسية الصينية والهندية واليابانية. ترتكز الواحدية المطلقة، على فرض التخلف والنزاع المستمر بالقوة بين مختلف الثقافات والحضارات حفاظا على هذه الواحدية واستمرار هيمنتها ونفوذها. تعبّر مقالة صموئيل هنتنغتون تصادم الحضارات التي نشرها عام ١٩٩٣ م في مجلة الشؤون الخارجية الأمريكية عن التوجس المتأصل بعمق في ذاكرة الإنسان الغربي وخوفه الشديد من التقارب الحضاري، ويرى هنتنغتون أن العالم يستعد لدخول مرحلة جديدة من الصراع بعد انتهاء الحرب الباردة وهي مرحلة الصدام الحضاري بين الغرب والشرق وأن المعارك المستقبلية لن تكون اقتصادية بل ستكون صراع بين الهويات وخاصة الغرب والإسلام وبداية الانشطارات الحضارية. تمثل هذه النظرة التشاؤمية تحريضات سياسية لمواصلة الاحتكار الغربي للعالم، وذلك بعد الانتصار الاقتصادي والإديولوجي الغربي حان دور الانتصار الثقافي والحضاري ومواصلة الطائلة الغربية. 

أن العقلية الغربية مبنية علي الصراع لذا فهي ترى أن قيام حضارة أخرى بجانب الغربية يمثل إنذار ووعيد لاقصاء الحضارة الغربية وإزالتها من مركزية العالم وسحب الصلاحيات منها وإبعادها عنوة من مسرح التاريخ ومقود العالم، هذه الأوهام تكون متأصلة في العقلية الغربية. حيث أن هذه النوعية من الأفكار التي ترفض المشاركة وتزيد من الاحتكار تجعل من الصعوبة بمكان قيام التسامح في العالم وتعقّد من إمكانية تبادل المصالح والموارد وتهدم جسور الاتصال القائم على احترام الثقافات الأخرى وهذا يتنافى تمام النفي مع الحضارة الإسلامية التي كانت ولا زالت تجنح إلى احترام الحضارات. رسالة الإسلام السامية هي التعارف المتمثلة في الآية القرآنية الثالثة عشر في سورة الحجرات: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}. نستطيع أن نستشف العديد من الحقائق من خلال التمعن في الآية الكريمة، نجد أنها ابتدأت بخطاب إلى البشرية جمعاء، فهذه دعوة إلى جميع الحضارات والأمم إلى التعارف والانفتاح على الكل مع تذكير الأصل الإنساني الواحد. ونلاحظ أن المعيار الأفضلية والتفوق هو التقوى لا العِرق أو الجنس ولا يحكم هذا التعارف المصالح وتبادل السلع بل الاحترام التقدير، وتلافي الحروب والنزاعات.

تعيش أوروبا حالة من الأنوية المفرطة وتضخيم الذات الحضارية مما يجعلها في عزلة عن الاتصال بالحضارات الأخرى. من الممكن أن نفهم أساس علاقة الغرب مع غيره وهي علاقة لا تشبه الند للند حتى بل علاقة الفوق بالتحت، التي يفترض أن يكون فيها  طرف غالب وأخر مغلوب، مع أهمية بقائهم كطرف غالب. تؤدي هذه المبالغة الذاتية والعلاقة الأحادية إلى جعل الغرب ينظر بازدراء إلى غيره ونسيان فضل الحضارات الأخرى التي ساهمت في تشكيله وصنعه. أن التفوق الحضاري الغربي لهو وهم ومغالطة، حيث من المعلوم بأنه لا وجود لعِرق واحد تكفل في بناء حضارة ما، فجميع الأجناس والأطياف من البشر ساهموا في تأسيس الحضارة، ودور الحضارة الإسلامية في نهضة أوروبا خير مثال. وفي هذا الموضوع ألقى الملك تشارلز عام ١٩٩٣ م خطاب عن دور العرب في ازدهار القارة الأوروبية و، قال فيه: "إذا كان الغرب يسيء فهم طبيعة الإسلام، فما زال هناك جهل كبير حول ما تدين به حضارتنا وثقافتنا للعالم الإسلامي، إنه نقص نعانيه من دروس التاريخ الضيق الأفق الذي ورثناه، فالعالم الإسلامي في القرون الوسطى من آسيا الوسطى إلى شاطئ الأطلسي كان يعج بالعلماء ورجال العلم، ولكن بما أننا رأينا في الإسلام عدوا للغرب، وكثقافة غريبة بنظام حياتها ومجتمعها، فقد تجاهلنا تأثيره الكبير على تاريخنا. لم يعد باستطاعة العالمين الإسلامي والغربي البقاء بعيدين عن بعضهما البعض، وعدم الاشتراك في جهد مشترك لحل مشاكلهما المشتركة، إننا لا نستطيع العودة إلى الخلافات والتحديات الإقليمية والسياسية الماضية. يجب أن نساهم معا في خبراتنا وأن نشرح أمورنا كلٌّ للآخر، لنتفهم ونتسامح ونتحمل معا" مما يساهم في إمكانية التعارف هو انتشار هذه الاتجاهات في الغرب الذي بحاجة إلى تثقيف نفسه وتهذيب مبادئه للتفاهم مع غيره. لا يمكن أن نتجاهل مقدار الهفوات الفادحة التي نشرتها الحداثة عن الإسلام واعتباره بأنه دين عنيف قابل للاقتلاع. بالرغم من أن رسالة الإسلام الواضحة، الا أنها رسالة عالمية تفيض حداثة يصاحبها العلم والثقافة، أكثر من المنظور الغربي المتزمت. نحن نعرف تماما أن أوروبا كانت تعيش في ظلام دامس طوال قرون طويلة تحت نير الجهل والتخلف حين كانت ترتكز على الكنيسة والمسيحية وتنطلق من مبادئها في حين كانوا العرب وقتذاك يعيشون عصر ذهبي ملؤه النهضة والازدهار وعالم يعج بالعلماء والرحالة والمبتكرين. ومن الجدير بالذكر، الإشارة إلى بداية النهضة الأوروبية عبر بوابة إسبانيا والفضل يعود للعرب حيث أن الفتح العربي كان خيرا على إسبانيا وأوروبا قاطبة. 

من الواجب أن نحافظ على تنوع الثقافات والحضارات في عالم مكتظ بهيمنة ثقافية محددة ويتنبأ بهيمنة عالم ثابت متطابق ومستنسخ إلى حد لا يكاد فيه ملاحظة الاختلاف في عالم تسيطر عليه الثقافة الغربية. ونحن كعرب يجب أن نتثقف كفاية لنكون قادرين على التعارف والتفاهم مع الحضارات الأخرى. مع التوكيد على أهمية احياء مؤسساتنا الخاصة لنشر مفاهيمنا وأفكارنا ومشاركتها مع الآخرين من خلالنا نحن لا من خلال وسيط غربي. 



   نشر في 01 أكتوبر 2023 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا