تضيق علينا الأرض، ونخطوا خطوة تلو أُخرى بإتجاه الدائرة التي يحددها لنا أولوا الأمر، ولا نملك إلا نفكر في أعوام مضت ما بين الأمل الهائل والخيبات المتواليات، ما بين قرارات تستحق الندم وأخرى اتخذناها بحزمٍ وثقة. فنسأل كيف سيرانا اللاحقون؟!
تُرى، هل ستحسدنا الأجيال القادمة أننا عشنا الثورة و أننا الجيل الذي كانت له الكلمة الفاصلة في بدايتها؟، أم تراهم سيلعنوننا على الفُرص التي أُتيحت ولم نكن على قدر المسؤلية. هل ينظرون لنا بعد أعوام من الآن نفس النظرة التي ينظرها بعضنا إلى غالبية الأجيال السابقة التي هيئت نفسها على السير في ظِل أكبر الحوائط وأكثرها إرتفاعاً، ولم تنطق بحق إلا من رحم ربي؟
إن أكثر ما يقلقني الآن، أن يرانا القادمون قَتلَة، و شياطين خرساء، أو أن يرونا بالصورة التي يسجلها الآن كُتّابُ التاريخ في حضرة السُلطان. كل ما أريد أن يعرفوه عنّا،أنّا كُنا حالمين، كانت تفرقنا الإنتماءات ويجمعنا الأسفَلت، وتحتضن الزنازين أجسادُنا المُنهكة. كانت البلاد ترفُضنا وترفض أن تتركنا، بينما القبور تستقبل أجسادنا المثقوبة بترحاب. كنا نهتفُ ملئ حناجرنا بصِدق، أحببنا بصِدق، وضحينا بصِدق. لكنها الدُنيا، ما تلبث إلا أن تفاجئك. فتعلم أنك لا بد أن تدفع ضريبة أعلى كلما كنت أكثر فقراً! ، ونحن لم نكُن نملُك شيئاً لنُقدمه سوى أرواحنا. ومالك الروح في بلادنالا يُعتبرُ مالكاً لشيء؛فهي كما تعلمون هيِّنَة. وفي النهاية؛دفعناها بإبتسامة على وجوهنا. لم نكُن نريد وداعاً لكنه لا بُد أن يحدث فتمنيناه لائقاً مليئاً بالأحضان على الأقل، فلم تحتضنُ أجسادنا إلا الرصاص.
لا تصدقوهم إذا أخبروكم أنهم أنقذوا البلاد من أيادينا المُستهترة المتعجلّة. وأنهم أكثر حكمة ولولاهم لهلكنا ، لا تنخدعوا بشيب الرأس وحلاوة اللسان، ولا بكذبة أن بلادنا كانت جنة الله في الأرض و لكن جيلنا هو من أفسدها. لا تتركوا لهم مجالاً كي يعبثوا برؤوسكم كما حدث معنا. لا تغرنّكم الوعود، ولا يخدعنّكم صوت حنون نسائي النبرة؛ يخبركم أنكم نور عينيه فيفقأ أعينكم في النهاية. ولا من يعدكُم بالجنة في نهاية فترة رئاسية فإذا عارضتموه و اجهتم التكفير من أنصاره. كُلنا أخطأنا، وقادتنا اختياراتنا إلى نهايات لم نتوقعها، لا أستطيع أن أدعي نقاء هذا الجيل، سأترك لكم الحكم، وستعلمون أنه من بين الذين وقفوا على النواصي المظلمة يتحسسون نور الغد، لم يكُن هناك من هو أنقى منّا.
إننا يا رفاق الحُلم عانينا، فقدنا أصدقائنا، وتكسّرت أرواحنا حينما إصطدمت بحائط القُبح الذي بنوه، إن الجمال الذي كُنا نعتقد أنه بداخلنا لم يستطع أن ينتصر، فإنسحب تاركاً لهم الساحة، أو لعله الآن في عنبر رطِب يستأنس بالمعتقلين ويستأنسون به.
ربما تأتي النهاية كما أردناها، وربما قد تستمر الدائرة من يد أصحاب البنادق إلى يد أصحاب اللحى! فإلى ذلك الحين؛ تذكرونا بخير.
-
محمود عزوشغوف بالسينما ومُدمن للقراءة، أكتب مقالات قد تعتبرها أنت تافهة. فاهدأ