ليلةٌ في حلم - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

ليلةٌ في حلم

لقد كنتُ في الماضي قوياً، كنت أستند على رسائل المرأة الوحيدة التي أثرت في حياتي وغيرتني بشكلٍ جذري. كنتِ محقةً عندما قلتِ لي ذات يوم أننا من نسجن أنفسنا بأبوابٍ وهميةٍ وجدرانٍ من أحلام عبثية ..

  نشر في 22 يناير 2019 .

يا إلهي كم مر من الوقت منذ آخر مرة التقينا فيها؛ لم تتغير ملامحكِ .. بل لقد زادكِ العمر والبعد رونقاً وجمالاً!

كم يا ترى مر وقت منذ آخر مرة التقيتكَ فيها، لم تتغير ملامحكَ كثيراً .. لكن العمر والبعد غيرا كثيراً منك، تبدو أكثر تعباً وشقاءً!

مازلتِ كما أنتِ تضحكين بنفس الروح البريئة الطفولية، تبتسمين بخجل عندما يمدح أحدهم جمالكِ. يا إلهي كم اشتقت لنظراتِ عينيكِ الدافئتين، ولمساتكِ الهادئة الحنونة، لجنونكِ وجموحكِ .. لرائحةِ جسدكِ المثيرة، لاختياراتكِ المثالية في العطور، وأناقتكِ التي لا يمكن أن تخفى على أحد رغم بساطتها!

متى افترقنا يا ترى، لقد مر وقت طويل .. هذا كل ما أستطيع تذكره؛ عندما سافرت في منحة دراسية، وغيرت عنواني انقطعت رسائلك. علمت فيما بعد أنك تزوجت من "رهف" الطالبة التي كنت تعطيها دروس خصوصية في الصيف. من المضحك أن تكون تلك الفتاة المشاكسة هي من أقنعتكَ أخيراً في العزول عن فكرة العزوبية ودخول القفص الذهبي.

ألم تتزوجي؟!

بلى .. لكنني أنفصلت بعد خمسة أعوام عنه، لدي ابن .. يبلغ من العمر أربع سنوات.

أنا آسف حقاً!

على ماذا تعتذر يا ترى .. 

يتنهد .. ثم يخرج عقباً من السجائر ويضعه في فمه ثم يشعله.ينفث دخانه في الهواء الطلق وهو يتأمل البحر من على الشرفة المرتفعة. 

لماذا تبدو تعيساً، خفت أن أسأله عن شيء خاص فأحرجه، فضلت أن أصمت، ابتسمت في وجهه والتفت لأعود إلى الداخل حيث كان الحفل الصاخب. أمسكني من يدي وطلب مني أن أبقى برفقته قليلاً ..

أنا مرهق جداً، ضغوط العمل والعائلة .. وزواجي المكلل بالفشل المبطن، فكرة الفراق غير موجودة، لكن كأن كل منا يعيش في عالم منفصل تحت سقف واحد.

يا لها من أخبار محزنة .. لكنك قوي كفاية لتتجاوز كل هذا!

لقد كنتُ في الماضي قوياً، كنت أستند على رسائل المرأة الوحيدة التي أثرت في حياتي وغيرتني بشكلٍ جذري. كنتِ محقةً عندما قلتِ لي ذات يوم أننا من نسجن أنفسنا بأبوابٍ وهميةٍ وجدرانٍ من أحلام عبثية .. 

لقد مر علي وقتٌ عصيبٌ جداً في الغربة، وبعد انفصالي عن زوجي.. عانيتُ الكثير من المشاكل ومررتُ بأزمات وحده الله يعلمُ كيفَ استطعتُ أن أنجو منها، لكنني فعلت .. وعدتُ بعد كل ما جرى قويةً كفاية لأتحمل؛ الصبر والقناعة درسان لا يتعلمهما الإنسان إلا بعد الأزمة الأخيرة .. تلك الأزمة التي قد تقضي عليه أو تجعلُ منه إنساناً حديدياً!

وأنتِ امرأةٌ حديديةٌ لا أشك في ذلك. لكنني رغم صلابتي وقسوتي وجبروتي وجفائي لا أستطيعُ أن أكون سوى طفلاً يتيماً بين يديكِ!

لنعد إلى الداخل؟!

رمى عقب السجارة على الأرض وسحقه بقدمه، تقدمنا سويةً .. ودخل كلٌ منا في اتجاه. رأيتهُ يراقبُ تحركاتي من بعيد، يرصدُ ضحكاتي وأحاديثي كأنها الطاقة التي كان يتدخرها لأيامه المقبلة.

عندما انتهى الحفل اجتمعنا مجدداً عند مدخل المبنى، كان ثملاً كفاية ليقف متمايلاً، وكنت ثملة إلى الحد الذي اقتربت فيه منه وحضنته بقوة وطبعت قبلة خفيفة على خده، عندما حاول أن يتمادى ويسرق قبلة من شفتي، منعته بحجة الشارع الفارغ، وسائقي سيارات الأجرة الغريبين، بحجة الدموع التي كانت تسيل على خدي، ورائحة الخمر الممزوجة بالدخان التي كانت تفوح منه.

كم كنتُ أتمنى أن أقضي تلك الليلة في أحضانكِ وبعدها صدقيني بأن الحياة والموت ستكونان عندي سيان. كم كنتُ أشتهي أن أرسم ملامح جسدك بأناملي المرتفجة، أن أسهرَ معكِ رغم تعبي الشديد حتى تبزغ شمس اليوم الجديد، هكذا في صمت .. أتأملُ ملامح وجهك فيها على ضوء الشموع الخافتة، وأستمع إلى نبض قلبك وتصاعد أنفاسك وأعيشُ ما تبقى من حياتي على هذه الذكرى.

ركبتُ سيارة الأجرة وانطلقتُ، لم أكن بالقوةِ التي تجعلني أنتظر منكَ أن تطلبَ مني أن أرافقكَ إلى منزلٍ غريب، أو غرفةٍ غريبةٍ نمضي فيها ليلة نتحجج فيها بأننا كنا ثملين، فنمارس الحب حتى يطلع صباح يومٍ جديد نتودع فيه ويعود كلٌ منا إلى عالمهِ الغريب!

كنتُ مستعداً أن أدفع عمري ثمناً لتلكَ الليلةِ التي سأقضيها بشغفٍ معكِ في فندقٍ قد تكون المرة الأولى والأخيرة التي سأنزل فيه، كنتُ مستعداً بعد تلك الليلة أن أقضي حياتي المتبقية زاهداً فيما سيأتي، ناسياً ما قد مضى؛ لو قلتُ لكِ أن ما تبقى من أيامي بعد ذلك اليوم كانت ستكون حلماً بلقاءٍ جديد .. لن أكون فيه ثملاً سوى بحبك، سأكون وفياً فيه لكل بقعةٍ من جسدك .. 

لقد كذبتُ عليكَ كثيراً في ذلك اللقاء، فأزمتي لم تكن يوماً سوى ببعدي عنك، وصبري وقناعتي تعلمتهما منك، لكن .. لكن الوقت تأخر كثيراً يا صديقي، لقد فات الأوان على مصيرٍ مجهولٍ، ولقاءاتٍ عابرة. إنني أحبك .. أقسم لكَ أن حبي لك لم يتجزأ يوماً مع أحد، ولم يتبدل .. 

أحبكِ .. رغم أنني لم أعترف لكِ بهذا في الوقت الذي كان علي فيه أن أفعل، أحبك حد الثمالة والجنون. غداً سأستيقظ على هذا الحلم، سأعيش فيه كل اللحظات التي عشتها معك في خيالي، سأمضي ليلة سرمديةً في أحضانكِ، أحبكِ بصمتٍ وبصخب .. 

دعنا لا نلتقي مرةً أخرى .. فأنا ضعيفةً جداً أمامك، وقد تعلمتُ القوة!

دعينا نؤجل هذا الحديث.. في مرةً آخرى يسعفنا الوقت فيها لنتحدث ونحن بكامل قوانا العقلية .. 

تقصد لسنا ثملين .. 

سألتهُ لألتقط من شفتيه الإجابة التي طبعها على شفتي!

ينهرني سائق التكسي بخفة: " لقد وصلنا مدام"!

كانت "رهف" تنتظرني عند الشرفة، لوحت لي بيدها عندما رأتني واتسعت ابتسامتها، لتسارع بالقدوم إلي لنجدتي عندما رأتني أصارع الطريق ..!

لكن لم يكن أحدٌ بانتظاري عندما وصلت سوى جارتي التي كانت ترعى ابني في غيابي.

ساعدتني "رهف" في خلع ملابسي، ومددتني على السرير ثم غطتني وقبل أن تطفئ الضوء وتلتفت إلى الجزء المخصص لها من السرير قالت لي بشيء من الهمس :" إن رائحة عطرها ما تزالُ مميزة!".

سألتني جارتي وهي تساعدني على خلع حذائي وأنا ممددة في سريري أحلق في الأطياف إن عدتُ ثانية للتدخين، أجبتها بابتسامة وصمت!

لقد كانت تلك الليلة العابرة ليلةً لا تنتسى بالنسبة إلي، عندما أطفأت "رهف" الضوء شعرتُ بالكآبة .. لأن الحلم الذي كان على وشك أن يبدأ انتهى.

طلبتُ من جارتي ألا تطفئ الضوء، كنتُ أريدُ أن أتابع ذلك الحلم وأتلذذ بشغفٍ في تفاصليه حتى أستيقظ على يومٍ جديد، ربما يزول فيه مفعول الخمر فأنسى ما حصل!


  • 1

   نشر في 22 يناير 2019 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا