هذه الليلة كان هنالك هاجسُ يترقب موعد جلوسي مع الأصدقاء في المكان التافه الذي لا بد أنه حفظ ما سنقوله، أو ما سنخاف منه، أو كل تلك الأشياء التي يتوجب علينا أن نشعر بها، وكأنه يقوله لنا بأن هذه الليلة أكثرهن وحشة، وخوف، أكثر مزاج دنيء يأكل لحوم البشر وقلوبهم، أصعدُ السلم درجة درجة، كل درجة تعزف الأرض لحنٍ حزيناً، وكأن أحدهم في الجزء الآخر من العالم، على وشك أن يفارق الحياة، مودعاً هذه الدنيا الظالمة، المليئة بالمجرمين، مجرمي السياسة، والدين، واللغة، والعرق، واللون، وحتى أصحاب المزاج الهادئ، الذين يفسدون الحياة رغماً عن الآخرين .

لي صديقة تسكن في مدينة طولكرم نتحدث سوياً على الهاتف كل ليلة، أخبرها عن شغف لمضاجعة هذا العالم، وتخبرني عن تلك السجون التي يصرخ من داخلها المعتقلون ولا يسمعهم أحدهم، سوى ضحكة ذلك الضابط الذي حمل في يده ورقة للتعذيب، في هذه الليلة تحديداً، كانت تجلس أمام الجهاز الإلكتروني وهي تتحدث معي، تتصفح مواقع الأخبار العالمية والعربية، نقلت لي خبراً بصوتٍ خافت وكأنها تفتح فمها خوفاً، تقول أن السلطات العراقية ألقت القبض على شخص منتسب للتنظيم الإرهابي داعش وخلال التحقيق إعترف أنه إغتصب مئتي إمرأة في مدينة الموصل العراقية التي تسيطر عليها داعش، لقد مر الخبر أمامي وكأنني أشاهد فيلماً مرعباً، فيلم مليئ بالصراخ، بالبكاء، بالنحيب الخافت، الضعيف، الذ ي لا يجعلك تختار سوى الموت، أو الضحك على الجريمة التي ترتكب بحقك .

لستُ مهتماً لدين الجاني، أو المجني عليه، لستُ مهتماً لهويتهم، لهوية ذلك الوحش الذي يمسكُ كتاباً يعتقد أنه الحق، ولا لهوية الإمرأة التي فقدت حقها في الصراخ أمام هذا العالم، أغلقتُ الهاتف وظللتُ أطالع السماء، متخيلاً، كيف لك أن تنزع روح إمرأة بقضيبك مراهناً بذلك على الدين؟، كيف لك أن تكون وحشاً أمام الضعيفات؟، كيف لك أن تقابل آلهك وخلفك مئتي جريمة؟، أي فيلماً هذا الذي نشاهده؟، أي غضينة هذه التي يكتسبها آولئك حينما تنام إمرأة خائفة من صورتك؟ .

أمضيت تلك الليلة واقفاً أمام السماء على سطح المنزل، أصرخُ عن كل إمرأة لم يستطع أحدٌ سماعها، لقد صرختُ طويلاً حتى سمعني الجيران قالوا هذا مجنون، أذرفت مئتي دمعة عن كل إمرأة لم يستطع أحدٌ أن يراها، حتى رأتني أمي وقالت ما بك بني، مزقت مئتي ورقة بأسناني عن كل إمرأة لم يستطع أحدٌ مساعدتها، ظللت أصرخ طوال اليوم، ليتني أسستطيع أن أمزق كل تلك النصوص التي يرجع إليها المجانيين ليغتصبوا نساءاً بإسم لدين، كتبت إلى الله مئتي رسالة، عن كل إمرأة رسالة لم يستطع الله أن يراها، هنالك نساءُ يصرخن في هذا العالم، ولا أحد يستطيع سماعهن يا إلهي، لا أحد .

أكملتُ تلك الليلة بالكثير من العقاقير، لقد شربتُ مئتي عقارٍ عن كل إمرأة لم تستطع النوم من آلمها، لقد بكيت طوال اليوم يا إلهي لأنني أعرف عن هنالك نساء في هذا العالم لا يعرفن كيف يقتلن هذا الخوف الذي يسكنهن .