مالي أراك يا قمرُ حزيناً اليوم !!

أوا ليس الذي خلقك أعطاك سمة الجمال وأغلبُ الكتاب والشعراء يستنيرون ويستشفون صبا الكلمات منك ،أم أنّ أهل الأرض ابتاعوا منك النظر وتناسوك.

لا تحزن ....

فمن أرادك قمراً رآك ومن آرادك كدائرةٍ تبثُ الضوء كل ليلةٍ وتعود عليك فاتركه فأنت "آية" وليس كلُ الخلق يعرفُ ما معنى هذه الكلمة .

حالتك تلك تذكرني بأصناف البشر التي اجتاحت عمري مع أنني ما زلتُ شاباً ولم آرى من الحياة سوى قطرة لكن قساوة الدنيا التي تجلدُ أيامنا جعلتنا في زهر شبابنا عجائز نقوى على الضرب والصراخ.

ما رأيك أن أخبرك عن أصناف البشر؟

سأحدثك عن الصنف الأول عن أُناسٍ رأيتُ الحياة فيهم ونصبتُ أشرعتي بدعمهم أناسٍ بنيتُ أسس أيامي ومستقبلي على عاتقهم ، أناسٌ إن صرختُ صرخوا وإن فرحتُ فرحوا ، أناسٌ إن تُهتُ أرشدوني وإن كُسرتُ قوّموني وإن فقدتُ الأمل أحيُّوني .

نعم....أحدثك عن أهلي وأقاربي عمن ورثوني الإسم وقالوا لي هذه حياتك فلتعش ونحن كالسيف في ضهرك ،أُناسٍ كانت حياتهم جميلة وحين وُجدتُ أصبحت أجمل وبدأوا يرددون متى نراك شاباً وتكبر ويرفعون الراية البيضاء لنصرهم لا لاستسلامهم بأنهم أنتجوا العصا التي نتكئُ عليها حين يشيبُ الرأسُ والجسدُ يرهل .

أُناسٍ حين رأوني أخرجُ من كبد الروح ابتسموا ليعلموني أول درسٍ في الحياة هو 'الابتسامة' ويلقون في مسمعي أول كلمة (الله أكبر) ليعلموني ثاني درسٍ أنني عبدٌ وليس معصوم .

أناسٌ باتت شفاهُ اللغو ترجمهم بعناوين كمثل هذا (الأقاربُ عقارب) لكن علموني في المدرسة أن الصفة تتبعُ الموصوف أي أنّ الأقارب عقاربُ لمن يلدغ وأطايبُ لمن يطيب.

سأخبرك بالصنف الثاني من البشر أناسٌ وهبتني إياهم الحياة هم أخوة لم تلدهم أُمي أناسُ بتُ أكره الدنيا بدونهم وأملك العالم بأسره بقربهم ورحنا نغدو مع الأيام نزرعُ أزهار مستقبلنا معهم .

نعم .....أحدثك عن أصدقائي وأصحابي عن أشخاصٍ أسميتهم "فرحي" عن أشخاصٍ لا طعم للحياة بدونهم ولا جمال للأيام ببعدهم ووصفي لهم مطعون وحين ألمح طيفهم يفيضُ من القلب مشاعرُ بكمياتٍ هائلة يحتاج مئةُ معملٍ لينتجها 

عن أشخاصٍ لعبنا وسهرنا وسافرنا وتمردنا وبكينا وتشاركنا الأيام معاً 

عن أناسٍ يستحيلُ نسيانهم مهما تُلف من خلايا الذاكرة .

سأحدثك عن زملاء الدراسة والجامعة وما بعد الجامعة عن أناسٍ كان العلمُ بقربهم لذيذ واللعب معهم ممتع ويجعلون قلبي فراشةً ملونة تسرحُ في خيال الحرية.

سأخبرك عن الصنف الثالث عن أناسٍ أحببتُهم وكرهوني لا أعلم لما ؟ لكن الحسد والغيرة آالت فيما بيننا وبدأت تنثرُ على فحوى رؤياهم أنني صورةٌ مشوهة ، عن أناسٍ خسرتهم بسبب البعد أو أنهم اتخذوا طريق البعد والجفا لا أعرف لماذا لكن لديهم من أيامي نصيبٌ جميل ، عن أناسٍ أجتاح الشكُ أوصالنا وبدأ يقطعُ بسيف التقاليد والتفكير والظنون المسيبة وصلاً تلوا الأخر حتى انتهت صفحتهم لكنهم يملكون خلايا دماغية خاصة بهم تدعى "خلايا الوصل الجميل" تذكرك دوماً أن هناك أشخاصٌ داهموا حياتك فجأة وزرعوا فيها الياسمين أنا لن أكرههم لكن الثقة انمحقت بيننا لأن الظن كالشيطان الذي يأخذُ دور القابلة ويلدك من رحم الأيام كطفلٍ بهيئة خنثى وتبدأ نظراتُ المتعالين تلقي بسهامها نحوك ويجوب إلى سمعك كلماتٍ لا تفهم معناها غريبة ..حمقاء تحسها تتملكها وأنت لا تعرف ماهو الأحساس ابداً نظراتهم بمفردها ترسل إليك اتهاماتٍ كأنك مجرم العالم الأول وأنت لا تعرف معنى الاجرام .

أنا أعلمُ يا قمر أنني لن أراهم لكن يبقون ذكرى جميلة في لُبّ ذاكرتي .

أناسٌ خسرتهم في نظري لكن لن أخسرهم في فكري وذاكرتي هؤلاء غابوا دون أي برهان بسبب تفارق الأيام وتباعد المسافات والأزمنة .

سأخبرك عن الصنف الرابع وهو الأخيرُ عندي عن أناسٍ ذهبوا ولن يعودوا يوماً بسبب قانون الحياة ،عن أناسٍ ماتوا جسداً وما زالوا أحياء في قلبي أحادثهم وأستشيرهم وأداعبهم أحياناً عن أناسٍ لهم مشاعرُ خاصة تتوضع في أسفل القلب كل يومٍ يموت واحدٍ منها لكن يبقى الشعور الأم الذي يبث تلك المشاعر صامدةٍ إلى أن تنتهي قصتي في هذه الحياة الهمجية كالخلية الأم التي تولدُ الخلايا في النبات تبقى إلى أن يموت .

فابتسم يا قمر لأن الله خلقك بدراً منورً منمقاً من السواد لا عقل يفكر ولا قلب يبكي ...

ماجد قربون