العرب إلى أين؟ وإلى أي مدى تطول اليد الأمريكية؟ - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

العرب إلى أين؟ وإلى أي مدى تطول اليد الأمريكية؟

هيام فؤاد ضمرة

  نشر في 13 ديسمبر 2019 .

العرب إلى أين؟

وإلى أي مدى تطول اليد الأمريكية؟


انتفاضات الشعوب نيران تتوقد ومن الصعوبة بمكان أن تنطفئ بسبب تزايد وعي الشعوب لحقوقهم، وتحملهم الأخطاء الفادحة للإدارة ردحاً طويلا من الزمن حتى فاض بهم الكيل، وما عادت كل أشكال المحاسبة والمكاشفة تجدي، لأن المسؤولين تصيبهم حمى عجيبة لأعراض مرض بلادة الإحساس بحقوق الآخر والاستخفاف من حاجاته الإنسانية الطبيعية، وهو ما يعرف علميا باضطراب تبدد الشخصية لكثرة مواجهتهم مشاكل المواطنين وتشعبها، ليتكون لديهم شعور أنهم مهما فعلوا فمشاكل الناس لا تنتهي، وتشكل ضغوط عليهم، فيتسحبون وقد سيطرت عليهم مشاعر الأنانية وحب المنفعة الذاتية، ويقعون تحت اغراءات أحاييل الغرب الذين تعودوا التعامل بالطرق الفاسدة، من هذه الزاوية يبدأ مسلسل الفساد، وسرعان ما ينتشر بالتقليد بعد التأكد أن ليس هناك رقيب ليحاسب.

لسنا في موقع التنظير السطحي دون التعمق ومصارحة الذات بالعقل والمنطق على خطورة ما سينتهي إليه الحال من تجاهل السياسيين داخل الحكومات العربية لإرادة الشعوب المقهورة والمحاربة بالتفقير وترك الحابل على النابل في شأن ارتفاع الأسعار المتتالي الجنوني، والتغاضي الواضح عن موجة الفساد التسونامية التي بات فيها الفاسدون يمارسون وقاحة واضحة بالصورة العلنية، التي لا تضع اعتباراً لأحد دونما تخوف أو احتراز، فقد تحول الفساد إلى فك مفترس يلتهم الأخضر واليابس ويدوس على أرواح الفقراء دونما رحمة، أو حتى وضع لاعتبارات إنسانية،

وقد بات المواطن هو الآخر يُعاني التقشف والفقر التابع لمرحلة التفقير، فيما أهل السلطة ينعمون بالخيرات وتيسير أمور مصالحهم الشخصية ولمن يهمهم أمرهم، والوطن العربي بكافة دولة تقف اليوم على طرف منحدر خطير، على ما يبدو أن المُترعين بالدلال في مواقع السلطة يراهنون على خوف الشعوب من اندلاع حرب أهلية تأكل الأخضر واليابس قبل أن تنطفئ شعلة الفتن، ولهذا ما عاد يهمهم شيء ولا نداءات الشعوب عادت تجد عندهم الاهتمام،

وها هو لبنان وطن يسير إلى المجهول، قيادات متسلطة صاحبة مصالح كبرى، وشعب مثقف مقهور بات يدرك كل ما كان يتسرب تحت سجادته، خرج إلى الشوارع معبراً عن سخطه من الواقع الاقتصادي المزري الذي يداهمه غير عابئ بالمخاطر التي ممكن أنْ تثيرها الطائفية الراكدة لو يد الفتنة حركتها، فقد بات غالبية الشعب اللبناني يعاني عدم القدرة على تأمين احتياجاتهم اليومية الضرورية، وعدم توفر الوقود وارتفاع سعره، وصبره غير المنقطع على انقطاع الكهرباء منذ سنوات عديدة، فالشعوب المضغوطة تكون في حالة أعصاب مشدودة في الغالب سرعان ما تثيرها قشة تقصم ظهر البعير، فتستثير غضبها وتشعل فتيل ثورتها على الوضع المأزوم، فيما السياسي يتدارى داخل قلاعه الحصينة وربما جواز سفره لا يفارقه استعدادا لأي طارئ غير محسوب له.. ومحاولات حزب الله الفاشلة في تطويق المظاهرات تخيب الأمال فقد تفلت العقال وما من قوة تعيد الهدوء.

وكأنما كتب على العراقيين تحمل المزيد من إراقة الدماء في ظل استبداد لا ينتهي، فأمام تقاعص المسؤولين في الاصلاح، وتفشي الفساد بأعلى صوره وأسوأها حتى على المستوى الدولي، وتأخر مشاريع الإعمار عما خلفته الحرب الأهلية، وتدهور الأحوال الاقتصادية لكل تابعي الطوائف على تعددهم، فقد توحدت المصالح بين كافة أركان الشعب، ليخرجوا إلى الشوارع معترضين بصوت واحد، وملمحين لدور ايران في تعطل تقدمهم الحضاري والاقتصادي وتدخلها في سياسة العراق، لتجابهه قوى الأمن بالرصاص الحي موقعة عددا مهولاً من الخسائر بالأرواح ناف عن 400 قتيل من الشباب، عدا أعداد الجرحى وحالاتهم، ويتهم بالضلوع في قمع المتظاهرين ميليشيات مرتبطة بإيران ارتباطاً مباشراً تقودها شخصيات عراقية معروفة وصفوا بالمأجورين.

والغريب أن حكومة إيران نفسها عانت ما تعانية حكومة جارتها، وخرج مئات من الايرانيين يعترضون على الأوضاع الاقتصادية والسياسية المتردية في ايران بعد ارتفاع جديد بأسعار الوقود وتراجع بتجارته، اقتضتها الضرورة أمام تأثر الاقتصاد بسبب العقوبات الأمريكية، ذلك السلاح المهيمن الذي تمارسه أمريكا على دول الشرق الأوسط للتأثير على سياساتها، وقتل في هذه المظاهرات حولي 200 مواطن ايراني.

فما الذي يحدث في الحقيقة على أرض الواقع؟.. لماذا ترفض الحكومات تلبية مطالب الشعوب وتواجهه بالسلاح القاتل دون رحمة؟.. وإلى متى يستمر مسلسل التفقير والغلاء المتشعب والمتتالي إلى ما لا نهاية، وفجور الفساد؟.. ووضع الشعوب على حد السيف الحاد وإجباره على ألا يتململ وإلا حده الماضي كان فاصلاً دونما تردد، فيما تترك هذه الحكومات الفاسدين يصولون ويجولون ويستنزفون خزينة الدولة جهاراً نهاراً دونما مراعاة لمعاناة هذه الشعوب، فالمنطقة باتت تتقلى على الصفيح الملتهب والجميع عليها هم مشروع للاحتراق.

وإذا عمقنا النظرة أفقياً وعمودياً لرأيناها جميعها دول تسيطر عليها إيران بشكل من الأشكال، وتشكل معسكراً إيرانياً لا تشكيك فيه، وإيران هي الأخرى كأنما هي تعاني الاختناق وتوشك على فقدان أنفاسها وبالتالي نفاذ صبرها، فإلى ماذا يراهن الساسيون في ايران؟ وما الذي في جعبتهم يفكرون وهذه المظاهرات تغذي حالة عدم الاستقرار الجيوسياسي الذي تموج به أكثر مناطق المنطقة اضطراباً، بل وأكثر مناطق العالم اهتزازاً، وكم لا تحصى من الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والأمنية جميعها تنذر بعاصفة هوجاء قد تطيح برؤوس وعروش.

وأمريكا كالعادة تلعب لعبة الأكروبات على الحبل المشدود، احتلت العراق وسلمته للأيدي الإيرانية التي مارست عليه أبشع وأضخم عمليات التصفية الجسدية وانتهاك للحقوق الإنسانية، ليخرج على الملأ الآن وزير خارجيتها مايك بومبيو معلنا في بيان وزاري أن الشعب العراقي تواق لاسترداد وطنه وحقوقه وقراره الداخلي، ويطالب بقادة جديرين بحمل المسؤولية يضعون مصلحة الوطن فوق كل الاعتبارات ويسعون بكل الاخلاص إلى إصلاح ما أفسده الفاسدون والمنحرفون.

إن أخطر ما يجابهه المتظاهرون في دول تسيطر عليها بشكل من الأشكال إيران، هو اختراق صفوفهم من قبل جماعات عنيفة تصدرها جهات معادية بقصد إحداث فوضى تؤدي إلى إحداث فجوة خطيرة، وتأزيم الحال، وتعكير الأجواء، والتهديد بالانفجار الخطر.

فلا نظنها من قبيل الصدف أن يتزامن تفجر الشارع في وقت واحد داخل الدول المحسوبة على ايران، وبالجانب الآخر تتفجر الأوضاع في أمريكا الجنوبية اللاتينية النعارضة للسياسة الأمريكية، والصين المنافسة الكبرى لقوى الدول ذات الأثر الكبير، مروراً بالشرق الأوسط، مع اقتراب موعد انتخابات الرئاسة الأمريكية، فقد تعودنا على الأعمال الجنونية التي قد ترتكبها الإدارة الأمريكية حين الأمر يتعلق بالتأثير على ميزان قناعات الشعب الأمريكي أمام صناديق الاقتراع، ومن هنا لن نستغرب هذه الخلطة العجيبة حين يكون تغيير الرؤى عند شعب ما يحتاج لأكثر من كرنفال تخريبي يشغل الأنظار ويرفع الأحمال عن الهدف الأساسي.

وما يجري في كوريا الشمالية من تقدم وتطور بالتسليح في ظل استمرار الجمود في المحادثات النووية بين بيونغ يانغ وواشنطن يقلق الإدارة الأمريكية ويفقدها النوم الهانئ، فهي ترى أن إجراء تجربة لإطلاق كوريا الشمالية لصاروح حامل لقمر صناعي بعد ساعات فقط من خطاب ترامب الذي لمح فيه لعدم قدرة كوريا على ارتكاب حماقة بمواجهة عدائية مع أمريكا، كان متيقنا مع ذاته أن الإعلان عن إطلاق الصاروخ يعد تغطية على الحقيقة المتدارية، كأن تكون التجربة بحقيقتها تجربة اختبارات لصواريخ باليستية طويلة المدى، ويرى أن تعطل المحادثات بين الطرفين والوصول ‘لى اتفاقية لحظر السلاح النووي سيجر المخاطر على الولايات المتحدة الأمريكية.

على ما سبق ذكرة نلحظ أن الوضع العام في العالم تمسك خيوطة اليد الأمريكية وآلة قوتها العظمى بقبضة محكمة، تتحكم بأيقونات اللعبة لتظل هي في المقدمة وكل العالم تابع لإرادتها لتمارس عليه لعبة مزاجها، ولهذا لا يتوانى ترامب من التقليل بقرارات حلفائه ووصفهم بأقذع العبارات، وعلى هذا وصف ترامب زميله الفرنسي ماكرون "بأن تصريحاته بغيضة بدرجة كبيرة جداً" على ما أدلاه ماكرون حول رؤيته في حلف شمال الأطلسي ووصفه بأنه في حالة موت دماغي.. عطفا على ما ظهر من تباين كبير بآراء واستراتيجيات زعماء الناتو.

ترامب كان حريصا على التواجد في قمة شمال الأطلسي في بريطانيا ليكون قريبا خلال الانتخابات البريطانية، فالسياسة لا تترك مناسبة تمر دون توظيفها لتحقيق مآرب في جانب من جوانب المصلحة.

ورؤيتنا تضع المتلاعب بورقة الجوكر، والسابق في رسم خطط إدارة اللعبة أو الحيلة هو الفائز لا محالة في أغلب الحالات، طالما الأطراف الأخرى لا تتحرك لتواجه المخططات الشيطانية بمخططات مضادة من صنف تلك التي تتلاعب بتحريك أحجار الشيطان الأكبر على نفس مربعات اللعبة، تماما كالمعركة العسكرية البادئ بالقوة الضاربة المفاجأة هو دوما الفائز لأنه يشل حركة عدوه من خلال تدمير أهم دفاعاته.


  • 1

  • hiyam damra
    عضو هيئة إدارية في عدد من المنظمات المحلية والدولية
   نشر في 13 ديسمبر 2019 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا