باريس و التضامُن العربي !
هل غيّرت صورة بروفايلك تضامُناً مع أحداث باريس الدامية أم لا ؟
نشر في 21 نونبر 2015 وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .
* ساعةٌ فقط أو لعلّها ساعتان بُعَيْدَ الأحداثِ الداميةِ التي شهدتها العاصمةُ الفرنسيةُ " باريس " , كانتْ كفيلةً بأن تكسو الكونَ من حولنا بألوانٍ ثلاثةْ , هي ألوانُ علمِ الجمهوريةِ الفرنسية التي ضربتها يدُ الإرهاب فأرّقتْ أُمسِياتِها الهادئة و سهراتِها الشاعِريّة و حوّلتها إلى ساحاتِ عُنفٍ تسيلُ فيها الدماءُ و يعلو خلالها الرصاصُ لتكونَ تِلكَ الليلةُ إحدى أسوأ لياليها منذُ الحرب العالمية الأولى .
* أوشَكَ الفجرُ على البُزوخ و بدأَتْ أصواتُ الرصاصِ تخفُتُ شيئاً فشيئاً , أُغلِقَتِ الحدود , رُفِعَتْ حالةُ الطوارئ , خيَّمَ شيءٌ من الهدوءِ في الأجواء و بعضٌ منَ الحُزنِ في النُفُوس .
* استَنفَرتْ أجهِزَةُ الإستِخباراتِ الفرنسيةُ و العالميةُ للبحثِ عن الجُناةِ و المتورِّطينَ و وقفَ العالمُ الغربيُّ دقيقةَ صمتٍ حُزناً على أرواحِ من سقطوا من الفرنسيين , فيما كانَتْ بعضُ الشعوبِ على الطرفِ الآخَرِ من الأرض تحزَنُ و تتفاعلُ مع الحدث بطريقتها الخاصة و بأسلوبِها المُميّز , الذي قلّ أن تجِدَ شعوباً أُخرى تُمارِسُهُ أو تتقِنُهْ .
* ما إنْ تجلِسَ خلف حاسوبِكَ و تبدأَ في الإبحارِ و التنقُّلِ بين مواقعِ التواصُلِ الاجتماعي التي هيمَنَتْ على مُجتمعاتِنا و مجالِسِنا و أصبحتْ جُزءاً لا يتجزّأُ من روتينِ حياتِنا اليوميّ , ما إنْ تبدأَ بتصفُّحِ أيِّ موقعٍ كان حتى يرتَسِمَ أمامكَ اللونُ الأحمرُ فالأبيضُ فالأزرق مُعلِناً تضامُنَ الموقعِ و العامِلينَ فيهِ مع الدماءِ التي سُفِكَتْ و الضحايا التي سَقَطتْ . و لكن ما يدعُو إلى التعجّب و ما يزيدُ المأساةَ أسىً و الجُرحَ عُمقاً هو أن ترى شريحةً ضخمةً لا يُستهانُ بها من كافةِ المُستوياتِ و الطبقات , مُهندِسونَ و أطباءُ و فنانونُ بل و حتى سياسِيّون , يُسارِعونَ لإعلان تضامُنِهم مع ما حدثَ بتغيير صورِهُمُ الشخصيةِ على الفيس بوك أو التويتر أو ما سواها , و يخطّونَ بأياديهم عباراتِ الحُزنِ و الشفقة و الألمِ حتّى !
* نعم يا سادة , إنّهُ الشعبُ العربيُّ الذي رزحَ عقوداً من الزمن ذليلاً مُهاناً تحتَ سُلطةِ الانتدابِ الفرنسي , و هو ذاتُهُ الذي لا يعلَمُ شيئاً عن قَتْلِ خمسٍ و أربعينَ ألفاً منهُ في الجزائرِ بأمرِ فرنسيّ ردّاً على مُظاهراتٍ سلميّة , هو نفسُهُ الذي مُحِيَتْ من ذاكِرَتِهِ عائلاتٌ دمشقيّةٌ كانتْ تُكبّلُ لتُشاهِدَ قتلَ أبناءِها أمامَ أعيُنِها , و هو الذي نَسِيَ المجازِرَ الفرنسيةَ في طرابلُس اللُبنانيّة بحقِّ طلبةِ المدارسِ الإسلاميّة و مجزرة صيدا بحقِّ النساء الحرائِر . جميعُنا نعلَمْ أنّ ذاكِرَةَ العربِ قصيرةٌ لا تطُولُ و لا تذكُرُ أحداثاً جَرَتْ قبل عقُود , أفلا تستطيعُ أن ترى وقوفَ فرنسا مُتفرّجَةً لا حولَ لها و لا قُوة و هي ترى أنهارَ الدِماءِ تسيلُ في مُدُنِ الشام و أريافِها , لعلّها من السذاجة بل و مِنَ الجهل السياسي و عدمِ الخبرةِ في ميزانِ القوى العالمي أن نظنّ أنّ فرنسا قد تُنهي حمام الدم الذي شارف على الخمسِ سنين لكنّ المنطقَ و موازنةَ الشيءِ بالشيء يضعُنا في موقِفٍ نتساءَلُ بهِ .. أين تضامُنُ الشعب الفرنسي مع مجازرنا ؟
* لماذا لا تتأثَّرُ قلوبُهُم و نفوسُهم حينَ يكونُ المظلومُ عربيّاً مُسلِماً , لماذا لم يتزيّن برجُ إيفل بعلمِ الثورةِ السوريّة أو بأخواتِها في مِصرَ و ليبيا و تونُسَ و اليمن , أو حتى لنَتساءَلَ لماذا لم تُرفعْ أعلامُ النظامِ السوري الذي يدّعي مُحاربة الإرهاب و الجماعاتِ التكفيريّةِ المُتطرّفة حسْبَ زعْمِهِ ؟! .
* في الطبيعةِ البشريّةِ السويّة ليسَ للقتلِ أنواعٌ و ليسَ للدماءِ مراتبٌ تُصنّفُ تِبعاً لها , الموتُ مكروهٌ و الحياةُ مُقدّسة , إنّما على أرضِ الواقع و حينَ التطبيقِ العملي نجِدُ أنّ القويّ و هو الفريقُ الأوّلُ المُتَمَثِّلُ في الشعبِ الغربيّ المُتَحضِّر يحمِلُ دِماءً ذاتَ قيمةٍ بالغةِ الأهميّة فينظُرُ إلى الشُعوبِ الأُخرى نظرةً دونيّةً مُتعالية و لو أنّ أذىً أصابَ فرداً وضيعاً كانَ أم رفيعَ المقامِ فيهِمْ فقد يُحرِّكُ جيشاً و يُقيمُ حرباً نُصرةً لكونهِ غربيّاً يختلِفُ عــــن أقرانِهِ من الشعوبِ الأُخرى , بينما الـفريقُ الثاني الــمُـتَمَثِّـلُ في الشعبِ العربيّ الـذي يـدّعِي الـتَحَضُّرَ نراهُ يُسابِـقُ الـزمنَ في التذلُّـلِ و الانبِطاحِ تحتَ أقدامِ الغربِ و يقتَنِصُ الفُرصَةَ بعد الفُرصة لكي يقولَ للغربِ : لبيكْ .. عبدُكَ بين يديك .
* ليس العلمُ الفرنسيُّ على طولِ بُرجِ العرب في دُبي , و لا صُوَرُ العلمِ الفرنسيِّ المُنتشرةُ على الحساباتِ الشخصيةِ في الانترنت , و لا الأهراماتُ المُضاءَةُ بذاتِ العلم و لا الكثيرُ مِنَ الأمثِلَةِ المُشابهةِ إلّا نماذِجَ من الاستعمارِ و الاحتلالِ الذي كانَ عسكرياً بجُيوشٍ و عتادٍ في ما مضى و أضحى فكرياً إعلاميّاً في زمانِنا الحالي .
* آن زمانُ الصحوةِ يا أيُّها العربيُّ , و خِياراتُكَ اثنانِ لا ثالِثَ لهُما فإمّا أنْ تضعُ نفسَكَ في موقِعِها الصحيح و مَقامِها الكريم و إمّا أن تبقى في طابورِ الذُلِّ إلى ما شاءَ الله ..فاختر لنفسِكَ موقِعَها .
-
محمد صبحي خطاب - Suphi Hatipoğluشابٌ مُهتمٌ بأوضاعِ العالمين العربيّ و الإسلاميّ .