يعتبر دور منظمات المجتمع المدني في المجتمعات العربية في ازدياد مستمر فقد استطاعت أن تحشد المواطنين خاصة بعد الانتفاضات العربية، وكان حضورها بارزا في النقاشات حول الإصلاح وقامت بدور الوساطة بين الدولة والمواطنين، فأثبتت أنها مدافعة شرسة عن حقوق الفئات الأضعف في المجتمع ، لأنها تبنت مفاهيم المشاركة الفاعلة و الايجابية في إشراك جميع المواطنين في تصميم السياسات الاجتماعية والاقتصادية والإصلاحات المؤسسية بما يعزز العمل بكل شفافية وساهم في تحقيق مبدأ المساءلة الأخلاقية و وفرضها على الهيئة القضائية. حيث تشير الشفافية هي عكس السرية في مجالات السياسة وعلم الأخلاق والاعمال والإدارة والقانون والاقتصاد وعلم الاجتماع... الخ. يكون الفعل أو النشاط شفافاً إذا كان المعلومات حوله متوفراً وواضحاً. فعندما تسمح المحاكم للمواطنين بالحضور في جلساتهم، وعندما تعلن عن ارتفاع وهبوط أسعار البورصة في الصحف وتسمى هذه العملية بالشفافية. أما المساءلة مصطلح يعد من أهم المفاهيم التي تسعى إلى ضمان العدالة والنزاهة. ويعد أحد أهم أركان المسؤولية وهي صيغة تعاقدية تمنح بموجبها الصلاحيات والمسؤوليات في مقابل الحق في السؤال والتحقق من صحة القرار المتخذ بعيدا عن المصالح التي لا تحقق الهدف العام.

1- ساحات عامة ووسائل تكنولوجية تعزز الشفافية والمساءلة والمشاركة

بطبيعة الحال توجد في كل الدول مساحات وفضاءات للمشاركة، على الفروقات بين شهرتها من دولة لأخرى لعدة اعتبارات، ومجالات قانونية للشفافية و المساءلة، غير أنها تبقى بعيدة كل البعد عن القيم الحضارية و الديمقراطية الحقيقية، وهذا ما جعل الّأفراد و المجتمعات تستخدم وسائل عديدة تضغط من خلالها في أحقيتها في المشاركة المدنية و السياسية تحقيقا لمبدأ الشفافية في التنمية، كما حاوت استخدامها في المساءلة المجتمعية أو الضغط على الحكومات لتحقيق المساءلة القانونية، ومن أبرزها تطبيقات إلكترونية (فيس بوك، تويتر، يوتيوب ....الخ) تتميز بخصائص عديدة أهمها الانتشار السريع باستخدامها للأنترنت وكذا وصولها لعدد كبير من المواطنين وحتى خارج حدود الدولة الواحدة. وهو ما كعلها وسلة ضغط كبيرة لفرض تواجد منظمات مجتمع مدني أصبح كلامها مسموع لدى السلطات.

وفي الحقيقة ثبت عبر التاريخ الحرية في الحصول على المعلومات، سواء التاريخية أو الحضرية والحق في التعبير و التعبير الناقد السلمي و التداول المستمر والدراسة القيمة للتراث العلمي والتاريخي والحرية في اعتناق الأفكار وتداولها، فمثلا كان يتم تداول الأشعار المختلفة من مختلف القبائل العربية في (سوق عكاظ) ، وفي بعض الساحات العمومية مثل (ركن الخطباء) يتم تداول المعلومات الموجودة في الكتب، واليوم الحرية في تداول المعلومات في الأنترنت و في وسائل التواصل الاجتماعي، والمعبر عنها حديثا في المادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الانسان ، حيث تتوافق الفضاءات الثلاث (سوق عكاظ، وهارد بارك، والمادة 19) في التماس الأفكار وتلقيها وتناولها بين الآخرين ويظهر في سوق عكاظ هجرة الشعراء لعرض أشعارهم في سوق عكاظ، وهجرة المثقفين وتبادل معلوماتهم في ركن الخطباء ، وهذا ما تضمنه المادة 19. ثم إن تعدد الوسائل في نقل وتبادل المعلومات وتشابهها وارتباطها التاريخي بكل القيم السائدة في كل حقبة، فمثلا سوق عكاظ كان ازدهار الشعر والمعلقات، وفي ركن الخطباء دراسة الكتب و غيرها إلى أن وصلنا اليوم إلى دراسة و تبادل الأفكار في ملتقيات عن بعد باستخدام تطبيقات إلكترونية (تويتر، فيسبوك، يوتيوب ...الخ) و إن صح التعبير هي في الحقيقة نسخ متطورة، من الفضاءات القديم من أهم أوجه التشابه بين الساحات و الميادين المفتوحة ووسائل التواصل الاجتماعي ما يلي:

- الحرية "بدرجات متفاوتة بين الدول" في تبادل المعلومات

- تنوع وتعدد المقاصد للدخول في هذه الساحات و الفضاءات الإلكترونية (فمثلا هناك من غرضه التلقي و الاستمتاع الفكري، وهناك من غرضه النقد و الدراسة، وهناك من غرضه التسويق للأفكار و الأشعار و المعارف و المعلومات وغيرها

- تنوع و تعدد المعلومات و المعارف المتداولة، ففي الساحات كانت تشهر سوق عكاظ أشعار مختلفة باختلاف المدارس الشعرية التابعة إليها تلك الأشعار والمعلقات، و في ساحة ركن الخطباء لا أظن أنه كانت تتدارس فيها كتب بعينها و إنما تتعدد، وكذلك نفس الشيء في وسائل التواصل الاجتماعي هناك العدد من المقاصد المعرفية.

- تعدد وسائل نشر المعرفة ، ففي سوق عكاظ من بين الوسائل هو القاء الشاعر شعره فوق المصطبة و الناس من حوله وهناك المناظرة الشعرية، أما في سوق ركن الخطباء هناك حلقات أين يقوم أحدهم بقراءة الكتاب أو جزء منه و البقية يتلقون، وهناك تدارس للكتب بطريقة جماعية، أما وسائل التواصل الاجتماعي فتتعدد الوسائل " فيس بوك، تويتر، يويتيوب .....) المهم في الحالات الثلاث "سوق عكاظ، ركن الخطباء، وسال التواصل الحديثة) هناك تعدد في الوسائل وبطبيعة الحال حسب السياق التاريخي لكل فضاء. كما يمكن الاستفادة من وسائل التواصل الاجتماعي من خلال ما يلي:

- انجاز محتوى معرفي يشرح بطرق ابداعية مفاهيم المتداولة في مساق من أين لك هذا

- تحويل هذه المحتويات الى نماذج عديدة مثل ب د ف، وورد، بوربونت، فيديوهات، بودكاست، تلخيصات كاليكاتورية ....الخ

- فتح وتنسيق جميع العروض التي يتم وضعها في مختلف التواصل الاجتماعي

- بعدما تشتهر صفحات التواصل الاجتماعي الخاصة بجمعية أو اي منظمة لمجتمع مدني، يمكن أن تقوم باتفاقات تسويقية مع شركات معينة لتمرير ضمن محتوياتها المعرفية منتوجاتها للتسويق له.

2- الفرد والمجموعة في تعزيز الشفافية والمساءلة والمشاركة:

ويتوجب على كل فرد ومجموعة (جمعية، هيئة ...الخ) ضرورة الانخراط مع أشخاص أو / و مؤسسات تُجسد الشفافية والمساءلة والمشاركة من خلال الآليات التالية:

- أن يتحلى كل مواطن إيجابي يشعر أنه جزء من مجتمع له واجبات كما له حقوق، هذا الفرد يجب عليه أن يطلع على مجموعة من المعارف حول هذه المفاهيم.

- يجب على هذا الفرد والذي هو كل شخص في المجتمع أن يعرف عن طريق البحث المداخل التي تؤدي إلى الفساد وعلاقته بالجرائم والقوانين الردعية

- أن لا يكون هذا الفرد ولا يسمح لنفسه وعلى الأفراد المحيطين به من الأقارب والأصدقاء أن ينخرطوا في الفساد، ويحاول أن يدعمهم ليكونوا جزء من الذين يحاربون الفساد ويكشفون الفاسدين

- - أن يعرف هذا الشخص حقه في المشاركة والمساءلة والشفافية بالإطلاع على القوانين المنظمة لذلك.

- أن ينخرط الأفراد في المنظمات والجمعيات وجمعيات الأحياء ويكونون ضمن منظمة تعمل باستمرار لتحقيق المشاركة الفاعلة في المجتمع.

- - أن تناضل هذه الجمعيات لتغيير بعض القوانين لفتح مجال من الحرية أكبر للمساءلة ، وكذا فتح قنوات إضافية لها للمشاركة الإيجابية، والتي بدورهما يؤديان إلى الشفافية.

- أن تقوم هذه الجمعيات ومنظمات المجتمع المدني باستخدام أحدث الوسائل التكنولوجية في كشف المفسدين، لتحقيق الشفافية والمساءلة الأخلاقية القوية والتي تؤدي للمساءلة القانونية.

- ضرورة إيجاد شبكات عديدة بين منظمات المجتمع المدني محليا ووطنيا وعربيا وعالميا للكفاح من أجل تحقيق مشاركة واسعة لمنظمات المجتمع المدني في المجالس المنتخبة والتي بها تتحقق المساءلة التي تؤدي إلى الشفافية والعكس صحيح.

ختاما: إن تعزيز ممارسة شفافة وبمشاركة جميع الأطراف في العمليات التنموية والسياسية والثقافية والاجتماعية، هي مسؤولية الجميع من أفراد ومؤسسات رسمية ومنظمات مجتمع مدني فاعلي وحقيقي، مع ضرورة ضبطها في قوانين مدروسة ومعدة بنهج تشاركي حتى تتحدد المستويات و العلاقات.