معطف واحد ارتداه نيكولاي غوغول واستدفأ به من تلاه. كان معطفا رثا وشاعريا يبعث على الحزن. يصلح في كل الأزمنة والأمكنة، ويناسب جميع مقاسات من ارتدوه. صديقي أنطوان تشيخوف أيضا ممن أعجب بمعطف غوغول لاسيما وهو ابن عمه، لكن تشيخوف كان من الزاهدين؛ زهد حتى في مهنته كطبيب وتفرغ للكتابة رغم لوم اللائمين. ما لا يعرفه البعض عن تشيخوف هو إتقانه لفن الفصالة والخياطة، وهذا سر لم يطلع عليه تشيخوف أحدا غيري؛ لأنني كنت مساعده، أنا من يأخذ المقاسات...

_ عزيزي تشيخوف، هل اطلعت على معطف غوغول؟

_ نعم، وأنا معجب بمعطفه أيما إعجاب.

_ أعلم ما توسوس به نفسك يا عزيزي، إليك ما يلي: لم لا تنتج معطفا مصغرا على غرار معطف غوغول، واجعله صالحا لنا في كل الأزمنة والأمكنة، ولكن لا تزرره من اليمين فقط، بل زرره حتى من الشمال...

_ أيها الداهية، فهمت قصدك، عد بعد يومين وستجده جاهزا لتعطيني رأيك.

كان معطف تشيخوف معلقا في الزاوية، يتمايل مع الرياح الصقيعية العابرة من النافذة. حاولت إغلاق النافذة فنهرني تشيخوف من الغرفة المجاورة المظلمة قائلا:

_ دع عنك النافذة يا هذا فالزائر قادم.

_ عن أي زائر تتحدث يا عزيزي؟

_ الأستاذ، لقد سمع بعملنا الجديد، إنه قادم من قلب العاصمة موسكو، سيعطينا رأيه.

_ أتقصد...؟

_ نعم هو ذاك.

بعد مجيء الأستاذ، وبعد تفحصه للمعطف الجديد بقي يرنو ببصره عبر النافذة ثم قال بعدما أعطاه تشيخوف لفافة حشيش كتامية كنت أخذتها معي دون أن يمنعني أحد في الجمارك:

_ أنظر يا تشيخوف، أتراهم يتخاطفون ذلك المعطف؟

_ نعم أيها الأستاذ.

_ كذلك سيفعل بمعطفك. وهذا الرفيق، قل له بأن يتريث، وعلمه نقطة بنقطة...

_ طيب أيها الأستاذ.

وقبل أن يغادرنا الأستاذ مع النسمات، أمر تشيخوف بأن يسمي معطفه العجيب "وفاة/ موت موظف". وبعدها غادرني تشيخوف كذلك مع الرياح الصقيعية. ولما قمت لأغلق النافذة تفاجأت بتغير حالة معطفي الذي كنت قد اشتريته من قيسارية الحياني بالبيضاء.