أهل الحديث والقرآنيون . - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

أهل الحديث والقرآنيون .

الإسلام التأصيلي والإسلام الحداثي .

  نشر في 12 يوليوز 2016  وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .

تمثلت أهمية هذين المصدرين الذين يعتبران من أهم مصادر التشريع أهمية كبيرة عند الباحثين هذا وإن لم يكن مدار المصادر كلها يصب فيها من أصلها ، فمنذ نشأ تدوين العلم وتقيعده تعارف الناس بعامتهم على أهمية هذين المصدرين فضلا عن خاصة من اشتغل بالعلم وكرس جهوده في تحصيل مادة الحكم من مادة  الأصل . وقد عنيت بهذه المقالة أن أبين مدى أهمية المصدرين من ناحية منطقية مراعيا الموضوعية قدر المستطاع . 

أولا : من هم أهل الحديث : هم مجموعة المختصين الذين اشتغلوا في علم الرواية تنقيحا وسبرا لعلة الوصول إلى الصحيح منها وتميزه عن غيره سندا ومتنا  . ولي هنا أن أبين أن الاشتغال بالرواية لم يكن بصرف النظر عن المصدر الأول ولا لإلغاء مادته فهذا وإن لم يكن تأولا مذموما على أقل اعتبار فهو كفر إنما على سياقه ونسيجه ، بل إن النظرة الفاحصة تبين أهمية الاشتغال بسند الرواية بمجموعها على اعتبار أنها آحاد ونسبية الخطإ في أحدى الروايات لعلة فيها أو شذوذ في أخرى واردة وهذا غير ممكن في المتواتر قطعا ، ولهذا كان الاشتغال بسند الرواية الحديثية أكثر عند أهل الحديث ؛ وذلك لما ذكرت آنفا. 

ثانيا : من هم القرآنيون : هم مجموعة قالوا بمصدرية القرآن فقط دون الالتفات لما هو دونه على اعتبار أنه المادة القطعية الوحيدة في الشرع . والمفارقة هاهنا أن الطرف الآخر أخذ بمصدر دون مصدر بل إنه همش المصدر الآخر تهميشا كاملا ، وثمة مشاكل منطقية هاهنا يأتي ذكرها لاحقا .

ثالثا : التأصيل عند الفريقين وآلية الاستنباط : نجد هنا أهمية كبيرة لموضوع التأصيل إذ بوجوده وجود النظر ومع انعدامه انعدام النظر وهو الشرط أصل أصيل في العلوم ومضاربه  ، إذ لا منطقية في الخوض دون التأصيل في أي علم ، والخوض مع انعدام التأصيل يعني دمار ما خاض فيه وهو واضح لكل عاقل . ومعنى أن أكون مؤصلا أن أكون ذا علم ودراية بكل ما من شأنه أن يعينني على آلية الاستنباط ، ولها أدوات :

أولها : أن يكون عارفا باللغة معرفة تامة ؛ ليستطيع تمييز المفردات وكيفية استعمالها مع ما يوافق أوجه اللغة نحوا وصرفا وبلاغة وعلى اطلاع دقيق باستخدامات العرب للألفاظ والمفردات . 

 ثانيها : أن يكون عارفا في أصول الفقه ؛ ليستطيع البحث عن القواعد الكلية التى تؤدي الى استنباط الاحكام الجزئية . وهنا ثمة أمر أن أصول الفقه تعيين على معرفة كل ما كان في أصله إجماليا من ألفاظ وأحكام وقواعد في أصل الديانة كالعقيدة والتفسير والحديث .

ثالثها : أن يكون عارفا بعلم المصطلح ؛ ليستطيع التمييز بين صحيح الروايات من ضعيفها سندا ومتنا.

ومن خلال اطلاعي وجدت بالنظرة الكلية أن أهل الحديث ما انكبوا على العلم إلا بدافع التخصص والتأصيل بأكثريتهم وهذه الصفة لم يتسم بها القرآنيون مع الأسف ؛ وهو يعود إلى أنهم لم يعتمدوا على أي من التي ذكرت آنفا مما سبب عندهم إشكالية ركيزة في الاستنباط إذ أنهم ومع قلة معرفتهم واطلاعهم على أصول الفقه أودى بهم إلى القول بما لا يُتصور عقلا وهذا في جانب واحد دون الجوانب الأخرى ، وهي موضوع الدلالات أنموذجا فلا يُعرف على سبيل المثال لا الحصر كيف للعام أن ينتقل من كونه عاما إلى الخاص أو الإجمال مثلا كيف له أن يُبيَّن فإن قالوا : أن الإجمال يبقى على إجماله قلنا : لهم أن الله لم يتعبدنا في ما كان أصلا بالإجمال ، وما كان بأصله أمرا لا يصلح أن يكون حيز الاحتكام له إلا مع تبيينه ، وهذه لفتة لا أقل ولست هاهنا بصدد أن أخوض في الرد . وقد أوقعهم هذا في مغالاطات لغوية كثيرة ، ثم إن انتقادهم لعلم المصطلح غير ناشئ عن تمحيص ولا عن دراية وإنما معيار قبول الراوية من عدمها هو العقل المجرد أو توهم تعارضها مع القرآن فناهيك عن أن الصحيح من الروايات لا يصطدم مع القرآن وهم قالوا بوقوعه كيف للعقل المجرد أن يحكم على الحقيقة وثمة مغالطة هنا إذ أن الحقائق لا ينقضها العقل المجرد ؛ لأن مدارك العقول ناشئة عن تجربة في أصلها ، وما يخضع للتجربة لا يصلح بالمنطق أن يكون مناط تشريع أو حكم على الحقائق . 

ثالثا : أدلة القرآنيين لاعتبار القرآن مصدرا وحيدا : قال الله تعالى ( وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ ) قال العلامة ابن عاشور : و كل شيء يفيد العموم ، إلا أنه عموم عرفي في دائرة ما لمثله تجيء الأديان والشرائع : من إصلاح النفوس ، وإكمال الأخلاق ، وتقويم المجتمع المدني ، وتبين الحقوق ، وما تتوقف عليه الدعوة من الاستدلال على الوحدانية ، وصدق الرسول صلى الله عليه وسلم ، وما يأتي من خلال ذلك من الحقائق العلمية والدقائق الكونية ، ووصف أحوال الأمم ، وأسباب فلاحها وخسارها ، والموعظة بآثارها بشواهد التاريخ ، وما يتخلل ذلك من قوانينهم وحضاراتهم وصنائعهم .، ( مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ ) ، ( أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلًا ) والخوض في تفصيلها مع وضوحها مشكلة لكن ثمة أمر وهو أننا لو قلنا أننا احتكمنا لظواهر هذه الآيات ألم يكن من المنطقي أن نحتكم لما سواها من الظواهر ؟ كقوله : (وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ) فإن فسروها على أنه القرآن قلنا : قل هاتوا برهانكم . إذ هذا متعذر بحسب أصولهم وهي لا تدور في فلك فكرهم أصلا . 

رابعا : مصدرية أهل الحديث لاعتبار الحديث مصدرا : قال الله تعالى ( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا ءَامِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْل ) ، (فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ) ، (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ) فهنا أقسم سبحانه بنفسه ، وأكده بالنفي قبله على نفي الإيمان عن العباد ، حتى يحكِّموا رسوله فى كل ما شجر بينهم ، من الدقيق والجليل، ولم يكتف فى إيمانهم بهذا التحكيم بمجرده ، حتى ينتفي عن صدورهم الحرج والضيق عن قضائه وحكمه ، ولم يكتف منهم أيضاً بذلك حتى يسلموا تسليما ، وينقادوا انقيادا . (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا ) ودلالة الآية على حجية السنة من عدة وجوه :

أولاً : النداء بوصف الإيمان فى مستهل الآية : "يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا " ومعنى ذلك أن المؤمنين لا يستحقون أن ينادوا بصفة الإيمان إلا إذا نفذوا ما بعد النداء وهو طاعة الله تعالى ، وطاعة رسول الله ، وأولي الأمر.

ثانياً : تكرار الفعل "أَطِيعُوا " مع الله عز وجل ، ومع رسوله ، وتكرار ذلك فى آيات كثيرة (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا ) وقوله تعالى:(وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَءَاتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ)

يقول الإمام الشاطبى رحمه الله : "تكراره الفعل "وَأَطِيعُوا" يدل على عموم الطاعة بما أتى به مما فى الكتاب، ومما ليس فيه مما هو من سنته".  

وقال العلامة الألوسي: "… وأعاد الفعل : "وَأَطِيعُوا" وإن كان طاعة الرسول مقرونة بطاعة الله عز وجل، اعتناءً بشأنه وقطعاً لتوهم أنه لا يجب امتثال ما ليس فى القرآن، وإيذاناً بأن له استقلالاً بالطاعة لم يثبت لغيره  ، ومن ثم لم يعد فى قوله : " وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ " إيذاناً بأنهم لا استقلال لهم فيها استقلال الرسول ، بل طاعتنا لهم مرتبطة بطاعتهم هم لله ورسوله، فإن هم أطاعوا الله ورسوله فلهم علينا حق السمع والطاعة وإلا فلا ، لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق " . 

ومع كون ما ذكرت عُدَّ من أدلة أهل الحديث على إثبات حجية مصدرهم إلا أنها في ذاتها رد على الفريق الآخر . 

الخلاصة : أننا لابد أن نصير في مساجلتنا إلى كل ما من شأنه أن يكون منطقيا موضوعيا بعيدا عن المهاترات والسفسطة الزائدة التي ليس لها في ميدان العلم والتحقيق والبرهان وجود مطلقا .







  • 2

   نشر في 12 يوليوز 2016  وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا