المرأة العربيّة بين قيود المجتمع و الرّغبة في تحقيق الذّات
المرأة إنسان قبل كلّ شيء
نشر في 08 مارس 2018 وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .
"لكلّ شخص الحقّ في حريّة التّفكير و الضّمير و الدّين"
-المادّة 18 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان-
"لكلّ شخص الحرّية في الرأي و التّعبير، يشمل هذا الحقّ حرّيته في اعتناق الآراء دون مضايقة، و في التماس و تلقّي و نقل المعلومات و الأفكار من خلال أيّ وسيلة و دونما اعتبار للحدود."
-المادّة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان-
إنّ العالم العربيّ متشبّع بالنّفاق و التّناقضات، التي تجعل العقل يقف أمامها مشدوها أحيانا و مشمئزّا أحيانا أخرى. التّابوهات التي فرضتها المجتمعات العربيّة مع تفاوت درجات التّفتّح من بلد لآخر، جعلت من المرأة العربيّة "شمّاعة مصالح" يستعملها السّياسيّ و رجل الدّين و المهرّج و غيرهم كلّ على حَسب أهوائه و أهدافه. تارة يُقال للمرأة "أنت حرّة" ثمّ يُقال لها "أنت حرّة لكن بشروط و قيود و حدود!". صارت حرّية المرأة العربيّة إذن تكمن فيما يراه الرّجل مناسبا لاسمه وصورته و سمعته. و صارت المرأة العربيّة (خاصّة المثقّفة) في نظر من حولها قنبلة موقوتة يجب تفكيكها قبل أن تَنفجر و تُفجِّر الأفكار البالية و المهترئة التي لطالما منعتها من إثبات وجودها الفكريّ و الإنسانيّ أيضا.
كلّ عام في مثل هذا اليوم (الثّامن من شهر مارس)، تُقام الأعراس و الاحتفالات في بلداننا العربيّة على شرف النّساء. ما الذي يعنيه ذلك؟ فلننظر عن قرب إلى باقي أيّام السّنة و لنستعمل عدسة مجهريّة، لكي لا يفوتنا أيّ تفصيل واقعيّ من الحياة اليوميّة لفتاة لم تتجاوز العاشرة مثلا. سيُطلب منها أن تخفي جسدها داخل شرنقة من القماش لأنّها سوف تُشعل غرائز الرّجال الحيوانيّة في الشّارع (هذا إن أُذِن لها بالخروج) إن لم "تستر" نفسها (هذا لا يعني إطلاقا أنّني ضدّ المحجّبات، بالعكس أنا أحترم كثيرا الحجاب و المحجّبات و أساندهنّ للدّفاع عن حقّهنّ في ارتداء الحجاب). لكن لحظة فقط، أيّ مريض هذا الذي يُستثار لرُؤية جسد فتاة في عمر الزّهور لم تتكوّن معالم أنوثتها بعد؟ سيُطلب منها كذلك أن تخدم أخاها في صمت، وأن تخرس حين يتكلّم الرّجال... ستُبرمج على السّعي وراء أهدافها التي تتلخّص في الزّواج و الإنجاب و جلي الصّحون. ستُضرَبُ، ستُهان و سيُنْظر إليها كخطيئة لا مفرّ منها. أصبحت المرأة تخجل من أنوثتها بل و تمقُتُها. صارت تكتُم صوتها و تقاوم الرّغبة في التّفكير و تكوين رأي خاصّ بها. وجدت المرأة العربيّة نفسها مجبرة على اعتناق أفكار "الجماعة" حتّى لا تُطرد منها و أحيانا حتّى لا تُقتل! لمَ الاحتفال بالمرأة إذاً و التّغني بحقوقها المزعومة التي فُصِّلتْ على مقاس الرّجل! في هذا اليوم إذن يُسمع صوتها، لكن أيُّ صوت؟
الطّريق إلى حرّية التّعبير لا يبدأ إلّا ببلوغ حريّة الفكر. إنّ لكلّ فرد الحقّ في تكوين آرائه، أفكاره و معتقداته بعيدا عن التّضييق و التّهميش... هذا ممكن لدى العرب لكن فقط إن كان المفكّر أو الكاتب أو الصّحفي (المتحدّث بصفة عامّة) من جنس الرّجال! أمّا المرأة فعليها أن تفرض على نفسها رقابة ذاتيّة قبل أن تتعرّض لكلّ أنواع الشّتائم و النّقد الهدّام (من طرف الرّجال و حتّى النّساء للأسف). لِمَ الاحتفال بعِيد ليس سوى مُخدِّر يمنح البعض إحساسا مزيّفا بالرّضى عن النّفس؟ أم أنّه فقط محاولة للظّهور أمام الغرب بمظهر جميل؟ عندما تصبح المرأة العربيّة قادرة على البوح بما تحسّ و تفكّر به دون أن تكون عرضة للشّبهات و دون أن تتكالب عليها الألسنة البذيئة. عندما يصبح أهمّ طموح للمرأة هو أن تغدو إنسانة أفضل وتُدْعم لملاحقة أحلامها ونيل طموحاتها. وقتها فقط نستطيع الاحتفال دون توقّف! فهي قادرة على الخلق و الإبداع للخروج إلى العالم بأشياء جميلة جدّا في جوهرها قبل ظاهرها، إن هي مُنحت فرصتها (بل إن افتكّتها من بين أنياب الذّئب).
في الأخير، المساواة بين الرّجل و المرأة لا تعني أن تتجرّد المرأة من أنوثتها و أن تُزاحم الرّجل لتصير أكثر فحولة منه! أتحدّث هنا عن المساواة في فرص نيل الحرّية، حريّة الفكر و التّعبير، حرّية المعتقدات و حرّية تكوين الذّات و التّفرّد. المرأة و الرّجل قطعتان ضروريّتان بحاجة للالتقاء كي تكتمل الأحجية. لا يجب على أحدهما أن ينظر إلى الآخر باستعلاء و ازدراء، بل عليهما إظهار الاحترام حتى في لحظة الخلاف، فقبل أن يكونا امرأة و رجلا هما في الأصل إنسان.
-
أسماء بوزيدطالبة في قسم اللّغات، أدب و حضارات أجنبيّة (تخصّص لغة انجليزيّة)و مشروع كاتبة.
التعليقات
وحين نحفر بحثا عن اسباب هذه التناقضات نجد سببها الرئيس في تلك الجبة من التقديس، التي تلبسها التربية والتنشئة و الثقافة بشكل عام الى جسد المذكر ، فتجعل منه شكلا وصوتا ومرجعا احاديا له سلطة مطلقة في وضع الاحكام والقوانين بل وتأويلها لصالح بني جنسه ، دون ان ينتبه الى حقيقة واضحة بقوة الطبيعة والخلق وهي ان المرأة جزء وشريك مهم دونه يستحيل ايجاد اوتحقيق وتدبير الوجود البشري .
وهذه النظرة من التهميش لاحظتها وأنا أتأمل بعض الاستعمالات البلاغية في اللغة العربية مثلا في باب الكناية يقول العرب ( فلان رجل كثير الرماد ) اي انه مضياف وكريم، فيستعملون مجموعة من الوسائط للدلالة على هذا المعنى : اي ان رماده صار كثيرا ، بسب احراق الحطب ،واحراق الحطب بسبب كثرة الطبيخ وكثرة الطبيخ دال على كثرة الزوار مما يعني ان صاحب البيت رجل كريم .
والمستفاد من المثال كون الثقافة الذكورية هي المتحكمة في صياغة التصورات وبناء القيم ونسبتها الى من تراهم اجدر بها. وهكذا نلاحظ انه قد تم نسبة فعل الكرم الى الرجل دون ان يذكر من قام باعباء الفعل وتفاصيله ، أي العنصر النسوي الذي كان وراء تجهيز المطبخ واعداد الطعام وطبخه والسهر على تقديمه ..فهذا التركيب قد اقصى آليات أساسية وركز على النتيجه ،بل تم اسناذها الى عير فاعلها الحقيقي. والملاحظة نفسها اذا وقفنا عند بعض الامثلة التوضيحية التي يقدمها النحاة لدراسة او تبيان بعض الظواهر النحوية ، حيث نجدهم يستشهدون ويسمون اسماء ذكورية مثل ( زيد او عمرو ) ممايؤكد حضور صيغة المذكر بقوة دون المؤنث في مثل هذه التداولات .
وقد اتيت بكثل هذه النماذج من اللغة التي تعكس بصورة تقريبية البنية الثقافية لمجتمعنا العربي الذي يقدس المذكر ويقصي - بقصد او بغير قصدي - حضور الانثى .
استسمح استاذتنا الفاضلة عن الاطالة، وارجو لك التوفيق ، كما اني جد معجب بما تطرحه شجرتك من ثمار يانعة ناضجة ،تسر النظر وتشبع الفكر ، ودام قلمك قويا ونديا ونقيا .
امضاء محمد خلوقي من المغرب
لم يعد المجتمع العربي يرى المرأة ألى عبدة لزوجها، فليس لها رأي ولا شخصية وكأنها ليست موجودة
وحين تعنف المرأة من قبل الزوج تكتم الأمر لأن الذب سيكون ذنبها والرجل سيهرب بفعلته ولن يعاقبه أحد
أحسنتي في طريقة تعبيرك عن ألموضوع✓
صدقتى
النابغة الفذة اسماء تحية طيبة
كنية التعريف باسمك عزيزتي تقول أنك في مسار مشروع كاتبة ..رائعة أنت في ان تسني الكتابة مشروع و أنت الآن طالبة في قسم اللغات ..متاز التنوع اللفظي لديك سيكون سلاحا قويا لك في مستقبل الكتابة لأنك ستكتبين بأكثر من لغة و الأساس ربما في اللغة العربية و الانجليزية..هنيئا مشروعك يا بطلة بل يا جريئة.
قولك عزيزتي :
الطّريق إلى حرّية التّعبير لا يبدأ إلّا ببلوغ حريّة الفكر.
هذا خطأ ، الطريق الى حرية التعبير لا يبدأ الا بالتجهيز الكامل له بداء بحرية مساحة للكلام و التفاعل بغير قيود و التي قد تتنوع ما بين قيود مرئية و قيود خفية ، المرئية كتواجد أشخاص يمنعون تلك الحرية باسم القوانين لقهرها و الخفية بمحاولات احباط مشروع التعبير سواء باللاعلام الكاذب أو بتلفيق التهم او بأقل شيء حسد ينقل شحنات سالبة لصاحب فكرة التعبير..
غاليتي /
من يريد التعبير عن حق أو فكرة في الأساس لا يوجد ما ذكرت من بلوغ حرية الفكر ، انت في سنك بلغت حرية الفكر حينما سننت مشروع كاتبة..اذا أنت بلغت مستوى ناضج من الفكر ، الفكر لا يقيده أحد و انما تعرقله أفكار الآخرين او منافسة مجهولة المعالم ، فالفكر حر مادام العبد و العقل حرين في معمورة الكرة الأرضية و تلف حريتها بنسمات الريح الرحيمة المرسلة تقديرا لصاحب الفكر النظيف و الراقي و أعدك كذلك
تقديري لك عزيزتي...استمري في تكملة مشروع ، كاتبة.
للأسف صارت الأعياد على إختلافها : عيد الأم و المرأة و الأعياد الوطنية و الدينية مجرد مسكنات نحتفل بها حتى نخدع أنفسنا و نشعر أنفسنا أننا قد فعلنا ما يتوجب علينا تجاه هذه الأمور .
و بالنسبة لعيد المرأة , فقد صار الأمر سخيفا , نجد نفس الكلام يعاد كل مرة , البعض يهاجم المرأة و يقلل من شأنها و البعض على النقيض يدعو المرأة للإسترجال و الإنحلال و التخلص من أنوثتها .. و كلا الأمرين يضر بالمرأة .
بداية موفقة , في إنتظار كتاباتك القادمة .