توقعات المتوقع وغير المتوقع

""""""""""""""""""""""""""

هيام فؤاد ضمرة

""""""""""""""

لم تكن التوقعات الدولية تضع ولي العهد السعودي موضع الشكوك، فقد كان يُنظر إليه كشخصية إصلاحية مطلوب وجودها في هذا الوقت بالذات بصفة خاصة، ويتوقع لها أن تقفز بالمملكة قفزة حضارية غير مسبوقة، بمعنى أنه سيكون رسول التغيير في المملكة العربية السعودية والدول المجاورة فقد راهن عليه المراهنون كونه أول شاب من آل سعود يصل موقع السلطة الأولى في تاريخ المملكة وتاريخ أسرة آل سعود بصفة خاصة، وكان يتبادر إلى ذهن الجميع أن المملكة السعودية مقبلة على مرحلة انتعاش اقتصادي واجتماعي غير مسبوقان.

ومع فوضى الأحداث التي تجارأ ولي العهد على ارتكابها في الآونة الأخيرة، قلبت ميزان التوقعات لتتدنى قيمتها إلى ما دون كل ما يمكن وما لا يمكن أن يخاطب العقل، فحين يكتب المحللون عن شخصيته غالبا ما يحتاجون لتحليلها علميا ونفسيا بصورة عميقة حتى يتوصلوا إلى تلك التداخلات العميقة في شخصيته، ودراسة تطور مراحل حياته لمعرفة ذلك الذي يمور في داخله ككيان إنساني وكشخصية قائدة تمسك بزمام السلطة، في رغبة صارمة لمعرفة رؤيته دون ارتجاز، وكشف أحاسيسه وجملة مشاعره دون انحياز.

فالأمير الشاب الذي دارت حولة الحكايا من كل غريب ناشز بات محور اهتمام العالم، وبات يشكل هاجس العنف الحقيقي الذي أهال برج التوقعات بين ليلة وضحاها، فانكفأت الدول وقياداتها تتعامل معه بحذر شديد يصل للنبذ السياسي كرغبة واضحة للإقصاء، إنما ليس بالطريقة العنيفة التي تحيل المواقف إلى الرؤية الصادمة، فكونه ولي عهد دولة عربية مهمة في الميزان الاقتصادي العالمي فالخطوات تتخذ على حذر شديد من أجل استيفاء كافة التفصيلات المعرفية والقانونية، متكئين على ما تظهرة التحقيقات النهائية وما تكشف عنه تركيا من أوجه الحقيقة المتدارية خلف انكارات السعودية، من تلك التي حتى هذه اللحظة تتأبى أن تكشفها على الملأ بغية التروي لضمان تسجيل بعض الانتصارات السياسية التي كانت عالقة في المراحل السابقة، خاصة أن تركيا تعرضت للأذى الاقتصادي في الآونة الأخيرة واهتزاز مركز العملة التركية عالمياً، وكانت الأصابع تشير لهذه الشخصية الشابة بالذات دون تردد، وبظهرها حلفاء مهمين يسندون أزرها.

وهناك بون شاسع بين الأهداف المعلنة وغير المعلنة لجولة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان إلى عدد من الدول العربية قبل توجهه نحو الأرجنتين لحضور جلسات قمة العشرين، لتثير الكثير من ردود الأفعال الجماهيرية وتتزايد حدة الصوت الجماهيري المعبر عن كراهية هذا الرجل ورفضه بالكلية، وهو الذي يتحامى بمركزه السياسي معتقداً أن كونه ولياً للعهد لملك دولة لها ثقلها الاقتصادي والديني بين دول العرب، فهو دون المحاسبة ودون المنال، فالشارع العربي كان جاداً وواضحاً وحراً بالتعبير، فحين تسكن الإنسان حريته يصبح قادرا على التعبير عما في داخله ومواجهة الموقف بقوة وحزم.. فهل يغفر ولي العهد للشعب التونسي كراهيته له ويتجاهلها أم سيتحرك شيطانه ليمارس ضدهم عملا يخنقهم

الابتسامة الغريبة التي بدا الأمير يفتعلها خلال التقاط الصور مع السبسي لم تكن لتخفي ذلك الغليان الذي يمور داخله، وربما بقرارة نفسه يتوعد هذا البلد بانتقام في قادم الإيام.

أعتقد أن ولي العهد السعودي قام بكل الاجراءات اللازمة لحمايته من أي مكيدة قبل أن يستقل الطائرة في طريقه إلى خارج حدود دولته، فالأمر لن يقوم فقط على اعتماده كلية على الشجاعة بالذهاب إلى الأرجنتين لحضور قمة العشرين، ولا بد أنه جرت محادثات مسبقة مع كل الأطراف، وأخذ تعهدات مسبقة منعاً من تعرضه لأي أذى من قبل أي من الجهات الأمنية الدولية، وعلى سبيل الحيطة رفض ولي العهد النزول في الجناح المخصص له في الفندق، واختار الإقامة داخل سفارة السعودية تحسباً لأي طارئ مفاجئ غير محسوب النتائج، ومن المحتمل أن هناك طائرة خاصة مجهزة تظل مستعدة بطاقمها وإعداداتها على أهبة الاستعداد لأي طارئ، فالأمور لا تحتمل المفاجآت، علما أن ولي العهد السعودي وفريقه حضروا على متن ستة من الطائرات فيما أقرانه من الدول الأخرى حضروا مع فريقهم كل واحد بطائرة واحدة، فما حاجة ولي العهد السعودي لهذا العدد من الطائرات، وما الذي تحمله هذه الطائرات الستة.

ومن أجل ضمان الأمن في مرحلة المؤتمر فقد قدمت الصين معدات أمنية دراجات سريعة وشاحنات مصممة لإقامة عوائق ضد أعمال الشغب وآليات مدرعة وأجهزة لكشف المتفجرات

وجاءت الأخبار تتحدث أن ليس هناك بالبرنامج أي نية لإجراء محادثات جانبية للأمير مع أي مسؤول غربي إلا في ضوء الضرورة كون السعودية عضو رئيسي في قمة العشرين، فيما الرئيس الأمريكي ترامب فقد أعلن مسبقا عن طريق مستشار الأمن القومي جون بولتون، أن لا نية لديه للاجتماع بولي العهد السعودي لأن جدول برنامجه حافل بالمقابلات وممتلئ تماما، لكن قد تغير الظروف موقفه هذا خاصة أن طبيعة ترامب المترددة غالباً ما تغير المواقف.

وكانت منظمة هيومن رايتس ووتش قد طالبت دولة الأرجنتين قبل وصول الأمير إلى بيونس آيرس باستغلال بند في دستورها متعلق بجرائم الحرب للتحقيق في دور ولي العهد في جرائم محتملة ضد الانسانية في حرب اليمن وفي مقتل جمال خاشقجي، من خلال تقديم مذكرة إلى المدعي العام الفيدرالي الأرجنتيني تطلب من القاضي البدء في جمع الأدلة من المصادر السعودية واليمنية والتركية لإصدار رأي حول وضعه القانوني والدبلوماسي، مما حدا بالرئيس الأرجنتيني ماكري الاعلان عن نية طرح هذه القضايا للنقاش على طاولة اجتماعات القمة.

علما أن الرئيس الروسي بوتين أكثر ديناميكية بالتعامل مع الأمور الساخنة فقد أعلن عن نيته لقاء ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في بيونس آيرس متحللا عن التحفظات الأخرى.. أما الرئيس التركي أردوغان فهو لا يرى عائقاً دون اجتماعه مع ولي العهد السعودي لإطلاعة عم ما تفكر به تركيا تجاه المواقف الحساسة حول مقتل خاشقجي.. أما رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي فإنها تنوي أن تكون حازمة في أسلوب الحديث عن وجهة النظر البريطانية حول قضيتي حرب اليمن وخاشقجي مع ولي العهد السعودي وضرورة النزاهة بالتعامل معهما.

هذا يجعلنا نتوقف عند هذه النقطة ونتساءل عن سلبية المواقف في التعامل الدولي مع رئيس وزراء اسرائيل الذي ارتكب من خلال قواته العسكرية النظامية كل الموبقات والقتل الممنهج ضد المدنيين الفلسطينيين العزل، بل واستخدمت قواته أعتى الأسلحة المحرمة مع شعب القطاع الأعزل ومحاصرته بصورة غير انسانية منذ ما يقرب على تسع سنوات ضاربة بكل معاني الانسانية عرض الحائط، فيما العالم الغربي والإنساني يدير لهذا الأمر الظهر غير عابئ بقوانينه الدولية الانسانية وجرائم هذا المأفون المتعدي.