بدءا نبارك لجزائرنا و لشعبها و لرئيسها و لجيشها و لزرعها و لسمائها و لهوائها و حتى لأزهار الأمل و هي تنفتح على اشراقة جمهورية جديدة لبلدنا ، نشكر كل من ساهم في إنجاح هذا الحدث الذي كان بمثابة الصفعة للعدو المترصد بجزائرنا الغالية ، فتحية تقدير و اجلال للطبيب و للفلاح و للماكثة في البيت و للمهندسة و للكل على تمثيلهم لبلدهم أحسن تمثيل في الثاني عشر من ديسمبر عام 2019، تجليات الاشراقة في بلدنا توحي لنا بميلاد جديد رغم بعض المشاكل و بعض الأبواق التي لا زالت تصدح عاليا علنا نسمع صوتها الواهن ، لكن عجبا لصوت لا يتعب من فكر هش و لا يمل من نزاع فارغ الأهداف ، تحية اجلال لبلدي و بعد :
ان مفهوم سنة التدافع لنا كمسلمين بالدرجة الأولى و كمحبين و متمسكين بهوية وطن مع من يريد عكس ذلك لهي سنة متواترة و مستمرة ما استمرت الحياة و دب النمل على أرض النشاط و العناد يجتبي قدسية رغبته في العيش بكرامة ، هي عبرة ليست الا في وطن يرتدي أحلى زيه في انتصار للعزيمة ، و ما توسيع دائرة الصراع الثقافي و الحضاري (الصراع السلمي) ما هو الا استعداد فكري لبلوغ المرام بشرعية دستورية و قانونية بعيدا عن مستوى لا يليق بكرامة بلد أو جنس جزائري أراد الغير تقليده فلم يفلح ، و في ذلك يقول الفيلسوف "وايتهد" :"ان صراع العقائد و المذاهب ليس كارثة ، بل فرصة " ، فالذين يتحدثون عن التغيير في الجزائر ينظرون الى أنه برنامج يطبق و كفى ، و نسوا أن هناك آليات و مستلزمات لابد من توافرها لإنجاح العملية ، فمثلا في قطاع الصحة كمثال هام لنا نحن الجزائريين الذين يتطلعون لذلك الغد الذين كان منتظرا بالأمس و على كل ميدان فيها شابه خلل أو ثغرات أو فساد او تسويف أو ظلم
أو خرق للقوانين ، قطاع عانى الكثير و الكثير و اليوم نادى أبنائه بضرورة التغيير فيه
بوجهة جديدة و بخلفية وطنية صريحة أن لا شيء يكون الا لأجل الجزائر و لأجل المريض و خدمة وطن ، و من هنا تنبثق أسئلتي الصريحة :
كيف نعيد للموظف في قطاع الصحة فاعليته و ثقته التي اهتزت في زمن ما بسبب الفساد الذي نخر القطاع في مفاصله ؟ ، و كيف نرتفع بسلوكه و عقليته ليكون شخصا فعالا ، صاحب عطاء و انتاج أكثر ماديا و معنويا ؟. و هل نستطيع فعلا تعديل مسار حياة الموظف المهنية التي اخترقتها تجاوزات و مظالم و انتهاك للقوانين و للحقوق ، و ما هي العوائق التي تضعفها و ماهي الآليات التي تقويها ؟.
قد يكون الموظف ذكيا أو صاحب شهادات علمية رفيعة و لكنه محروم من الفاعلية ، لأن الثقافة المهنية المحيطة به رديئة و لا تشجع على الابداع ،و هنا يجب التخلص من الآثار السلبية المستمدة من هذه البيئة الغير محفزة ، و هناك من البيئات العملية من تتغلغلت فيها صفات الأنانية و حب التمركز و التخندق في مواقع صنع القرار بانفرادية ، بالإضافة الى أمراض القلوب من حسد و غيرة و تمني لزوال النعمة ، و هو ما يصيب الموظف في قطاع الصحة بالعطالة الفكرية و العملية .
و هناك بيئات عملية في المستشفيات أو في وزارة الصحة و السكان و اصلاح المستشفيات تحمل أفكار تساعد على الركود ،كمن يحمل في عقله أفكارا يريد تجسيدها في أرض الواقع و لكنه يصطدم بعراقيل و مشاكل لا تجعله يتقدم خطوة نحو الأمام فتجعل منه موظفا سلبيا لا يقدم خدمة يثمن عليها و هو من كان مجتهدا
و صارما ، هنا نلمح لعدم توافق بين الجهد العملي الكامن في شخصية الموظف النزيه و الكفء و بين البيئة المهنية التي لا تمتلك على مقومات التحفيز و التشجيع.
نحن لا نريد من التاريخ في قطاع الصحة أن يكون شاهدا على ضعفنا و لا على تأخرنا عن آداء واجبنا و انما نحن ملزمون اليوم بتصحيح أخطاءنا مهما كثرت و تنوعت و مهما طال عليها الزمن ، لأنه لن يصلح حال امرأ ظالم مهما على في المراتب و قد أبكى نزيها أو حرم حقا لشريف أو منع علاجا على مريض بغير وجه حق ،لا نريد من قطاع الصحة أن يحفظ في الأرشيف خيبات امل منعت من الإنجاز و لا أحداث ماضية منعت المتفوقين من نيل حقوقهم ، كما أننا لا نريد من قطاع الصحة أن يبقى في نظر الجميع حبيس فكرة الرداءة أنه القطاع الأكثر هشاشة و الأصعب في التسيير ، كما لا نريد من التاريخ بصفة عامة أن يكون شاهدا على من أزاح ظلما كفؤا و أخذ مكانه تباهيا بالمنصب و ترقيا نحو رفعة مجهولة المعالم ،لأن رهانات اليوم و بعد الاستحقاقات الرئاسية هي غير رهانات الأمس ، و من كان يتمتع بالظلم و الفساد بالأمس لن تتاح له فرص للاستمرار في نفس الطريق ، الاستحقاقات الرئاسية هي بمثابة نقلة نوعية من فترة الى فترة و من أحداث الى أحداث ، ما لا يريد أن يفهمه الكثير من المسيرين اليوم أن الجزائر دخلت مرحلة جديدة لا تقبل التسويف و لا خرق للقوانين ، هي مرحلة الكفاءة و النجاعة و الصرامة و الاستقامة الأخلاقية ، هذه الاستقامة التي ستقف بالمرصاد لكل من تسول له نفسه طرد مريض جاء للتداوي بغير وجه حق ، هذه الاستقامة هي من ستضع حدا لكل التجاوزات مهما اختلفت و تنوعت أشكالها لأن الاحتكام للقانون سيكون بمثابة المظلة التي تحمى بها الحقوق ولن يتطاول مسؤول
على موظف بسيط بأكتاف عريضة كانت بالأمس تأكل من المال الفاسد و تلعب بمصائر الغلابى ، و تتفاخر بالمحسوبية و استغلال المنصب للإضرار بالغير .
ان الفاعلية التي تشترط على الموظف اليوم في قطاع الصحة هي أن يكون مشاركا في النقلة النوعية في قطاع الصحة ، ليس بالتباهي بالمنصب أو بالكلام و انما بالآداء و هذا الآداء أو الإنجاز تتكلم عنه مشاريع و أرقام ، الكلام من فراغ لن يدافع على صاحبه و الحجة بغير دليل لن تخلص مسؤولا ظالما من ظلمه ، لأن العدالة الاجتماعية ستأخذ حيزها من التطبيق في الميدان في المرحلة الجديدة التي تريد منح الفرص للشباب الكفؤ.
فالفاعلية اذن هي تحديد الوجهة و الهدف ، و الفهم الصحيح للموقع الذي يتموقع فيه الموظف في قطاع الصحة ،و من يأتي بهذه الفاعلية هي المبادئ الأخلاقية التي تربى عليها الموظف و ليس مكتسبات المنصب أو الترقية ، لأن ذلك يعتبر إضافة في رصيده المهني أما الأخلاقي فلا ينميه الا سلوكه المعتدل نحو بلده و نحو زملائه و نحو ربه بالدرجة الأولى ، فالقاعدة التي تقول "أنا مشغول اذا أنا فعال " ليست صحيحة ، لأن الانشغال قد يكون أحيانا بأمور تافهة او ثانوية و الاتقان في العمل ليس معناه الانشغال طول الوقت ، لأن الفاعلية و الجاهزية القصوى تختزل الوقت و تعطي ثمرة العمل في مدة زمنية قصيرة اذا كان الإخلاص هو عملة العمل و ليس التسويف .
فحتى من يتقلدون المناصب بغير كفاءة أو جهد لا يعتبرون ذو فاعلية أو جاهزية انما هو اختزال للظفر بالمنصب مهما قدرت التكاليف حتى لو كان على حساب الغير .
اذا ، المرحلة الجديدة كما ذكرت سابقا تتطلب تصحيح الأخطاء و الأفكار ، لأن ما مر في الماضي بسهولة لن يمر مستقبلا بغير تمحيص و تدقيق في الآداء ، و أفضل النتائج
المرجوة انما تأتي من الارتكاز على المبادئ التي من صفاتها الثبات و الاستمرار، فكثيرون من يستهزؤون بأصحاب المبادئ أنهم متخلفون أو أنهم ضائعون ، لكنها في حقيقتها عملة لا تتغير و لا تتبدل بتغير الظروف و الأشخاص فهي تستمر كالمنارة التي تهتدي من خلالها السفن و تجنبها الارتطام بالصخور ، و هي الوتد الذي تدور حوله الرحى ، الثبات على المبادئ يمنحنا الأمن و اليقين الذين نحتاجهما في عملية الفاعلية والجاهزية في المرحلة الجديدة من أجل جزائر جديدة لن تقبل منا الا ما كان متجددا وثابتا في نفس الوقت .
اذن ، الفاعلية المطلوبة في قطاع الصحة هي ضرورة احترام القانون و التحلي بالاستقامة الأخلاقية ووضع الموظف الكفؤ في المكان المناسب و مكافحة الرداءة بكل أوجهها و تشجيع الكفاءات التي تساهم بعلمها في الإنجاز ، هذا باختصار شديد متطلبات المرحلة الجديدة في قطاع الصحة الجزائري .
-
د.سميرة بيطاممفكرة و باحثة في القضايا الإجتماعية