شهادات الكتاب
•••
دور الذات في قصة ( ملمح !!) لـ حسن غريب أحمد
بقلم الناقد الجزائري : السعيد موفقي
في الواقع كنت أرغب أن أمر بتوقيع لمسار القصة (ملمح !!)موقعالقصة العربية ، غير أنّي اكتشفت ملامح قوية في عرض العقدة التي اقتضت من القاص اعتصار الأحداث بشكل ذكي صبّ فيها صورا مختلفة لمشكلة إنسانية امتزجت بمواقف نفسية عسيرة ، و تلك هي القضية التي بدأ بها القاص و أنهى بها المشكلة ، و لم تكن مجرد عرض ، إنما البحث عن تلك الحقيقة غابت في صراع أخفى البطل أهم أجزائها و تركها بينه و بين نفسه ، ((برز وجهه من وراء النافذة الحديدية .. عاود البزوغ مرة أخرى .. نادى على زوجته .. بأعلى صوته : " نصرة "
.. أين أنت؟ ) في هذه اللحظة تراكمت أمامه كل الأجزاء و أوشكت على الانفلات ، تدفق لم يستطع البطل الحد من هيجانه ، و لم يكتف بالتأمل ، تشتت قواه و توزعت فيفوضى بين حصار داخلي شده إلى آلام دفينة بعثتها آهات الاستغراق الزمني وتألب المواجع التي احتدمت بحاضر أليم تعارضت فيه مواجع مختلفة ، تركت في داخله صدى اخترق مكوناته و هزّ كيانه بقوة ، ((دوى إسم نصرة فى كل الأرجاء المتعفنه من المكان .. سمعه الكبار والصغار .. قال كيف حال الأولاد؟))
كانت صرخة غير متوقع و استطاع أن يقتلع من داخل نفسه كل المواجع التي رسبتها محن قديمة و تراكمت ذكرياتها بمختلف الألوان ، لم يكن مجرد سؤال ، هي صدمة عنيفة كشفت عن أسرار ظلت غائبة …و استمرار الأسئلة كان من قبيل عدم الاكتفاء بالإشباع الذاتي و اختلال التوازن الداخلي الذي اهتز لأسباب مفاجئة …و لم يكن الردّ سريعا ((ردت نصرة بخير وكيف حالك أنت ، رد بخير ، خرجت الكلمة من بين شفتيه متقطعة مذبوحة ممـــــــدودة ـــ لها معانى جمة .. نصرة هذه الأيام سوف تمر ..))
كل الرموز التي اختارها الكاتب كانت حاضرة بقوة بدءا بالعنوان : ملمح / من وراء/ الحديدية / دوى / المتعفنة / متقطعة / مذبوحة / …..يجمع هذه الرموز الاختباء ، الاختفاء ، كل ما هو سري ، الضباب…و غيرها مما يعكس التنافر و التعارض بين الأشياء ، إن في الألوان أو الأصوات …و حتى في الأشكال : النافذة / الحديد / المكان المجهول / ، أما الاستغراق الزمني فالعملية واضحة منذ البدء إذ أراد الكاتب الوصول إلى نهاية مقنعة و قول البطل : (( المهم حافظى على نفسك ..))
هذه طريقة للبحث عن التوازن أو الاعتدال المفقود و لم يكن التحرر كسر القيود بقدر ما يعني التنفس من الداخل و التحرر في العمق …كلها صور لتاوز عقبات موهومة مسيطرة على الذات ، متجذرة في مكوناتها (( يختفى مرة أخرى خلف الشباك الحديدى وهو يحلم بالحرية .. يبرز من هناك ضوء مصباح خافت للزنزانة .. يصيح حارس السجن بأعلى صوته : لقد أقبل الليل .. كل المسجونين يذهبوا للعنبر الخلفى .. الزيارة إنتهت *)) كانت نهاية ، صوتية مدوية ، انغلاق كثيف في حدود الصدمة / السجن الزنزانة / الحراسة / الشباك / الليل…تلميحات حية عاتمة ….
في الأخير تمكن الكاتب من طرح فكرته بذكاء و مج الأصوات من أجل تعايش الاهتزازات ليتحقق الاستقرار من الداخل قبل لخارج.
بالتوفيق للكاتب.
قراءة أخرى لقصة (وجه آخر للبؤس) للأستاذ حسن غريب
بقلم / السعيد موفقي
كاتب وناقد وروائي جزائري
-
حسن غريبعضو اتحاد كتاب مصر عضو نادي القصة بالقاهرة عضو أتيليه القاهرة للفنانين والكتاب عضو نادي القلم الدولي