بقلم أ.ابريك سليمان المهشهش

يُمكن تعريف صراع المصالح بأنه "كل تصرف أو موقف يحقق مصلحة مادية أو معنوية لهيئة ما - أو من يمثلها رسميا- بأي شكل من الأشكال، ويكون متعارضا مع أداء واجباتها أو واجبات ممثلها الرسمية"(1).

وإذا ما نظرنا إلى الفساد كمصطلح فنجد أنه ليس هناك تعريف محدد له بالمعنى الذي يستخدم فيه هذا المصطلح اليوم، لكن هناك اتجاهات مختلفة تتفق في كون الفساد هو إساءة استعمال السلطة العامة أو الوظيفة العامة للكسب الخاص. ويحدث الفساد عادة عندما يقوم موظف بقبول أو طلب ابتزاز (رشوة) لتسهيل عقد أو إجراء طرح لمناقصة عامة. كما يمكن للفساد إن يحدث عن طريق استغلال الوظيفة العامة من دون اللجوء إلى الرشوة وذلك بتعيين الأقارب ضمن منطق (المحسوبية والمنسوبية) أو سرقة أموال الدولة مباشرةً.

إن ظاهرة الفساد الإداري ظاهرة طبيعية في المجتمعات الرأسمالية حيث تختلف درجات هذا الفساد إلى اختلاف تطور مؤسسات الدولة. إما في بلدان العالم الثالث فإن الفساد متمثل في مؤسسات الدولة وتدني مستويات الرفاة الاجتماعي تصل إلى أقصى مدى لها، وهذا ناتج عن درجة التخلف وازدياد معدلات البطالة. فالفساد قد ينتشر في البنى التحتية في الدولة والمجتمع، وفي هذه الحالة يتسع وينتشر في الجهاز الوظيفي ونمط العلاقات المجتمعية فيبطيء من حركة تطور المجتمع ويقيد حوافز التقدم الاقتصادي( 2). 

____________

1 عادل عامر (2016) ع (62)، عضو لجنة مكافحة الفساد بالمجلس الأعلى لحقوق الإنسان.

2 ياسر خالد بركات (2006) العدد 80 ذي الحجة 1426 كانون الثاني صحيفة النبأ شهرية ثقافية عامة، العراق.

إساءة استعمال السلطة والنفوذ

إساءة استعمال السلطة ليست أمرا حديثاً بل إنها موجودة في كل عصر من العصور، إذ أن هذه الجريمة مرتبطة مع وجود السلطة نفسها، وإذا كانت السلطة لها حدود ثابتة فإن تجاوز هذه الحدود يعني إساءة استعمالها، وبالتالي انحرافها عن الهدف، ولهذا أوجبت التشريعات والأنظمة ضرورة الالتزام بالحدود الواجبة والمقررة لكل سلطة(3)

وفي الدولة الليبية فقد أوليت إساءة استخدام السلطة اهتماماً مبكراً، وورد لها تنظيم محدد من حيث العقوبات المقررة لها ، وكانت ضمن مفهوم (استغلال النفوذ) حيث نص القانون رقم (10) لسنة 2013م في شأن تجريم التعذيب والإخفاء القسري والتمييز وصدر قانون (المادة الرابعة) حيث يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنة كل موظف عمومي قام بالتمييز بين الليبيين على أساس جهوي أو قبلي عرقي في شأن أحقيتهم في التعيين أو الترقية في الوظائف العامة أو استحقاقهم للمنافع، والخدمات بقصد حرمانهم أو تعطيل الاستفادة منها أو الإخلال بحق الأولوية في الحصول عليها، وهكذا جاء مشروع قانون رقم (11) لسنة 2014 كأول نظام يوضح هذه الجرائم ويحدد ماهيتها وعقوباتها بصورة إجمالية وهذا المشروع يتعلق بإنشاء الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد في الدولة الليبية، وفي الفصل الأول أحكام عامة حيث تنص المادة (3) على أن تباشر الهيئة اختصاصاتها وفقا للعديد من المهام ومن بينهم الفقرة (7): والتي تنص على أن القيام بالتحري والكشف عن جرائم الفساد وعلى الأخص:

أ‌- الجرائم المنصوص عليه في القانون رقم (2) لسنة 2005 بشأن مكافحة غسل الأموال.

____________________

  3سليمان بن محمد، 2002، رابط المنشور على الويب، التطور التنظيمي لجرائم إساءة استعمال السلطة رسالة ماجستير، الرياض أكاديمية نايف العربية للعلوم الأمنية، جامعة الملك سعود، الرياض، baburas@ksu.edu.sa

ب‌- الجرائم الماسة بالأموال العامة والمخلة بالثقة العامة المنصوص عليها في قانون العقوبات.

ت‌- الجرائم الاقتصادية المنصوص عليها بالقانون رقم (2) لسنة 1979، وتعديلاته.

ث‌- جرائم إساءة استعمال الوظيفة أو المهنة، والوساطة، والمحسوبية.

ج‌- الجرائم المنصوص عليها في القانون رقم (3) لسنة 1986 بشأن من أين لك هذا.

ح‌- الجرائم المنصوص عليها في القانون رقم (10) لسنة 1994م بشأن التطهير.

خ‌- أي فعل أخر نصت عليه اتفاقية الأمم المتحدة بشأن مكافحة الفساد.

أما فيما يخص موضوع (الفساد المالي والإداري) فقـد عرفته منظمة الشفافية العالمية بأنه "إساءة استخدام السلطة العامة لتحقيق كسب خاص"، وعند صندوق النقد الدولي (IMF) فهو"علاقة الأيدي الطويلة المعتمدة التي تهدف إلى إستحصال الفوائد من هذا السلوك لشخص واحد أو مجموعة ذات علاقة بين الأفراد" .ويقصد بالفساد المالي والإداري أيضاً وجود الخلل في الأداء نتيجة الخطأ والنسيان وإتباع الشهوات والزلل والانحراف عن الطريق المستقيم، وهناك من ينظر إلى الفساد على أنه "سوء استغلال السلطة العامة لتحقيق مكاسب خاصة "( 4).

كما ويذكر أن الفساد المالي والإداري يحتوي على قدر من الانحراف المتعمد في تنفيذ العمل المالي و الإداري المناط بالشخص, غير أن ثمة انحرافا مالياً وإداريا يتجاوز فيه الموظف القانون وسلطاته الممنوحة دون قصد سيء بسبب الإهمال واللامبالاة، وهذا الانحراف لا يرقى إلى مستوى الفساد المالي والإداري لكنه انحراف يعاقب عليه القانون وقد يؤدي في النهاية إذا لم يعالج إلى فساد مالي و إداري .وحسب التقرير الأول للجنة الشفافية والنزاهة لسنة 2000 تم تعريف

__________________

 4 بحر، يوسف، الفساد الإداري ومعالجته من منظور أسلامي

http://www.scc-online.net/thaqafa/th_1.htm

الفساد المالي والإداري بأنه إساءة استغلال السلطة المرتبطة بمنصب معين بهدف تحقيق مصالح شخصية على حساب المصالح العامة ومنه "إصدار قرارات لتحقيق مصالح شخصية ،التربح " ، كما أنه " السلوك البيروقراطي المنحرف الذي يستهدف تحقيق منافع ذاتية بطريقة غير شرعية وبدون وجه حق" .

الآثار المترتبة على الفساد الإداري والمالي

إن خطورة ما يطرحه الفساد من مشاكل ومخاطر على استقرار المجتمعات وأمنها والذي يقوض مؤسسات الديمقراطية وقيمها والقيم الأخلاقية والعدالة، ويعرض التنمية المستدامة وسيادة القانون للخطر، وما يترتب على الفساد المالي والإداري من آثار اقتصادية وسياسية واجتماعية سيئة تؤثر بشكل مدمر على المجتمع، وآثار مدمرة تطال كل مقومات الحياة في الدولة، فتضيع الأموال والثروات والوقت والطاقات وتعرقل سير الأداء الحكومي وانجاز الوظائف والخدمات، وتقود إلى تخريب وإفساد ليس على المستوى الاقتصادي والمالي فحسب، بل في المجالات السياسية والاجتماعية والثقافية، ناهيك عن التدهور الخطير في مؤسسات ودوائر الخدمات العامة المتصلة بحياة المواطنين.

ويعد الفساد المالي والإداري المعرقل الرئيسي لخطط وبرامج التنمية إذ تتحول معظم الأموال المخصصة لتلك البرامج لمصلحة أشخاص معينين من خلال استغلال مراكزهم أو الصلاحيات المخولة لهم.

وبذلك تتعرقل عملية التنمية ويتفشى التخلف والفساد وينعكس بدوره على مجالات الحياة كافة وفي ذلك خسارة كبيرة للمال والجهد والوقت وضياع فرص التقدم والنمو والازدهار.

وبالنسبة للآثار الاقتصادية لظاهرة الفساد، فيمكن تحديد بعضها في:

-1يسهم الفساد المالي والإداري في تراجع دور الاستثمار العام وإضعاف مستوى الخدمات في البنية التحتية بسبب الرشاوى والاختلاسات التي تحد من الموارد المخصصة للاستثمار في هذه المجالات وتؤثر في توجيهها بالشكل السليم أو تزيد من كلفتها الحقيقية.

2- للفساد المالي والإداري دور كبير في تحديد حجم وجودة موارد الاستثمار الأجنبي، ففي الوقت الذي تسعى فيه الدول النامية إلى استقطاب موارد الاستثمار الأجنبي بأكبر حجم وأفضل جودة لما يمكن أن تحققه هذه الاستثمارات من توفير الموارد المالية وفرص العمل ونقل المهارات والتكنولوجيا، فقد برهنت الدراسات وأثبتت التجارب أن الفساد المالي والإداري يقلل من حجم هذه الاستثمارات ويضعف من جودتها في بناء وتعزيز الاقتصاد الوطني، بل انه قد يقود إلى جعلها عبئا كبيرا على موارد الدولة، بالإضافة إلى عزوف المستثمر الأجنبي عن الاستثمار بسبب تخوفه من أضرار الفساد باستثماره.

3- يقود الفساد إلى إساءة توزيع الدخل والثروة، من خلال استغلال أصحاب السلطة والنفوذ لواقعهم ومناصبهم المميزة في المجتمع والدولة، مما يسمح لهم بالسيطرة على معظم الموارد الاقتصادية والمنافع الخدمية التي تقدمها الدولة مما يؤدي إلى توسيع الفجوة بين هذه الطبقة وبقية أفراد المجتمع.

4- كما يؤدي إلى التقليل من كفاءة الاقتصاد ويضعف من النمو الاقتصادي بالإضافة إلى أنه يقوم بزيادة مديونية الدولة(5) .

تتلخص الاستفادة من المساق الثالث : بناء العلاقة بين وأصحاب المصلحة ومن خلال ما اطلعت عليه من قراءات معهد الفضاء المدني في الآتي:

تبسيط وسائل العمل، وتحديد مهل أنجاز المعاملات يعتبر أهم عامل في طريق مكافحة الفساد لأنه يضمن أمور أساسية وهي :

1- أنجاز معاملاته بأقل نفقة ممكنة وانجاز بأسرع وقت ممكن.

2-  أجراء تنقلات دورية بين الموظفين (كلما أمكن ذلك) يمكن أن يسهل ويعمل على تخفيض حالات الرشوة السائدة

_____________________

  5نور طاهر الأقرع طالب باحث في مركز دكتوراه جامعة عبد المالك السعدي – كلية الحقوق – تخصص العلوم الإدارية- طنجة، مقال،2019، مؤسسة أمان (النزاهة والمسالة والشفافية )، فلسطين , عام 2000 الموقع الالكتروني الخاص بمنظمة الشفافية الدولية www.transparency.org

3- تشكيل لجان خاصة لوضع نظام متكامل لأداء الموظفين تقوم بإجراء تفتيش دوري بين الدوائر والوزارات وأعداد التقارير الخاصة بذلك.

4- وضع مصنف يتضمن تقسيم الوظائف العامة على وفق طبيعة مهامها إلى فئات ورتب (أي اعتماد معيار الكفاءة والخبرة).

5- تحديد سلسلة رواتب لكل فئة من الفئات الواردة في المصنف بعد أجراء دراسة مقارنة للوظائف المتشابهة في القطاعين العام والخاص.

6- نشر الوعي القانوني بقواعد الخدمة المدنية وأحكام الوظيفة العامة لتحقيق العدالة ووحدة المعاملة بين جميع موظفي الدولة و التنمية مهارات العنصر البشري والتدريب الإداري (6).

وكخلاصة يمكن القول أن: مكافحة الفساد الإداري والمالي لا يمكن أن تتحقق من خلال حلول جزئية، بل ينبغي أن تكون شاملة تتناول جميع مرتكزات الإدارة من بنيتها وهيكلتها إلى العنصر البشري العامل فيها إلى أساليب العمل السائدة فيها.

المراجع:

1- بحر، يوسف، الفساد الإداري ومعالجته من منظور أسلامي http://www.scc-online.net/thaqafa/th_1.htm

2- حسين خلف موسى. (2020). باحث في المركز الديمقراطي العربي، 21، فبراير، مصر، الفساد الإداري في المجتمعات النامية ، الأسباب – المظاهر – العلاج.

_________________

  6حسين خلف موسى (2020)، باحث في المركز الديمقراطي العربي, 21، فبراير،، مصر، مقال بعنوان الفساد الإداري في المجتمعات النامية “الأسباب – المظاهر – العلاج.

3- سليمان بن محمد .(2002)، رابط المنشور على الويب، التطور التنظيمي لجرائم إساءة استعمال السلطة رسالة ماجستير، الرياض أكاديمية نايف العربية.

4- عادل عامر (2016) ع (62)، عضو لجنة مكافحة الفساد بالمجلس الأعلى لحقوق الإنسان للعلوم الأمنية، جامعة الملك سعود، الرياض، baburas@ksu.edu.sa

5- نور طاهر الأقرع طالب باحث في مركز دكتوراه جامعة عبد المالك السعدي – كلية الحقوق – تخصص العلوم الإدارية- طنجة، مقال،2019، مؤسسة أمان (النزاهة والمسالة والشفافية )، فلسطين ، عام 2000 الموقع الالكتروني الخاص بمنظمة الشفافية الدولية. www.transparency.org info@aman-palestine.org

6- ياسر خالد بركات .(2006). 80 ذي الحجة 1426 كانون الثاني صحيفة النبأ شهرية ثقافية عامة، العراق.