يولد المرء بصفحة بيضاء تمامًا، خالية من كل الأمور السيئة والجيدة، ومن الأحلام. ثم يكبر قليلًا وتبدء بعض الأحلام الصغيرة بملئ صفحته، كأن يمتلك لعبةً ما، أو يحصل على بيتٍ من الحلوى.
ثم يكبر قليلًا بعد فيبدء الآخرين بسؤاله "ماذا تريد أن تصبح في المستقبل؟" فيرد مباشرةً بعد فترة تفكير قصيرة جدًا، ولكن بتكرار طرح السؤال عليه في هذه الفترة ينغرس بداخله ضرورة أن يجد مهنة ما يسعى للحصول عليها في المستقبل، بشرط أن تكون جيدة كفاية لتنال إعجاب السائلين.
ويستمر على هذه الحال حتى يكبر كفاية ليحلم بأشياء مشروعة ولكنها تكون عصيّة نتيجة للظروف المحيطة به، فيدرك في هذه اللحظة أن الأحلام ليست بالسهولة والبساطة التي كان يعتقدها، والتي كان يصورها له الآخرين، وكيف يمكن لفشل حلم لديه بأن يحطم جزءٍ منه ويقلب حياته رأسٍ على عقب.
نتيجة طبيعية أن يولد الضغط إنفجار، وفي حاله كهذه يكون الإنفجار ربما على هيئة الكفر بالأحلام، والإحباط وفقد الأمل في النفس، وفي المحيطين، وفي العالم كله.
المشكلة تكمن في البداية، حيث يهيء للمرء من قبل والديه ومعلميه أن كل الأحلام ممكنة، وأن العالم عادل، وأن كل شخص يحصل على ما يستحقه.
وتصوير أن رآي الآخرين مهم ويجب أن يوضع في الحسبان دائمًا، وأن رضاهم أهم من رضا النفس.
أخبرني صديق ذات مره بأنه يشعر بإحساس متناقض تجاه إدراكِ لهذه النقطة مبكرًا، فلم يكن يعلم إذا كان سعيد، أو حزين لوجود تلك الأسباب التي جعلتني أصل لها بالأساس!
كل ما كان يدور في عقلي حينها اني أنا أيضًا أشعر بهذا التناقض، واني حقًا لا أعلم إذا كان ذلك أمرٍ يحمد عليه ام لا، لكني الآن يمكن أن أقول بأنه أمرٍ جيد وسيء في نفس الوقت.
من الجيد أن ندرك واقعنا، ونراه كما هو، وتكون رؤيتنا للأمور من حولنا رؤية موضوعية وليست وردية خالية من المنطق، ومن السيء أن يكون واقعنا سوداوي هكذا لدرجة أن يقتل أحلامنا قبل حتى أن تبدء.
سيكون من الأفضل أن يدرك الجميع ذلك, وبالأخص الأباء والأمهات والمعلمين, وكل مسئول عن تربية أطفال. فبالتأكيد سيكون تصادمهم بالواقع في المستقبل أقل حده, فإحترام عقل هؤلاء الأطفال سيساعدهم على إيجاد الشخصية والاعتماد على النفس في مواجهة العالم, بدلًا من غرس مفاهيم خاطئة وتصوير العالم بشكل خيالي.
ويجب كذلك تربيتهم على أن أحلامهم تخصهم وحدهم, ورضاهم عنها هو الأهم, وأن رآي الآخرين ليس بالأهمية المزعومة.
اما عن هؤلاء المسؤولين عن فساد الواقع, وجزء رئيسي من عملهم هو تحطيم الأحلام حتى يحافظوا على مناصبهم, فإدراكنا لكل ذلك هو سلاحنا في مواجهتهم, فلن يستطيعوا خداعنا لنصمت ونرضى بالقليل, ليحتفظوا هم بالكثير.
"ولنا أحلامنا الصغرى, كأن
نصحو من النوم معافين من الخيبة
لم نحلم بأشياء عصيّة
نحن أحياء وباقون .. وللحلم بقيةْ"
- محمود درويش
التعليقات
والملاحظ بين شباب اليوم ان حبر احلامهم قد فاق صفحات العمل ، وبدأوا. في انتاج فكر حالم بِما ينبغي ان يكون، دون ان يضعوا اليات عملية لتحقيق هذه الكينونة ، ..الكل يحلم بمستقبل زاهر .. الكل يحلم بنهضة الأمة .. الكل يحلم بجودة التعليم والصحة .. الكل يحلم بالتغيير ..لكن القلة منهم من يعمل على تفعيل وتنزيل هذه الأحلام .. وبالتالي يجب ان نعترف بفشل البيئة الحاضنة ( أسرة - مدرسة-،مسجد ..)في تفسير وتوضيح. الفرق بين سلوك الحالم الهائم ،النائم وبين الحالم الآمل والعامل . .