كانت تلك الغابة الوردية تفوح منها رائحة عطرة، تشبه رائحة الورود، و رائحة الياسمين . ذهلت تلك الفتاة التي كانت تدعى " زمردة " من هذا السحر الجذاب و اللون الوردي الذي طغى على الغابة بأسرها.
و في هذه اللحظات عليها ان تتقدم و ان تكتشف المكان بحذر تام، لعبور هذه الغابة بدون ان تحدث ضجيج، فقد يكون هناك خطر ما، يسطن الغابة.
و بمجرد ان وضعت زمردة قدمها اليمنى و انتشرت انفاسها في الغابة، حتى رأت حيوانا يتحرك بسرعة شديدة لدرجة انها لم تستطع التعرف عليه، و فجأة وجدت ذلك الحيوان واقفا أمامها يتأملها، إنه سنجاب لطيف.
تنفست بصوت عالي و الضحكة تزين ملامحها. لقد تخيلت أن الأمر خطرا و انها ستقع فى مشكلة. لكن لا هذا السنجاب قد يكون رفيقا لطيفا، او حيوانا عابرا، لن يلحق بها الأذى.
مع مرور الوقت و هي تقتحم الغابة باحثة عن طريق للخروج منها. سمعت صوتا غريبا، كأنه يطلب النجدة. لم تكترث في بداية الأمر لكنها تراجعت و قررت ان تقدم المساعدة لو كان حقيقتا أمرا مهما. بخطوات هادئة و هي تتقدم لمحت شابا على ضفاف بحيرة، يصدر صوتا شبيها بالذي سمعته قبل لحظات. تقدمت إليه واثقة من تقديم المساعدة. لكن كلما كانت تقترب كلما كان يبتعد ذلك الشاب المتألم. ذهلت بل فزعت و ظلت تردد في نفسها: ترى ما هذا؟! أيعقل إني أهذي ؟ . عليها في هذه اللحظات ان تتخذ قرارا فوريا. إما ان تظل تلاحق ذلك الشاب او أنها تبحث عن ملاذ للخروج .
في حقيقة الأمر، هذه الغابة ينتشر بداخلها اللون الوردي، لكنه ضباب وردي يجعل كل من يدخل هذه الغابة يخيل اليه أشياء غريبة بل أشياء لا يمكن ان تكون موجودة.
ظلت زمردة جالسة على صخرة، تفكر في حل، فالظلام أوشك على القدوم. و حينها بدر لذهنها انها منذ البداية تعلم ان الذهاب الى عالم الأمنيات صعب و يستحق المجازفة لذلك ستغلق عينيها و تبقى تردد اغنيتها المفضلة و تضع يديها فوق أذنيها حتى لا تسمع و لا ترى شيء. و بطريقة ما وجدت نفسها تتقدم بخطوات ثابتة و لا تجد اي شي أمامها يعرقل سيرها. إنها تريد بلوغ حلمها لذلك ستغلق عينيها عن هذا الواقع الذي قد ينعطف بها عن الطريق، و ستردد اغنية لطيفة ورثتها عن جدتها. و ستضع يديها فوق أذنيها حتى لا تسمع ترهات و خرافات حول اليأس و الفشل و الإحباط. إنها تخلق عالمها في مخيلتها لبلوغ المقصد. و فعلا بعد ساعة من خطوات الثابتة. خرجت من هذه الغابة السحرية.
و بمجرد ان فتحت عينيها و رفعت يديها عن أذنيها، إلتفت إلى الخلف فوجدت تلك الغابة الوردية، خضراء اللون بل اصبحت عادية وطبيعية جدا. تسألت ما معنى هذا و كيف يعقل ان يحدث مثل هذا الأمر، لكن وجدت تفسيرا واحدا، انها لو لم تقاوم ذلك العالم ولو لم تتحدى الهذيان و الافكار الغريبة التي تسللت الى عقلها. لما استطاعت ان تنجو.
و قالت بصوت عالي: على الإنسان ان يبتعد عن الإحباط واليأس قدر الإمكان، و ان يجعل من طموحه شجرة يتسلقها بثبات حتى يبلغ قمتها، و يستمتع بجمال المنظر من الاعلى. فالرؤية من الأعلى دائما اجمل.
وهكذا استطاعت زمردة ان تتجاوز الباب الاول لكن ينتظرها باب ثاني يستوجب منها ان تمر منه مرورا سهلا . فالطريق مزال في بدايته.
( نلتقي في الجزء الثالث)
-
راضية منصورمختصة بدارسة قانون سنة ثالثة دكتوراه