المارشميلو.. وسحر الإنجاز - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

المارشميلو.. وسحر الإنجاز

كيف تنجح في بلوغ أهدافك في الحياة؟

  نشر في 10 يوليوز 2017  وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .

من سنن الحياة أن يغلب الطبع التطبُّع، وأنه من المستحيل أن يتصرف المرء باستمرار بطريقة تتعارض مع نظرته لنفسه وللأمور من حوله. سل متفائلًا عما يدور من حولنا من عقباتٍ ومدلهمات؛ ستجد النور يتلألأ بين ثناياه والأمل يلوح في كل لفظةٍ تبدر منه، وقد يدفعك هذا للعجب أو الدهشة المختلطة باستنكارٍ تخفيه ابتسامتك.. ولكنها الحقيقة التي لا نزاع عليها؛ انظر إلى قول شعيب عليه السلام لقومه "إني أراكم بخير" مع ما فيهم من المثالب والمعايب إلا أنه ركز على الجانب الإيجابي الذي فيهم؛ لأنه يحمل بين جنبيه من الخير ما الله به عليم. انظر إلى سيد الخلق وحبيب الحق -صلى الله عليه وسلم- فبينما الأحزاب تجتال المدينة لتفتك بالإسلام والصحابة -رضوان الله عليهم- يحفرون الخندق، والصدور تغلي كالمراجل وتزفر كالنيران من شدة الموقف، وقد اعترضت صخرةٌ طريقهم؛ فبادروا للنبي ليُمسِكَ بيديه الشريفتين المِعْوَلَ ويضرب الصخرة ثلاثًا ويقول في الأولى: الله أكبر؛ فُتحت فارس، ثم يردد في الثانية: الله أكبر؛ فُتحت الروم، وفي الضربة الثالثة يقول: الله أكبر، وجاء اللهُ بِحِمْيَرَ أعوانًا وأنصارا. هذه هي الإيجابية التي يجب علينا أن نتحلى بها في أصعب المواقف وأشد العثرات التي تواجهنا؛ لنواجه المصاعب برباطة الجأش وقوة الإرادة.

إذا كانت نظرتنا للأمور بشكلٍ إيجابي فإننا سنُحيلُ العقبات إلى نجاحات؛ فكلٌّ يرى الأمور من عين تجاربه وخبراته في الحياة، وما نركز تفكيرنا عليه هو المحصلة النهائية التي نصل إليها من كلِّ ما يدور حولنا. في السيتينيات من القرن المنصرم أجرى والتر ميشيل أستاذ علم النفس بجامعة ستانفورد إحدى التجارب التي كان لها وقع مؤثر في علم النفس. في هذه التجربة والتي أُطلِقَ عليها تجربة المارشميلو Marshmallow قام الباحثون بجمع عدد من الأطفال (4 – 5 سنوات) في غرفة فارغة بها طاولة في المنتصف، ووضعوا لكل طفلٍ حبةً واحدة من حلوى المارشميلو على الطاولة. خيَّر الباحثون الأطفال بين تناول حبة المارشميلو الآن أو الانتظار لربع ساعة للحصول على حبةٍ ثانية؛ فاختار أغلب الأطفال الانتظار. خرج الباحثون تاركين الأطفال وحبة المارشميلو وجهًا لوجه، حملَّق الأطفال في حبة المارشميلو وسال لعابهم؛ فمنهم من أمسك بها وشمَّها، ومنهم من لعقها ومنهم من اختطفها وأكلها، لم يتمكَّن أغلب الأطفال من مقاومة الحلوى. قام الباحثون بتدوين ملاحظاتهم وأسماء الطلاب وبيانات التواصل معهم.

بعد مرور سنوات من هذه التجربة قام الباحثون بالتواصل مع الأطفال مرة أخرى؛ فوجدوا أنَّ من قاوموا إغراء الحلوى يمتازون بصحة جيدة ولا تبدو عليهم أعراض السمنة وأنهم أقل عرضة للإدمان. وفي تفسير هذه التجربة يذكر رئيس فريق البحث الدكتور والتر ميشيل أن الأطفال الذين قاوموا إغراء الحلوى اتبعوا منهجية تشتيت الانتباه؛ فصرفوا تفكيرهم عن التركيز على الحلوى وفكروا في أشياء أخرى، فمن فكر في المارشميلو أقدَّم على التهام الحلوى ويكمن السر في أن تجتنب التفكير في الأمر الذي لا تريد أن يسيطر عليك.

بنفس منطق المغزى النفسي لتجربة المارشميلو -وإن كان ذلك قبل إجراء التجربة- حدث أن طفلًا كان يجري تجاه منزله مبتهجًا؛ فسقط على الأرض وبقوةٍ بلغت من صعوبتها أن اخترقت قطعة خشبية قصبته الهوائية وأزاحت إحدى لوزتيه لخارج فمه!! تحامل الطفل على نفسه ليبلغ منزله بشق الأنفس، وما أن رأته أمه حتى سقطت مغشيًا عليها في حين أن والده قال له وبهدوء جم: الطبيب سيصل فورًا، فقط عليك تجاهل هذا الألم تمامًا، وترنم بأي لحنٍ تتذكره الآن؛ فهذا سيخفف من الألم كثيرًا. أصبح هذا الطفل فيما بعد الكاتب الأمريكي أرنست همينجواي الحاصل على جائزة نوبل في الأدب.

إن كنت تريد النجاح في دراستك، أو في حياتك الأسرية أو في بيئة العمل الجديد، إذا كنت تخطط لاجتياز دورة تدريبية أو لإتقان مهارة قيادة السيارة أو التفوق في مجالك الذي تحبه أو رياضتك المفضلة، أو غير ذلك من اهتماماتك الحياتية فكل ما عليك هو أن تصرف تفكيرك عن القلق حيال احتمالات الفشل وأن ينصب تركيزك على النجاح. لابد لمن يسعى للنجاح أن تتغلب رغبته في النجاح على مخاوفه من الفشل، ولن يتحقق له ذلك إذا ما شغل تفكيره بالعقبات التي تواجهه أو استهواه الكسل والتراخي. لم يسبق لأحدٍ أن حقق نجاحه في حين تسيطر على عقله أفكار انهزامية. تحكي الأسطورة أنَّ القائد القرطاجي حنبعل خلال فتوحاته في جبل الألب واجه صخرةً في بعض الطرق الوعرة، كانت هذه الصخرة كفيلة بأن يُقلِع حنبعل عن مواصلة تقدُّمه وأن يتذرَّع بالعودة من حيث جاء. لكن عقلية الناجحين ترفض الاستسلام ولا تركز على العقبات، إنما ينصب تركيزها على الحلول والإيجابيات التي تزكي مسيرتهم؛ فقال حنبعل لجنوده كلمته الشهيرة: إن لم نجد طريقًا فسنصنع طريقًا جديدًا.

عندما تعتريك مشكلةٌ ما خلال رحلتك في بيتك، دراستك، عملك، علاقاتك العامة أو الخاصة فأنت تصنع قرارك بنفس طريقة قرار الأطفال في تعاملهم مع المارشميلو؛ فإن كان توجُّهك إيجابيًا وركزت على السبل التي تتعامل بها مع المشكلة فإن التوفيق سيكون حليفك في مهمتك، ولو كانت الأفكار التي تدور في رأسِك حيال هذه المشكلة هي أنك قد مللت وضاقت بك السبل ولم تعد تحتمل المزيد من هذه المهاترات؛ فعندها يا صديقي أنت تلقي بنفسك في شرك المشكلة ولست صادقًا في سعيك لحلها.

لا تتذمر وابحث عن الفرص المساعدة على الحل، إن من أبرز قواعد النجاح التي بنى جاك ما امبراطوريته من خلالها هي البحث عن فرص النجاح والتغافل عن الأفكار السلبية. جاك ما أغنى رجل في الصين لم يصل لهذه المكانة عفوًا؛ فشل في اجتياز اختبار القبول في الجامعة أربع مرات. بعد الجامعة تقدَّم جاك ما للالتحاق بالشرطة المحلية، ومع أن عدد المتقدمين لهذه الوظيفة كانوا خمسة شباب فقط؛ إلا أن جاك ما الوحيد الذي رُفِضَ طلبه. وكما تكاثرت الظباء على خراشٍ فإن موجات الفشل قد تتابعت على جاك ما؛ فمع بداية افتتاح سلسلة مطاعم كنتاكي KFC في الصين، تقدَّم جاك ما للعمل في هذه المطاعم بالإضافة إلى 23 شاب، فتم توظيفهم ما عدا جاك ما.

كان في ذلك ما يكفي من الأعذار ليجلس جاك ما حبيس بيته ويذرف الدموع ويتعلل بمعاندة الأقدار له وتعمدها تفشيل مساعيه الكبيرة. لكن الانتقال من فشلٍ إلى فشل دون فقد الحماس والمثابرة هو زاد النجاح وهذا ما تمسَّك به جاك ما، فعاد إلى مدينته وعمل كمترجم للسياح دون مقابل، وكان يقطع 40 دقيقة من بيته إلى مقر تواجد السياح مستخدمًا دراجته دون فتور. وبعد فترةٍ أسس موقعه الالكتروني علي بابا؛ لينتقل من مجرد طالب وظيفة بالشرطة المحلية ومطاعم كنتاكي ليصبح أغنى رجل في الصين. دعني اسألك: ما هي الخطوات التي قمت بها لتعزز من احتمالات نجاحك؟ وهل واجهت مصاعب كالتي واجهها جاك ما؟ وإن كانت إجابتك "نعم"، فما هي الإجراءات التي ستنتهجها لتعديل خطتك لتصل لهدفك المنشود؟

يقول الروائي الأمريكي ريتشارد باخ: "ليس هناك خطأ؛ فالأحداث التي نمر بها مهما كانت حزينة تعد ضرورية لنتعلم منها ما علينا أن نتعلمه، وأيًا كانت الخطوات التي نتخذها فهي ضرورية لتصل بنا للأماكن التي اخترناها وجهةً لنا". إذا كان التجهم والعبوس لن يحل المشكلة؛ فلِم لا نواجه مشاكلنا على أنها وسيلة أخرى لتحقيق أهدافنا وبصورة مغايرة للنمطية التي لم تعد مجدية. النجاح يكمن في نظرتك للمسألة وليس في صعوبة المسألة بحد ذاتها، وأنت من يشعل حماستك ويحفز ذاتك على إيجاد الحل، كما أنك وحدك من يقرر الاستسلام والرضا بالفشل؛ فكن صاحب إرادةٍ لا تتقهقر وباغت أهدافك بالتفكير الذي يضمن تحقيق تلك الأهداف، وعندها ستصرخ من شدة الفرح: "لقد حققتُ ما ظننتُه يومًا ما أمرًا مستحيلًا".


  • 8

   نشر في 10 يوليوز 2017  وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا