العم غزال - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

العم غزال

آه لو لم يكن عجوزا في الثامنة والخمسين من عمره, لتشاجرتُ معه وضربته ضربا مبرحا. لكن كيف أضرب رجلا بعمر أبي!"

  نشر في 12 أكتوبر 2018 .

أكمل خليل الحديث الذي قطعه دخول زميلتهم المتأخرة إلى المكتب قائلا: "إنّه يظنّ نفسه ملك المكان يا عصام."

قالت آلاء وهي تُخرج مرآةً من حقيبتها لترى مافعلته الريح في شعرها : "عمّن تتحدثان في هذا الصباح الباكر؟"

تنهّد خليل وأجاب: "عن السيّد غزال. هل تعرفين أنه يقوم بإفراغ أكياس القمامة من محتواها دون أن يغيّر الكيس نفسه. لقد اكتشف عصام هذا البارحة وواجهه منذ قليل, لكنّه أنكر بكل برود!"

قالت آلاء باستياء: "إذا هذا هو سبب الرائحة العفنة في مكتبنا طول الوقت. هل تعرفان بأنّ لبنى من المكتب المجاور طلبتْ منه البارحة فنجانا من القهوة, ولم يحضره لها إلا بعد انتهاء الدوام."

"وماذا قالت له؟" سأل عصام

أجابت: "قالتْ له اشربه أنت."

"آه لو لم يكن عجوزا في الثامنة والخمسين من عمره, لتشاجرتُ معه وضربته ضربا مبرحا. لكن كيف أضرب رجلا بعمر أبي!" قال عصام بغضب.

أضاف خليل بتحسّر: "والمشكلة أنّنا لا نستطيع أن نشكوه للمدير, فهو أذنه التي يسمع بها أخبار الشركة والموظفين. إنّ المدير على استعداد أن يخسرنا جميعا ولا يخسر غزال –مُستخدَم المكتب-!"

فجأة, اقتحم بقامته القصيرة وشعره الأبيض الناعم مكتبهم. نظر إلى الوجوه الثلاثة التي أشاحت عنه بغضب, ثم حكّ خدّه الخالي من الشعر وقال: "أها. إذا لا يوجد مصلحة, لا يوجد مرحبا."

تجاهله الشابان, أمّا آلاء فلم تستطع. مسحتْ الطاولة بإصبعها فتجمّع الغبار عليه. نظرت إليه وقالت: "متى ستتكرم علينا وتنظف طاولات المكتب يا أستاذ غزال؟"

"لقد نظفتهم البارحة يا آنسة آلاء." أجاب غزال وهو مقتنع بكذبته. ثم أردف: "هل أحضر لكم القهوة يا أعزائي؟ لقد اشتريت البارحة بُنّا جديدا طازجا."

قالت آلاء بانزعاج: "نعم. لكن حاول أن تحضرها قبل انتهاء الدوام هذه المرة."

"يا آنسة آلاء, ألم تقل لك الآنسة لبنى بأنّه قد حصل لي ظرف طارىء البارحة, ممّا جعلني أنسى طلبها."

همس خليل: "ما أكثر ظروفك الطارئة يا رجل."

بعد هذا بساعة, كانت آلاء تقف أمام المدير لتتلقى توبيخا قاسيا على تأخيرها. أثناء ذلك دخل غزال بظهره المَحني وهو يحمل صينية عليها كوب من القهوة. قدّمه للمدير بوَدًّ مُبالغ فيه ثمّ حانت منه التفاتة إلى آلاء, فما كان منها إلّا أنْ حدَجَتْه بنظرة شزرة. ولو كانت النظرات تتكلم لسبّت هذا الواشي بأفظع السّباب.

بعد قليل, عادت آلاء إلى مكتبها فرأتْ غزال وهو يمسح الغبار عن طاولتها وجهاز حاسوبها بوجه بريء وتذلّل مُصطنع. اتسعت عيناها بغضب وصرخت: "يا إلهي!"

قال بنبرة هادئة: "ماذا حصل يا آنسة! هل رأيتِ عفريتا؟"

ردّتْ بِغِلٍّ واضح: "العفريت ممكن أن ينصرف, أمّا أنت فملتصق كالقرادة."

"سامحك الله يا ابنتي." أنهى عمله في التنظيف وانصرف تاركا آلاء الثائرة تسرد لزميليْها ماحصل لها في مكتب المدير.

في الظهيرة اتجه غزال إلى مكتب المدير ليزوّده بأخبار الموظفين التي جمعها اليوم. اقترب من أذنيْه وقال هامسا كأنّ أحدا يراقبه: "سمعتُ أنّ موظف المبيعات بشير سيطلّق زوجته, فلم يعد باستطاعته تحمّل طلباتها. أمّا بالنسبة لسكرتيرتك غادة فقد تمّ عقد خطوبتها منذ أسبوع وهي لم تُطلع أحدا على الأمر خوفا من الحسد."

اعترض المدير قائلا: "لكنّها لا تلبس خاتما بيدها."

"لقد رأيتها وهي تخبىء الخاتم عند دخولها الشركة, ثم تلبسه عند انتهاء الدوام وخروجها من هنا. آه صحيح, سمعتُ عصام وهو ينتقد قميصك الأخضر الذي كنتَ تلبسه البارحة يا سيدي."

قطّب المدير حاجبيه وسأل: "وماذا قال؟"

"قال إنّه بشع المنظر ولا يتناسق مع لون ربطة عنقك."

استمرّ بعدها غزال بنقل القيل والقال حتى سأم المدير منه وصرفه.

في يوم عاديّ من أيام الشركة الروتينيّة, عادتْ آلاء من إجازتها التي دامت لمدة أسبوعين. كانت تحسّ بالانطلاق والسعادة لغيابها الطويل عن هذه الشركة التي سمّم غزال هوائها. حيّت زميليْها بمرح, ثمّ قالت: "إذا لقد أحضروا لنا مديرا جديدا! من أين أتى؟"

ردّ خليل: "هبط علينا فجأة من السماء, ولا أحد يعرف عنه شيئا."

سألتْ بفضول: "وما رأيكما به؟"

أجاب عصام: "إنّه يبدو حازما ومنضبطا, فقد فرض خصما لمن يتأخر عن الدوام أكثر من مرة في الأسبوع."

صاحتْ: "يا إلهي. سأضطر لأن أكون هنا الساعة الثامنة في كلّ يوم. لكن كيف أضمن الحافلات العمومية, إنّ مواعيدها مذبذبة كتلفاز جدّتي."

قال خليل وهو ينظر لها باستخفاف: "كلّ ما عليك فعله هو أن تستيقظي باكرا."

تلفّتتْ آلاء في المكان حولها فاكتشفت نظافته. سألت باستغراب: "هل قام غزال بتنظيف المكان خوفا من المدير الجديد؟ كلّ شيء يلمع هنا"

ردّ عصام: "بل هو العامل الجديد, العم أحمد."

فتحت آلاء فمها باندهاش, وقبل أن تُهاجمهم بوابل من الأسئلة التي تجمّعت في حلقها. قال خليل بسرعة: "نعم, لقد استقال غزال منذ أسبوع. فلم يرقه المدير الجديد الذي وبّخه كثيرا على تقصيره بالعمل ولم يرخي أذنيه له. وبما أنّه فقد سلطته ولم يعد مسنودا, فقد قُمنا جميعا بمشاجرته انتقاما للأيام الخالية."

ضحك عصام وقال: "المسكين أصبح مثل القزم الصغير ونحن ننهال عليه بالكلمات القاسية والصراخ, فلم يتحمّل ورحل."

رفعت آلاء كفّيها إلى السماء وقالت: "أشكرك يارب!"

عندما أشار عقربا الساعة الصغير والكبير إلى الثانية عشرة, ترك الموظفون مكاتبهم وذهبوا لتناول الغداء. كانت آلاء تشعر بفرحة كبيرة, لذا أخبرت عصام وخليل بأنّها ستدفع فاتورة الغداء احتفالا بالأخبار السعيدة. وببطون فارغة, دخل الثلاثة المطعم الذي يأكلون فيه يوميا, وقد داعبت رائحة الدجاج المشوي أنوفهم, ثمّ جلسوا بانتظار قدوم النادل.

بعد ربع ساعة من الانتظار الممّل أتى النادل, فأخذتْ علامات الدهشة ترتسم على وجوههم واحدا تلو الآخر. إنّه غزال من يدنو منهم الآن!

قال بابتسامة كبيرة: "أهلا بكم يا أعزائي. ماذا تودّون أن تأكلوا لهذا اليوم؟"


  • 4

  • نور جاسم
    اسمي نور. عراقية الأصل, أردنية المنشأ, أمريكية الإقامة, وهذا ساعدني كثيرا في التعرف على الثقافات المختلفة وإقامة الصداقات من كل مكان في العالم. أحب الكتابة/ أحلام اليقظة/الرسم/ السفر/ التمثيل/ الغناء/ الأفلام/ التأمل/ وال ...
   نشر في 12 أكتوبر 2018 .

التعليقات

Salsabil Djaou منذ 6 سنة
قصة طريفة جدا ، كل التقدير لك نور.
1
نور جاسم
أسعدني مرورك سلسبيل. شكرا لكِ :)
جميلة جداجدا ، إلا انني حقيقة أرى ما في القصة من احداث واقعية تحدث في حياتنا ومكاتبنا .
0
نور جاسم
شكرا لك :)
فعلا هي حقيقة. أنا أخذت الشخصية من الواقع وأضاف خيالي الحبكات والمواقف

لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا