دائما ما كانت تتردد على مسمعي تلك الكلمات
(لا تسأل محب لماذا أحببت ) ، كان المعنى الذي وصل إلى ذهني معنى متضارب !
لماذا ؟ أليس ذاك المحب بكامل قواه العقلية التي تسمح له بالإجابة عن ذلك السؤال !
لعلي لم أخض تلك التجربة بمعناها الحقيقي، فلم يصل إلي ذلك المعنى .
ولكن لم يمر الكثير ، حتى تجرعت مر ذاك الكأس !
فقد وصل إلى ذهني مفهوم تلك الحروف مكبراً بمئة مرة تقريباً.
لعلي لا أذكر كيف بدأ الأمر بالتحديد ، ولكني لا أتذكر سوى تلك الضربة المؤلمة التي ضربت قلبي وأيقظت ذاك المتهور من غفلته !
أيقظته ، ولكن بعنفوانية لم يسبق لها مثيل .
في بادئ الأمر ،لا أدري لماذا ذاك الشخص قد دخل بهذه السهولة بدون استئذان إلى مكان لا يصل إليه الكثير ، مكان أضبه يومياً بل أكاد أرى الغبار يخفيه عن عيون المارة ، لا أدري كيف دخل هذا الشخص إلى قلبي بدون طرق بابه أولاً.
اقتحم مكاناً لم يستطع الوصول إليه بشر قبله!
بل لم يكتفي باقتحامه ، بل استوطنه .
حاولت المحاربة ضد ذلك المستوطن الغريب ولكن باءت بالهزيمة الشنعاء ، ولكي أكون دقيقة فقد تخلى قلبي عن ملكيته بسهولة وكان المحارب الحقيقي في تلك المعركة هو العقل !
استسلم القلب من الوهلة الأولى ، ولم يبد اعتراضاً ، بل النازلة أنه كان متيماً بذلك المستوطن ، ولا يريد خروجه .
لا أدري كم من المرات التي نصح العقل فيها ذاك القلب العاق ولكنه لم يكد يلق بالاً له !
فالعقل هو المرشد والدال لذلك القلب ،كالأب حينما ينصح ولده ، ويأبى ذاك الولد العنيد "القلب" إلا أن يرفض أوامر والده ومن ثم يقع في زلاته مرة أخرى ولا يزال الأب ينصحه وذاك العنيد يأبى!
فقد العقل سيطرته على ذاك العاق العنيد .
أصبح القلب له اليد العليا الآن ، لم يستطع العقل إكمال حربه واستسلم سريعاً .
كان ذاك المستوطن يتملك القلب بكل حصونه، أصبح القلب يترجم ذاك الحب بأفعال غير محسوسة لا عقلانية ولكن كان الهدف هو إسعاد ذاك الشخص الذي أحبه .
أصبح القلب المتحكم في جميع جوارحك الآن وهذا منافٍ للطبيعة ، فالعقل هو السيد !
أصبحت تأتي بأفعال يطير لها عقلك لاحقاً "كيف لي أن أفعل ذلك ؟ " وتلك ليست بعادتي، ليس ذلك سمتي ؟!
ولكن يكن التفسير الوحيد ، أن تلك الجوارح انصاعت لأوامر قلبك وأبت إلا أن تترجم ذاك الشعور في أفعال محسوسة .
أصبحت تصدر عنك تلك الأفعال التي تفضح ما يضمره قلبك ، وتكشف ما تواريه نفسك .
والعقل يشتاط ، لا تفعل ذاك ، إياك وهذا !
وهل يسمع القلب ؟
كلا يا صديقي ،" أنت تسمع إن ناديت حياً لكن لا حياة لمن تنادي" ، لا حياة لذلك القلب في هذا الوقت فهو في غيبوبة لا تعلم متى يستفيق .
وتتوالى التضحيات الواحدة تلو الأخرى ، في سبيل إرضاء ذاك القلب العنيد .
قلبك لم يزل يحاول بكل طريقة إفشاء سرك ، وأكاد أرى عقلك يسخر من تصرفاته الغبية !
تصرفات غير محسوبة ، همجية اندفاعية .
تصرفات لا تنم عن عقل يدبرها !
ثم يأتي ذلك المستوطن بكل قسوة وكأن الرحمة قد انتزعت من قلبه بالرحيل ، ماذا بعد ذلك ؟
نعم ، قام بالرحيل ، لا تدري لماذا ولما ، فقلبك لم يترك سبيلاً لإسعاده إلا وقد سلكه !
تركت له أعز ما تملك قلبك ، بل وقد تمرد هذا القلب على سيده "العقل "وارتد عليه في سبيل إرضاء ذاك الغريب !
حسناً،لعلي أسمع صوت عقلي يوبخني ويزيد العتاب حدة ، فقد حذر ذاك القلب مرات ومرات ولكنه لم يستمع ، حذره بأن ذاك المستوطن لا ينفعه بل يضره .
حذره من غدره ، ولكن هيهات!
لعلك لو استطعت العبور إلى أروقة قلبك الآن لرأيت قلبك وقد أصابه ما أصابه، ويكأن إعصاراً قد حل به فأفقده كل يملكه، إعصار قد حل به فقلب عاليه أسفله ،فجعل سماءه أرضه وأرضه سماء !
حسناً ، يعود القلب بخفي حنين لذلك العقل الذي تمرد عليه ، بعدما سرق منه سلطته وكاد يودي بحياتك إلى الهلاك !
استفاق من غيبوبته ، ولكن للأسف في وقت متأخر ،فقد كان ما كان !
يندم القلب على التمرد على أبيه ، ولكن في وقت لا ينفع الندم !
فيسلم القلب مفاتيح أمره إلى سيده مرة أخرى ويصيح صارخاً بعلو صوته:
" وإذا القلب مرة سها و أخذه الشوق إلى الماضي فلا تتأخر أيها العقل فلتحد سيفك ! "
-
Maryam Tahaطالبة بكلية الطب ، أهوى الكتابة شعراً ونثراً ، لي آرائي الخاصة التي أحب أن أبرزها للعيان بشكل بلاغي ..