استيقظت من نومي على هذا الخبر المنتشر في جميع وسائل الاعلام ؟!

(انقلاب سيارة محملة بالمواد السامة في مياة النيل ..... والصحة تبدأ الفحص )

(كتب اليوم السابع في الصفحات الاولى وبالخطوط العريضة " النيل فيه سم قاتل !!" )

.

.

شعرت بالخوف وبدأت الهواجس تتلاعب بي ... تركت الماء واكتفيت بالقليل من عصير البرتقال الذي دوما ما احببته .

توجهت بدوري الى الجامعة , التقيت بصديقي مروان وتناولنا هذا الموضوع الشائك ....

- ايه يا ابني موضوع المية ده ؟!

- مية ايه يا جدع ؟! انا لسا شارب حالا !! .. قالها مستنكرا

- يا خبر اسود .. يا ابني بيقولوا المية وقع فيها مواد سامة .

- قال باستهجان .. يا جدع انتا بتصدق الكلام ده , الاعلام عاوز يشغل الناس بالحاجات دي علشان يبعدوا شوية عن الدولة وسياساتها ....

في هذة اللحظة حان وقت المحاضرة .

.

.

على غير العادة حضر الدكتور محمود السباعي في تمام التاسعة, كان دائما ما يتأخر .

قال ببشاشة وجه غير معهودة ( سلام عليكم .... انهاردة المحاضرة مفتوحة وملهاش دعوة بالمنهج خالص .. سؤال هطرحو عليكو وعاوز اجابتكم بصراحة ومن غير اي خوف .. "ايه رأيكوا فيا ؟! ".

تعجبت من السؤال جدا , ولم البس على هذة الحالة كثيرا حتى زادت دهشتي وزهولي لما يحدث !!!!!!

أخذ بعضنا ينظر الى بعض في استغراب شديد , رفع بعض الحاضرين ايديهم طالبين الحديث ...

اشار الدكتور الى احدهم قائلا " اتفضل .... "

قال " بص يا دكتور انا شايفك متكبر جدا و....... " قاطعه الحضور معترضين على الكلام او بالمعنى الأدق خائفين من رد فعل الدكتور بعد هذة الكلمات الصادمة .

نهرهم الدكتور بشدة فعاد الصمت وانتشر الهدوء مرة اخرى ... " كمل يا ابني "

اكمل قائلا " انا شايفك يا دكتور متكبر جدا ومعقد , وحاسس انك كارهنا كدا ومش طايقنا , كان نفسي اشوفك بتعاملنا زي اولادك .. بس للأسف ."

" فيه حد متفق مع زميلكم في الكلام اللي قالو ؟! " قالها الدكنور بعد ان انهى هذا الطالب الكلام .

قام العديد من الطلبة معلنين تأيدهم لكلام زميلهم.

قال الدكتور بعد أن سمح لهم بالجلوس " انا احترم شجاعتكم ورأيكم الصريح ده , وانا بجد سعيد جدا وهحاول اغير من نفسي الفترة الجاية , وياريت تسامحوني على اللي فات ....... ":

انتهت المحاضرة بالتصفيق الحار ومن ثم انصرف الدكتور وغادر القاعة .

.

.

عشت هذا اليوم لا اشرب الا المياة المعدنية , لم يشغلني امر المياة كما شغلني ما حدث في الجامعة اليوم !!!

استلقيت على سريري منهكا ,لم استغرق الكثير حتى رحت في سبات عميق .

في تمام السابعة صباحا استيقظت من نومي ..

(وزير الصحة يطمئن المواطنين بأن ما سقط في النيل مواد ليس لها اي ضرر ولا تحتوي على اي نوع من السموم )

(اعترافات جديدة حول قضية مقتل رجل الاعمال سمير عمران )

توجه العديد من الهاربين الى الاقسام لتسليم أنفسهم للعدالة )

(تصريحات جديدة بخصوص الامن الوطني )

........

شعرت بالطمأنينة بخصوص الماء , وبقليل من الاستغراب حول هذة الاخبار المعلنة .

لم أذهب الى الجامعة اليوم , واكتفيت بالسير في الشوارع المجاورة للبيت .

ساد على اوجه المارين حولي ملامح السعادة والتسامح الغير عادي , وجوه راحت من عليها اثار الغل والحسد واعتلتها ابتسامة سمحاء صافية تخلو من الرياء .

سرت متأملا هذة الوجوه الغير عادية ,وفجأة سمعت صوت مكبح شديد افزعني !

(يا ساتر يا رب , دا كان هيخبط فيه !! ) قلتها وسرت تجاه السيارتين ....

ترجل كلا من السائقين وعلى غير المتوقع , ارتسمت الابتسامة على الوجوه واعتذر كل منهما للاخر ثم انصرفا تاركين الاثر الواضح للتسامح والتراحم .

"ايه ده ... هو انا بتفرج على فيلم ارض النفاق ولا ايه ؟! " في هذة اللحظة استرجعت ما حدث في هاذين اليومين من حديث الدكتور والاعترافات واستسلام بعض الهاربين وما حدث حالا من السائقين .

هل حبوب الصراحة والحب والتسامح هي ما سقطت في النيل امس ؟!

هل عاد فؤاد المهندس من الفيلم محملا بهذة الحبوب ؟!

هل هناك وجود لهذة الاسطورة من الاصل ؟!

.

.

استيقظت احمل الكثير من التساؤلات لن يجيب عنها الا فيلم "أرض النفاق " .