رؤى الحجاز

فيصل البكري

كنت أعيش أنا وأخي الذي يصغرني بعام ونصف مع أمي وأبي في بيت واحد.

وشاءت الأقدار أن تنفصل "أمي" عن أبي وترحل في حال سبيلها من البيت الذي كان مأوئ لنا جميعآ.

أجبرنا والدي من عدم زيارة "أمي" وطلب مني وأخي بنسيانها وعدم التواصل معها.

تزوج أبي من إمرآة أخرى وكانت الأيام كفيلة بنسيان "أمي" فأعتدت على زوجة أبي التي كانت تسيئ معاملتنا أنا وأخي الأصغر الذي كان يغيب عن البيت لعدة ساعات حتى أمتدت لبضع من لأيام في زيارة "أمي" الذي تسكن وحيدة دون عائلُُ لها.

فأخي لم يأبه غيابه حتى يعود للمنزل سوى العقاب في إنتظاره من والدي الذي شّحن من زوجته الظالمة.

فلا شيئ له غير الركل والصفع ومن ثم يتظاهر بفقدان الوعي حتى ينفذ من الإعتراف عن مكان غيابه وتواجده.

وبرغم علاقتي القوية مع شقيقي الأصغر إلا أنه لم يخبرني يومآ أين يقضي أوقاته أثناء غيابه عن المنزل.

وأعتقد بأن خوفي من والدي وزوجته كان سببآ في عدم إفصاح أخي الأصغر عن سر غيابه خوفآ من أن أفصح لوالدي وزوجته عن مكانه.

فأنا أعترف بأنني جبانآ وأخاف من ظلي.

أتذكر جيدآ بأن غياب أخي في يوم من الأيام قد تجاوز يومآ بليلته فكان والدي يشتاط غضبآ كلما أغدقت عليه زوجته من الوصايا نحو الإنتقام منه. فينهال على أخي بالضرب والركل حتى سالت الدماء من رأسه وأذنيه من شدة التعذيب الذي لاقاه.

نظرت من بعيد فوجدت أخي ملقىٰ على الأرض والدماء تملئ ثيابه وقد فارق الحياة دون مبالاة من أبي وزوجته.

عندها أَدركت أَن الوحدة كفيلة أَيضاً أن تجعلني أَنساه هو الآخر.

وفي ليلة باردة الأجواء وأنا أفكر كيف لي العيش وحيدآ بعد فراق أخي.!؟

فقد وجدت تحت "وسادته" رسالة مكتوبه بخط يده وهو يقول...

واصل زيارة "أمنا" ولا تخف حتى ولو رأيت الموت أمام عينك.

فهي لن تُفرق بين صوتك وصوتي.

داوم على رؤيتها ورعايتها ولو نال منك والدي من التعذيب والألم أكثر مما ناله مني.

وكن على حذر بأن تحدثها عن رحيلي من الدنيا لأن أمي "عمياء" من شدة حزنها علينا والله الموفق...