بداخلهِ نُورٌ على وشكِ الانطفاء، بل زهرةٌ تُوشِكُ أن تموت، حلمهُ بأن يكون كاتباً بدأ يتلاشى؛ فقط لإنهُ اعتاد أن يعيش حياةَ غيره، يتقمصُ أدوارهم، ويرتدي أقنعتهم، أدرك مؤخراً أنهُ بحاجةٍ إلى مفتاح وخارطة طريق، ذهب إلى المكتبة لعله يجد حلمهُ الضائع، وإجاباتٍ على تساؤلاتٍ أنهكته، لفت انتباهه كتاباً أعلى الرف، بدا قديماً جداً، ويعلوهُ غبارُ الزمن، وبينما بدأ بتصفحه، فإذا بهِ قد وجد نفسه أمام بوابةٍ كبيرة، كُتبَ عليها:(الرحلةُ طويلة، البداياتُ للكل، والثباتُ للصادقين، فلتقرر بعناية)، شعر أنّه ثمة صوتٌ ما يخبره بأنها تجربةٌ تستحقُ المحاولة، حاول الدخول عبرها إلا أنها أبت أن تفتح، لإن مفتاحها الحقيقي موجودٌ في حناياه، إلا أنهُ لم يبصره، ضاقت بهِ السبُل حتى التقى به رجلٌ مسن ليعطيه صندوقاً صغيراً، قائلاً: هنا المفتاح ثم اختفى، بداخله وصية كُتب بها: "إلى من يفتح هذا الصندوق، تحيةٌ وسلامٌ مني إليك، أيا بني.. إنما وصولك إلى هذا المدخل، هو ميلادٌ جديد لك ولأحلامك، امتطي جوادك، والخوف اخلعهُ مع نعالك، فالفراشةُ إن خشيت الخروج من شرنقتها ستظلُ مكانها، وإن قيدتك أغلالُ الحيرة والشكوى من أمورٍ ماهي إلا وهم وضعته في عقلك؛ فاكسرها، وإلا ستبقى أسيراً لأوهامك، كن فريداً؛ حياتك ملكك وحدك، فلتكن طريقة حديثك، اختيارك للباسك، دفاترك، وهاتفك، مختلفة عمن حولك، ليس ليقال عنك مختلفاً، إنما أردتك أن تعيش حياةً ترضي الله ثم ترضيك، لا تتبع القافلة أينما توجهت، فليكن اختلافك رائعاً، اتبع مبدأ التوسط والاعتدال في كل شؤونك، أما الشهرة فليس من الخطأ أن ترجوها وتبحث عنها، لكن ليكن همك هو النفع المتعدي إلى غيرك؛ انشر علماً، أنر فكراً، اغرس بذرة في كل بقعةٍ تطأُ عليها قدميك، واروِها بماءِ الإلهامِ والأمل، وتذكر.. النباتات الضارة إن أحاطت بنباتٍ سليم غلبته، فأحط نفسك بالصقور تكن منهم.
واعلم يارعاك الله؛ القمة تتسع للناجحين فقط، لا تمض الكثير من الوقت في القاع، بانتظار أن يحدث كذا وكذا، بانتظار الفرص، ولا تحسبن الحياةَ ورديةً مزهرةً دائماً، تارةً نفحةُ ألم، وأخرى نسمةُ سرور، من يتألم يتألق، استمتع بكل لحظة، وانظر للحياةِ من الزاويةِ التي ستقويك، أترى الفلك في الفضاء؟ كلٌ يجري كما سُيّر له، وكل امرئٍ لما خلق له، وجودك لهُ مغزى، وحياتك ستكون حكايةً يوماً ما، إما أن تكون فخراً وذخراً لمن بعدك، أو عبرةً يتعظ بها غيرك، فحدد وجهتك."
-أراك على القمة، معلمك: مجد)
لم يكن مجردَ مدخل، أما الرجلُ المسن فعلى الأغلب هو حلمهُ الضائع، هذه اللحظة استوقفته ووسعت مداركه، قرر الدخول ففتحت البوابة، بين طرفةِ عينٍ وأخرى وجد نفسهُ على مكتبه، فكتب في مدونته: (عهدٌ علي سأسير واثق الخطى، سأتمرد على الصعاب، وأعلن الحداد لكل فكرةٍ مشؤومة أوقفتني في منتصف الطريق، فقد ولّى عهدُ السبات، سأجعلُ حب من وهبني هذه الروح يتأصلُ في وجداني، حتى ينبثق النور من كل الثقوب، وأتصدى لكل الثغور، وأصرخ بصوتٍ تشهده كل بقاع الأرض: أنا مؤمن بما أفعل، وعن هدفي لن أحيد ولن أميل)، نية ثم فعلٌ فالتزام، ولكلِ امرئٍ مانوى.
-
أفنان راشـدكاتبة| أؤمن بما يخطه قلبي| مُدونة| مدققة لغوية| أنا لهذهِ الأمةِ بنّاء، ومن كان بنّاء فعليه أن لايستريح.