" هو أنا هكبر إمتى ؟ , نفسي أكبر أوي , عايزة أشوف نفسي كبيرة " .. ألم يمر عليك هذا التساؤل وهذه الكلمات والمشاعر يوماً ما ؟ , بالطبع قد مرت ومر داخلها العديد من التساؤلات أيضاً المُساوية لها , ألم يمر على خيالك يوماً تصوراً لك وأنت على مشارف سنوات النضج ؟ , ألم تتخيل نفسك تمر أمام قوماً فيقفوا لك في مهابة وإجلال لشخصك ؟, والسبب كله سنك المُتقدم , وأنتي ,ألم تتخيلي يوماً هيئتك تتبدل لهيئة أخرى ذات وقار مختلفة كلياً عن هذه الهيئة البسيطة التي تتلخص في فستان وردي وحِذاء لا يتجاوز مقاسه عدد ألعابك ؟ , تبدلت هيئتك وأصبحت حذاء فخم ذو كعب عالي , وكل هذا في مخيلتك البسيطة و فقط , كانت الأمنية والمطلب الوحيد لكم في الحياة أن تروا أنفسكم في هيئة الكبار , وتظلوا في مُصارعة مع الوقت والزمن ومحاولة في القفز به إلى تلك اللحظة المُنتظرة , لحظة تخطي مرحلة الطفولة , وإقتناص مرحلة الشباب , تلك المرحلة بالنسبة للكثير هي المرحلة الجوهرية في حياتهم برُمتها , ولكن يظل الطفل مُقيد بعدد سنوات معينة حتى يستطيع الوصول إليها , فمن المستحيل أن تتحق أمنيته ويقفز به الزمن فعلياً ويتجاوز كل هذه السنوات في غمضة عين ويصل لما يتمنى أن يرى نفسه عليه من تبدل سحري , نحن لم نتوصل للعصا السحرية بعد في عالمنا هذا , إذاً .. فلنضع أحلامنا على أرض الواقع قليلاً ..
ولكن ..
لمن يهمه الأمر , ولمن لم يبلغ تلك المرحلة بعد , ولمن لا يزال يُعافر من أجل إيجاد تلك العصاة , ولمن يتأمل كل ليلة قبل خلوده إلى النوم فيما سيصبح عليه يوماً ما , من فاعل خير يبدأ غرس أرجله في هذا الطريق , طريق التحول , وطريق الأحلام وتحقيق الأهداف , كان لابد عليه أن يضعك في الصورة ويحاول إعطاؤك بعضاً من خلاصة تجارب تلك الفترة التي ستمر بها لا محالة , يوماً ما , في لحظة ما , ستجدها تدق أبوابك وتدعوك لحفل ساهر معها , يستغرق سنوات من عمرك , ولكنك ستشعر أنها مجرد لحظات ليس إلا , ستنتشلك من بحور الطفولة البريئة لعالم الجرأة والإقدام , لن تعرف كيف تستعيد برائتك من جديد ولكنك ستحتفظ ببقايا منها في قلبك ولن تدع الزمان يسلبها منك , وفي لحظة مُفاجئة , ستجدها تطردك من ذلك الحفل كأنك مُتطفل دخيل عليه , لم تحمل له كارت دعوة , وهيئتك ليست مناسبة له بالمرة , فتُلقيك خارجاً وتستكمل هي سهرتها مع المُستجدين , هؤلاء الذين كنت أنت واحداً منهم في لحظة ما , ولكنك في تلك اللحظة قد تخطيت " حاجز الشباب " وبدأت خطواتك نحو " أعتاب الكهولة " , فلتنتظر إذاً دعوة من تلك المرحلة الجديدة كلياً , ولكنها لن تكون حفلة ساهرة , ستكون حفلة تأبين لحياتك المُنقضية ! ..
إذاً .. هذه صورة عامة لما ستمر به , مراحل ومشاعر مختلفة حتماً ستشعر بها , ومع كل مرحلة كن على يقين أنك ستجني ثمارها كاملةً حتى وإن كانت مرحلة سلبياتها أكثر من إيجابياتها , كل إنسان سيأخذ حقوقه كاملة دون نُقصان , فلا تنزعج ولا تضطرب من أي شيء ..
والآن , الخلاصة كلها تكمن في تلك النصائح ..
الموجهة لمن يتمنى أن يتعجل زمنه ويرى نفسه كبيراً , يرى نفسه كوالده الذي تخطى نصف عمره بجدارة , يرى نظرة الإحترام العنيف الذي يقع على وجه أخيه الأكبر حينما يراه أحد الأقارب , أو ترى هي فارس أحلامها يُثبت لها حبه ويُقرر أن يقضي ما تبقى من حياتهما سوياً , فتجلس هي وهو أمام القاضي الذي بيده زمام الأمور " الأب " ليُقرر هل يستحق أن يأخذ أميرته التي لازالت في نظرة صغيرة أم لا , تنتظر هي تلك اللحظة على أحر من الجمر , فقط لتشعر كيف يكون الحب , هي لا تنتظر أن تحب , فقط تود أن تشعر كيف يكون هو إحساس الحب , فقط , فضول ليس أكثر ..
إليكم بعضاً من نصائح ستحتاجون إليه عندما تصلوا بالسلامة إلى هذه المرحلة من حياتكم , فمن قلب الحدث تُحدثكم أحد المُستجدين لهذه المرحلة ..
1- خذوا حذركم من البداية ..
فهي كالموج الجارف , إما أن يجرفك نحوه في لحظة دون أن تحاول/ي السيطرة عليه , إما أن تُثبت/ي له أنك سباح/ة ماهر/ة .. فالبدايات دائماً " تزغلل العين " , وتجعل من عاش عمره في تأمل لأحلامه يتحول فجأة إلى مُحققاً لها ولكن بالطريقة الخطأ وبالإسلوب الذي لن يجني أحد ثماره , لن يجد فيه سوى الندم على التسرع والإندفاع فيما فعل , فبدلاً من تحقيق حلم سيجده تحول لكابوس مزعج يُأرقه لحظياً , فإذا أردتوا أن تعرفوا هل ستستمروا على الطريق الصحيح حتى نهاية تلك المرحلة أم لا , إنظروا إلى البداية , هل سارت على النهج الصحيح المُلائم أم ستخرجوا منها مجرد أشلاء لا تقوى على إستكمال المهمة .. خذوا حذركم جيداً ..
2- لا تحصروا قيمة العمر كله في تلك المرحلة ..
لا تضعوا كل معاني السعادة في مجرد سنوات هذه الفترة الـ " مؤقتة " , بل اجعلوا العمر كالبحر الواسع العميق الذي كلما أبحرت فيه وجدت كنوز من اللؤلؤ والمرجان محفور في أعماقه , وما عليك وقتها إلا أن تُبحر عميقاً وتُصارع الأمواج فقط لتحصل على جائزتك الجديدة مع كل تقدم فيه , انظروا إلى صورة المقال , ستجدوا أن العمر مجرد رقم أمام تحقيق السعادة , وفي تلك المرحلة ما عليكم سوى تحصيل مخزون السعادة فيها ووضعها في جيوبكم وبعد إنتهاء تلك المرحلة اجعلوها رفيقاً لكم نحو المرحلة التي تليها , ستصبح حينها السعادة أضعاف مُضاعفة مما كنت تتمنى ..
3- لا تتنازلوا عن أحلامكم ..
الإستغلال كلمة كلنا نبغضها , ونحرص أن نبتعد عمن يحاولون فقط مجرد المحاولة في تطبيقها علينا , بل نسحقهم أيضاً وليس مجرد إبعادهم عنا وفقط , ولكن المعنى الوحيد الذي لا نجد فيه نفور وكراهية له هو " إستغلال الوقت " , نعم , كن على يقين من الآن أن وقت تلك المرحلة سريع , جداً , جداً , وعنيف أيضاً , وإن لم تستغله أشد الإستغلال فأنت هالك بلا أي شك , واحلامك التي حاربت من أجل تحقيقها أمام إضاعتك للوقت ستُهلك هي الأخرى , إنتهز فرصتك فوقتك حينها لن ينتظر إستيقاظك من غفوتك حتى !
4- إياكم واليأس ..
من جديد : إياكم واليأس , اليأس في تلك الفترة هو أهم عوامل تدمير مُخططاتك , يأتيك في لحظةً ما لم تحسب لها حساب , حتى وإن كنت بكامل قواك ومُفعم بالأمل والتفاؤل والإصرار , غريب أمره فهو يأتيك وأنت في قمة توهجك , يصيدك وأنت الصائد المحترف , يُداهمك وأنت لم تضع أمره في رأسك من الأساس ! , وأعلم أن حتى هذا الضيف السئيل وجوده مؤقت " إن " أردت أنت ذلك , فقط , فلن يدعك وشأنك " إن " لم تُلقيه خارج مملكتك بكل ما اوتيت من قوة , فإذا إستمر في وجوده فاعلم أنك ستقضي تلك الفترة من حياتك بؤس سيعصف بأحلامك وبقلبك وبك انت شخصياً ! , إسحقه قبل أن يُدمرك ..
5- لا تدعوا أحلامكم تتحكم بكم ..
لا تدع أهدافك تصبح هي المُسيرة لحياتك , بل تحكم أنت فيها , تذكر أن من يصنع الأحلام من البداية هو أنت , وليست هي التي تصنعك , فإن كانت هي كذلك فأنت تسير في طريق ليس له نهاية , مُجبراً عليه , لا تدري من وضعك فيه وتركك ولمَ تُركت فيه من الأساس ؟! , ليس معك له خريطة حتى لتحاول كيف المسير فيه , وحدك فقط , ولكن عن وضعت أنت الطريق ورسمت بيدك خريطته , وكنت على دراية وعلم بعقباته ومنحنياته , ونهايته وكم يستغرق المسير من أجل الوصول لها , حينها وفقط أنت تسير على الطريق الصحيح ..
6- لا تتغافلوا عن هواياتكم بحجة دراستك ..
هواياتك ليست العائق أمام تحقيق حلمك العلمي , بل هي من أهم الدوافع على الإستمرار والإصرار , لا تتنازل على تلك النعمة التي منحها الله لك , قد تكون يدوية أو ذهنية , قم بتنميتها كلما سنحت لك الفرصة , لا تتغاضى عنها مهما كلفك الأمر , فهي رفيقك وصديقك الصدوق حينما تتخطى تلك المرحلة وتصبح في المرحلة التي تليها " الشيخوخة " , لن تجد سواها معك ولن تجد مهوناً للوقت غيرها ..
7- في تلك الفترة ستشعر بغرابتك قليلاً ..
سيجتاح قلبك الحيرة بشأنك أنت لا بشأن الناس أو الحياة , ستتساءل : كيف تحولت هكذا ؟! , كيف تبدل فكري وإحساسي لهذا الحد ؟! , وتتعمق بفكرك أكثر فتتساءل : ما الهدف من تبدلي هذا , ولمَ لا أبقى على هيئتي الطفولية حتى آخر لحظاتي ؟ , وما الجدوى من كل هذا التغيير ؟ , ولمَ لا أظل على تلك الهيئة ولا أتبدل بعد إنقضاء عدد معين من سنواتي وأتحول لوجة مُنكمش يعتريه التعرجات وعقل يجهل حتى إسم صاحبه ؟! , لا تقلق , كل هذه الإضطرابات طبيعية , كأنها أعراض جانبية من تأثير الصدمة التي حلت عليك , تعايش مع تساؤلات في آمان , ولا تنزعج منها , فبها ستتكون فلسفتك التي ستغدو بها فيما تبقى من حياتك وما هو قادم ..
8- لا تجعل صوتك الداخلي يطغى على طوت من حولك ..
سيطر على " الأنا " الكامنة داخلك , لا ترفض نصائح من هو أكبر منك سناً وخبرةً لمجرد إحساسك أنك لا تختلف عنه في شيء , أنت أكبر من أن ينصحك أحداً , هذا هو غلطك الكبير , بادر بتلقي النصيحة وتشربها , فهي ستمنحك الخبرة فوق تصورك , ودع انانيتك جانباً فلا مساحة لها في هذه الفترة , كلمات بسيطة ممن حولك قادرة على إعطائك مفتاح الحياة , فلا تبخل على نفسك من سماع هذه الكلمات المصيرية ..
9- قبل فوات الآوان ..
ضع هذه الحكمة أمام عين وعيك وإدراكك " من طلب العلا سهر الليالي " .. وأعتقد أنك لا تقبل بالقليل , أليس كذلك ؟
10- وأخيراً ..
تذكر أن الحياة مراحل , مجرد مراحل , فلا تستعجل نهاية أحد المراحل ولا تستبطئ أحداث الأخرى ..
والآن إنتهى المقال , وإنتهت النصائح , فهل وصل إليك المعنى المُستتر وراء كل نصيحة أم أنك لازالت غارقاً في أحلامك ولا تنظر للواقع أو تُعيره أي إهتمام ؟! , احذر , فأحلام دون نظرة خاطفة للواقع , كفيلة أن تجعل أحلامك هذه مجرد خيالات لن تستطيع لمس تحقيقها يوماً ..
التعليقات
مثل ما يقولوا "أسأل مجرب، ولا تسأل خبير" ، الحقيقة أخذ النصائح ممن عاش التجارب هي أفضل بكثير من أخذها ممن تعلمها نظرياً لا عملياً ، وإن كانت المواقف والأحداث تختلف نحتاج فقط لبعض الحكمة والتروي في الأمور ..
مقال جميل ، في كل مرة تناقشين موضوع هادف ورائع ، ولا أنسى أخبارك أن مقال طلع فرعون حاز على الكثير من إعجابي وإن لم أترك لكِ تعليق للأسف (: .
بالتوفيق لكِ.