سبابة - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

سبابة

سبابة

  نشر في 04 يناير 2018  وآخر تعديل بتاريخ 08 ديسمبر 2022 .

أمسكَ الفتى يدَ أبيهِ ,الذي تسمرتْ عيناه على مشاهدِ الدماءِ و صوتَ الصراخِ و رائحةَ الدخان على شاشة التلفاز و التي كأنما ملأتْ الغرفة,و هزها بقوةٍ. و قال: كلُ يومٍ يا أبي ..كلُ يومْ ! لا شيءَ يتغير و لن يتغيرْ … همُ الأقوى .. و سيفعلون كلَ ما يشاؤن. كادتْ مقلتا الأبِ تتدحرجان من عينيهِ و أرتفع َصدرهُ يكادُ يفقدُ أنفاسَه ليس من دهشتهِ لما قالَ فتاه بلْ لأنه إكتشفَْ أنه لا يستطيع نفي ما قالْ. قطعَ صوتُ الجدةِ الجالسةِ في زاوية ِالغرفةِ بجانبِ المدفأةِ الصمتَ: هل ْتعرفُ حكايةَ الجبارِ يا ياسرْ ,سألتْ الفتي.أجابَ الأبُ و الإبنُ معاً: لا. ْأفسحت الجدةُ مكاناً على الأريكةِ الكبيرةِ و المغطاةِِ بغطاءٍ من الصوف . قفزَ الصغيُر الى جانبها و لحقهُ أباه.

في بلادٍ شاسعة ٍمترامية ِالأطراف, كثيرةِ الناس و وفيرةِ الخيراتِ ,كان تاجُْر يسمى عرفات رزقهُ اللهُ من كلِ البركاتْ . كان كثيرُ المالِ و العيالِ , إلا أنه كان مغروراً متعالْ. إستطاعَ بمالهِ شراءَ كلَ شيءٍ حتى إشترى ذمةَ الأمراءِ و إستحوذَ على السلطانِ. تحكمْ في البلادِ كيفما شاء و قد إشتري كلَ طيبٍ حسنٍ فيها و إستعملْ زبانيتِه على كلِ خيرٍ و رزقٍَ فيها. كل منْ عارضهَ أو عصى له أمراً فشلَ و خابْ, و بعدَ حينٍ خلفَ الشمسِ غابْ. أرهبَ الناسَ و نشر َبينهم الفتنْ و فرقَهم أشياعاً ومللْ ,و سخرَهم عبيداً في مُلكِهم و جوعَهم و هم يزرعون بأيديهم قمحَهم و أَرزَهم و يعصرون زيتَهم.أرهبْ العبادَ و ظنوا أن الجبارَ كما أسموه قدرَهم الذي لا مفرَ منه.

كانَ يجلسُ في مجلسهِ في قصرهِ الأبيض المنيف في بهو ٍأعمدتهُ من الذهبِ و أنيتَه من الفضةِ و حولهُ الناسَ مطأطئةَ الرؤوسِ, منكسرةَ النفوسِ, لا تستطيعْ أحدٌ النظرَ في عينيهِ مهابةً و خوفاُ, و لكنهم كانوا يناظرون سبابته التي إذا إرتفعتْ فقد إنقضتْ الأمور ُو نفذتْ الأحكامُ و تمت الحاجاتُ. فجأةْ وقفَ الجميعُ و صمتتْ الأصواتُ لقدومِ شاهين إبنْ الجبار الذي بدأَ الكلامَ بصوتِ عالٍ يفتقدُ للتهذيبِ: أبي أريدُ نعامةْ! نظرَ الجبارُ لإبنهِ قائلاً : ما النعامةُ يا فتى؟ رد شاهين قائلاً: طائرٌ لا يطيرْ, يأكُل حتى الحديدَ شكله ُغريب ٌو عجيبْ. ارتفعتْ الرؤوسُ مع سبابةِ الجبار الذي أمرَ و قال : أحضروا النعامة.

لم يمضِ من الوقتِ الكثيرِ و دعا شاهينُ صحبَه من أبناءِ الملكِ و الأمراء و امتلأتْ القاعة ُبالحضورِ. و أحضرَ الرجالُ قفصاً ضخماً فيه طائرٍ ملجمِ المنقار , مربطْ الأرجل, لفَ جناجيه الى بطنهِ بقماشٍ أسودِ اللونِ. فُتحُ القفصُ, و أُفرج َعن ساقي النعامةِ فوقفت النعامةُُ و ارتفعت أصواتُ الإعجابِ و الإنبهارِ.أمسكَ أحدُ الرجال ِبالحبلِ الغليظِ المعلقِ برقبةِ النعامة ِو شدهَ حتى إنخفضَ رأسُها و قصَ اللجام َمن على منقارِها, فأصدرتَ صوتاً غريباً أثارَ الخوفَ ,مما أسعدَ الجبارُ و ابنهٌ. فِكوا جناحيهِ ,قال شاهين: و كذلكَ فعلَ الرجالُ. طائر ٌجميلُ اللونِ غريبُ المنظرِ .نفضتْ النعامةُ جناحيها فرحةً بالحريةِ للحظةٍ.و رفعَ الجبارُ سبابتَه في غرورٍ و ارتفعتْ معها عيونُ و قلوبُ الحضورِ, و قالْ مخاطباَ إبنه: ها قدْ أُحضِرتُ لكَ النعامةَ فماذا تريدُ بعد! نفضتْ النعامةُ جناحيها مرةً ثانيةً فطارتْ بعوضةٌ من تحتِ جناحها و حطتْ بساقيها الطويلتين على سبابةِ الجبارِ فقهقهِ ضاحكاً و قالْ : و هذهِ البعوضةٌ سافرتْ من آخرِ الدنيا لتموتَ على سبابتي و ضربَها بيدهِ الأخري فقتلَها و أسرعَ واحدٌ من رجالهِ ليمسح َسبابةَ الجبارِ و يزيلَ البعوضةَ الميتةَ و نقطةَ الدمِ الصغيرة.

هو نهارٌ و مضى و رقدِ الجبارُ طريح َالفراشِ تأكله حمى الملاريا كالنارِ لا يعلمون متى يفيقُ و متى ينام. و لم يُجّدِْهِ نفعاً لا مالٍ و لا سلطانْ. غشيهَ الهذيانُ و أهلكتهُ الأوجاعُ و ذهبَ حيثُ لا عودٍ و أصبحَ في خبرٍ كان .لم يقدر ْعليه بشرٌ و ظنَ أنه ماكثٌ في الأرضِ و كلُ ما عليها بإشارةٍ من سبابتةٍ مجبرُ الحضورِ .. سهلُ الإتيان. أمسكَ ياسرُ بيدهِ المرتجفة ِيدَ جدتهِ و قالْ: سبحانَ الله .. قدرتْ عليه بعوضة


  • 2

  • راوية وادي
    كاتبة و رسامة فلسطينية .مدونتها الخاصة علي الإنترنت Rawyaart : (https://rawyaart.com) متفرغة للكتابة و الرسم في الوقت الحالي.
   نشر في 04 يناير 2018  وآخر تعديل بتاريخ 08 ديسمبر 2022 .

التعليقات

عمرو يسري منذ 6 سنة
ذكرتني هذه القصة بقصة النمرود الذي يقال أن نهايته أيضاً كانت بسبب ذبابة , لكن أتدري أختي راوية إنني أشارك ياسر ما يشعر به حتى أنني أفعل تماماً مثل ما فعل عندما أشاهد التلفاز , لقد تمسكت طويلا بالأمل لكنه يتضاءل شيئا فشيئا , أعلم أن الله قادر على أن ينهي كل هذا بكلمة واحدة , لكن الله لن يفعل ذلك ببساطة لأنه قد جعل كل هذا يحدث حتى يختبرنا , و أظن أننا لم ننجح في الإختبار .
إن الشعور بالعجز و فقدان الأمل يحيط بي تجاه ما يحدث في العالم , صحيح أنني أبذل قصارى جهدي فيما يخص شئوني الخاصة , لكن فيما يخص الشأن العام فإنني عاجز عن فعل شيء .
قصة جميلة , بالتوفيق و في إنتظار كتاباتك القادمة .
2
راوية وادي
الأمل في الإيمان بأن الله معنا نحن الصادقون المثابرون بحق. لا زلنا متمسكون بالصواب و الحق و إن كان على الصعيد الشخصى فقط حيث لنا القدرة و القوة و الإختيار لفعل ذلك. شكرا على تعليقك المثري كالعادة.

لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا