فاقة القلب - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

فاقة القلب

المشتاقون إلى الله

  نشر في 01 غشت 2019 .

القلب فقير بالذات وملازم للعبودية فإن عبد لله استراح وعمل فيما خلق له , وإن لم يعبد لله عبد لغيره ولا بد وعمل في غير مخلق له فشقي به صاحبه وأشقى غيره , وفي هذا القلب فاقة منذ خلق فالإنسان يدور حول نفسه وتلح عليه هذه النفس بالطلب وهو لا يدري ماذا يريد وإلى أين سيصل مع هذا القلب , إنه يقيمه ويقعده في أشياء كثيرة ومطالب متنوعة متضادة وهو الحارث والهمام وهي أصدق الأسماء كما قال الرسول عليه الصلاة والسلام , فالإنسان لا ينفك يحرث وينتظر النتائج ولا يزال يهم بالأمر ثم ينقضه بأمر آخر وهكذا لا يهدأ الإنسان ولا يسكن , إذا عرفت هذا سألت السؤال المهم كيف أهمُّ بالأمور النافعة لي وإذا فرغت منها فإلى أي شيء أسكن , أم أني سأظل هكذا أدور في حلقة مفرغة من الهموم والإرادات التي لم تُصلني لبر الأمان النفسي والسكون الروحي , والجواب هو قوله صلى الله عليه وسلم: ((أحرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز , ولا تقل لو أني فعلت كذا لكان كذا وكذا ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل)) لقد أُوجز لهذا النبي الكريم الكلام , فالحرص على ما ينفع يكفك عما لا ينفع , وهو يوفر عليك نفسك ويكثف تركيزك مما يقوي القلب ويملأ النفس ثقة مع الاستعانة بالله وهي غاية العبادة فأنت متى ما استعنت بالله لا تتناقض إراداتك ولن تهم بالأمر ثم تتركه لغيره بلا مبرر فالله جل وعلى في عونك وهو معك يسددك ويوفقك وتَلَمُّح العون الإلهي يملئ القلب إيماناً وعزيمة , وفي المقابل ينهاك عن الوساوس المزعجة والتفاكير الضارة ومنها التأسف على ما مضى ولو أني فعلت كذا وكذا من الأوهام الغير مجدية على صاحبها شيئا , ولا يكفل لك ذلك إلى الإيمان بالركن السادس من أركان الإيمان ألا وهو الإيمان بالقدر خيره وشره ذاك الإيمان الإيجابي لا العدمي السلبي فأنت تنازع أقدار الله بأقدار الله فتبذل الأسباب وتحمد الله على كل حال وتلبس لكل حال لبوسها إما نعيمها وإما بؤسها مستغفراً لذنبك شاكراً لأنعم ربك صابراً على بلاءه وتلك هي السعادة.

يقول بن القيم :((فإن في القلب فاقة لا يسدها شيء سوى الله تعالى أبدا وفيه شعث لا يلمه غير الإقبال عليه وفيه مرض لا يشفيه غير الإخلاص له وعبادته وحده فهو دائما يضرب على صاحبه حتى يسكن ويطمئن إلى إلهه ومعبوده فحينئذ يباشر روح الحياة ويذوق طعمها ويصير له حياة أخرى غير حياة الغافلين المعرضين عن هذا الأمر الذي له خلق الخلق ولأجله خلقت الجنة والنار وله أرسلت الرسل ونزلت الكتب قال بعض العارفين مساكين أهل الدنيا خرجوا من الدنيا وما ذاقوا أطيب ما فيها قيل : وما أطيب ما فيها قال : محبة الله والأنس به والشوق إلى لقائه والتنعم بذكره وطاعته , وقال آخر : إنه ليمر بي أوقات أقول فيها إن كان أهل الجنة في مثل هذا إنهم لفي عيش طيب , وقال آخر : والله ما طابت الدنيا إلا بمحبته وطاعته ولا الجنة إلا برؤيته ومشاهدته وقال أبو الحسين الوراق : حياة القلب في ذكر الحي الذي لا يموت والعيش الهني الحياة مع الله تعالى لا غير , ولهذا كان الفوت عند العارفين بالله أشد عليهم من الموت لأن الفوت انقطاع عن الحق والموت انقطاع عن الخلق فكم بين الانقطاعين , وقال آخر : من قرت عينه بالله قرت به كل عين ومن لم تقر عينه بالله تقطع قلبه على الدنيا حسرات , وقال يحيى بن معاذ : من سر بخدمة الله سرت الأشياء كلها بخدمته ومن قرت عينه بالله قرت عيون كل أحد بالنظر إليه)(. انتهى

لاتزال هذه الفاقة بالقلب وهي نسبية وتزيد وتنقص , ومما يسدها التلاوة والصلاة الطويلة ودوام الذكر , وعند الممات يبشر العبد الصالح بأن لا خوف عليه من المستقبل ولا حزن عليه من الماضي فتنسد هذه الفاقة شيئاً , ثم في القبر يفتح له نافذة إلى الجنة فتنسد هذه الفاقة شيئاً , ثم يوم البعث يركب النجائب ويفد إلى الله وفداً فتنسد هذه الفاقة شيئاً , ثم تثقل كفة الحسنات له في الميزان فتنسد هذه الفاقة شيئاً ثم يأخذ كتابه بيمينه فتنسد هذه الفاقة شيئاً , ثم يشرب شربة من الحوض لا يظمأ بعدها أبداً فتنسد هذه الفاقة شيئاً , ثم يجوز الصراط فتنسد هذه الفاقة شيئاً , ثم يُهَذَّب على القنطرة أو لا يجد له خصيم فتنسد هذه الفاقة شيئاً , ثم يزاحم على باب الجنة ويدخلها فتنسد هذه الفاقة شيئاً , ثم يرى منازله في الجنة حيث لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر فتنسد هذه الفاقة شيئاً , ثم تعانقه الحورية لينسى آلام الدنيا بأسرها فتنسد هذه الفاقة شيئاً , ثم يدعى ليوم المزيد ويحل عليه الرضوان ويُحاضر ويرى الله.

فلا يبقى في قلبه فاقة البتة ويتنعم جسده وروحه في دوام أفراح لا آخر لها بل هو الخلود الناعم , فبهذا تُسد فاقة القلب , فاستيقظ من سباتك ودع عنك كثيراً من المحاولات الفاشلة في البحث عن الطمأنينة بمال أو علاقات أو نجاحات أو ترويح أو غيرها فإن لم تكن على ميزان الشريعة فسعيك في ضلال ومصيرك الوبال وأنت تتبع الخيال.



   نشر في 01 غشت 2019 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا