جلستَ على مائدة الإفطار ، عليها ما لذّ و طاب..تناولتَ فنجان القهوة التي ملأت رائحتها الزّكية المكان..و اختار قلبك قطعة الحلوى المفضلة إليه..
تذكّرتَ أوّل لقاء بينكما ، كان يشبه هذه اللّحظة..كان بريق عينيكما يفضح حبكما و اشتياقكما..
أحسستَ بحزن عميق يملأ مقلتيك بالدّموع، غاب الحبيب، و انطفأت النجوم..،نظرت إلى الفنجان،أين القهوة؟ آخر قطرة إختلطت بآخر دمعة..أحزانك أفقدتك متعة اللّحظة..
تركتَ مكانك، ركبت السيّارة متّجها إلى عملك..كان الجوّ ربيعيّا، على يمينك لوحة فنيّة ،تسطع فيها الشّمس،تتراقص أوراق الشّجر فرحا، و الطّيور من فرط تغريدها تكاد تُسمعك تسبيحها..
على يسراك..جبال شامخات ..
-أتدري؟ إنّ مثلها قد دُكّ دكّا عندما تجلّى له الرّحمان..
نظرتَ إلى صديقك : عمّ تتكلّم؟
-لا تقل لي بأنّ عينيك قد حُجبتا عن كلّ هذا الجمال طول الطّريق..ما يُشغلك؟؟
-المستقبل يا صاحبي..
* * * * * * *
أتدرك بأنّك لا تملك إلاّ اللّحظة؟؟؟تخيّل نفسكتحمل في يمناك ماضيك..و فييسراك مستقبلك المجهول!!
ستتطاير أجزاؤك بين هذا و ذاك..سيتشتّت ذهنك..تُهدر طاقتك..يقلّ تركيزك و تُملأ بأكوام من الأسى و الحسرة و النّدم..

أتدرك أنّك لا تستطيع فعل أيّ شيئ حيال ذلك؟؟أتدري لم؟ لأنّك لا تملك إلاّ *الآن*
هيمجرّذ أفكار، تتلوها أحاسيس تطير بك هنا و هناك، تستعبدك..تسرق منك متعة اللّحظة..
شربتَ القهوة..و لم تتذوقها..
جلست إلى صديقك و لم تحادثه..
تجلّت لك الطبيعة بكلّ جمالها..و تجاهلتها..
هناك فريق،أدرك و خطى أولى الخطوات في طريق التغيير..تغيير نظرته إلى نفسه و إلى حقيقة الحياة...
و فريق أدرك، و لكنّه ينتظر الظروف الملائمة لذلك!!!
و فريق ،لم يعلم أصلا أنّ هناك شيئا إسمه إدراك و وعي..و التغييرات التي يجب أن تحدث بعد هذا..فعسى الله أن يهديه سبيل الرّشاد..
طريق التغيير طويل، مليئ بالحفر و المرتفعات و الإنحدارات..
لا تندهش..هذا هو الثمن الذي سندفعه مقابل فهمنا لحقيقة ذواتنا، و حقيقة الحياة التي نحياها!!!
مقابل سكون النّفس،و الرضا و راحة البال..هذه الكلمات الذّهب التي لم تجد لها متّسعا وسط أنفسنا الغافلة لتنصب خيمتها..
من المؤسف أن نولد و نموت و لم نفهم لم خلقنا، ما هي رسالتنا في الحياة، كيف يجب أن نحياها لنتذوق طعم جنّة الأرض..
و المحزن فعلا ألاّ نتعرّف على حقيقة الإله الذي نعبد..هذا الإله الذي لن نصل إليه إلاّ إذا نفضنا عنّا غبار الماضي و همّ المستقبل..و غصنا في أعماقنا لنتحسّس نوره..
لن نصل إلى هذا كلّه إلاّ إذا أدركنا بأنّ الماضي فعلا لم يعد موجودا إلاّ في ذاكرتنا..و أنّ المستقبل ما هو إلاّ صورة ذهنية نرسمها داخل لوح مخيّلتنا!!
فنحن ما بين حزن الماضي و همّ المستقبل ..تضيع من بين أيدينا متعة الّلحظة و قوّة الآن..
لا تندهش..ستمشي في طريق ممتدّ..تحسّ بلينه و نعومته تارة،و بخشونته و قساوته أخرى.
ستحسّ بدفئ الشّمس ثمّ يفترس صقيع الليل عظامك..
سيخالجك شعور الحب و السّلام ثمّ تنقبض أ سارير وجهك..و لكن..ستصل..بإذن الله،متى؟
لا أدري..و لكن ثق في وعد الله..
إنّ الرّسول عليه السّلام عندما قال:إذا أصبحت فلا تنتظر المساء،و إذا أمسيت فلا تنتظر الصّباح.
لم يكن يدعو إلى الزّهد في الدّنيا ،و لا إلى إنتظار الموت، إنّما كانت دعوى إلى أن نعيش كلّ لحظة بشغف و حب و تركيز و اهتمام..
و هذا هو سرّ الإتقان و الإبداع و الخشوع في الصّلاة و زد على ذلك الكثير ..
اليوم الذي يغيب لا يعود ..فعش كلّ لحظة كأنّها آخر لحظة..عشها بحب الله و النّاس و الحياة..
فربما كان هذا هو سرّ الحياة الطيّبة و النّفس المطمئنّة...
التعليقات
ابدعت حقا ..في وصفك ..للحياة .. و إنحصار تفكير البشر بين ماضي اليم و مستقبل مجهول .. ..رائعة حقا ..
و هي تولد طاقة الدفع للفرد للحركة و عمل ما يمكن لتحقيق هدفه وذاته في الحياة، و تغيير العالم إلى الأفضل
و كما قال عليه الصلاة و السلام: إذا أصبحت فلا تنتظر المساء،و إذا أمسيت فلا تنتظر الصّباح
شكرا يا خديجة