هل تعي عظمة هذا العقل الذي خصّك الله به !
عقل يسافر عبر الزّمن ! يتصفّح ذكريات الماضي و إحتمالات المستقبل و أنت في مكانك دون أن تتحرّك ..و كأنّك هناك ..بمشاعرك و تقاسيم وجهك الدّالّة على إبتهاجك أو حزنك ..
كم هو جميل أن تكون لك ملفّات عديدة في ذاكرتك تستحضرها كلّما رغبت في ذلك وصورا من المستقبل تعيش معها للحظات ..
و لكن ما يجب أن تفهمه هو أنّ هذه النّعمة الربّانيّة يمكن أن تتحوّل إلى نقمة و المنحة إلى محنة إذا لم تدرك كيفيّة التّعامل معها ..
أن تسترجع ذكريات الماضي الجميلة دون الحزينة و تحلم بمستقبل أفضل و تسعى إلى تجلّيه في واقعك فهذا هو الهدف ، أمّا أن تجعل من عقلك عدوّا لك بحيث تسمح له بأن يُغرقك في أحزان الماضي و مخاوف المستقبل فهذا ما يجب أن تحاول تجنّبه ما إستطعت إلى ذلك سبيلا .. لأنّك ستشقى إن لم تحاول و تجتهد ..
هو فعليّا لم يُخلق لمثل هذا ..
بل لتستخلص من الماضي دروسا و عبرا تنفعك لتجميل حاضرك و من ثمّ مستقبلك ..
تقول لي و لكنّني لا أستطيع التحكّم فيه ..أنا معك في أنّ الأمر ليس سهلا على الإطلاق يحتاج إلى المعرفة و الإرادة و المجاهدة والمثابرة ، ولكن كلّ شيئ بالتّدريب يصبح ممكنا ..
فهل أنت مستعدّ لخوض هذه التّجربة التي ستريحك من إضطرابات نفسيّة كثيرة ؟
أن تجد نفسك تفتح باب رغباتك المشروعة بين الحين و الحين فتحزن لأنّها لم تتحقّق بعد فهذا شيئ طبيعيّ لأنّك بشر ، و لكن حاول أن تعود إلى الحاضر بدل أن تجرّك أحزانك إلى هناك طويلا .. حاول أن تُجمّل خيالك و قلبك بحسن الظن بخالقك و ثقتك به و إيمانك بأنّه لن يُضيّعك فهذا أفضل بكثير ، أمّا أن تعيش حاضرك بمعطيات الماضي الحزين و المستقبل المخيف فهذا أمر لا يُطاق و ستدفع ثمنه غاليا نفسيّا و جسديّا و عقليّا و تجليّات ذلك في واقعك لن تُرضيك ..
كلّ شخص على كوكب الأرض عاش ماضيا ممزوجا بالأفراح و الأحزان في نفس الوقت .. لذلك لا تظنّ بأنّك الوحيد الذي تعاني من هذا ..
و لكلًّ قصّته الخاصّة به و عقده الناّتجة عن ذاك الماضي ..
إنّك اليوم هنا .. في الحاضر .. فالماضي قد مضى و اندثر و لم يعد موجودا إلاّ في ذاكرتك .. و المستقبل مجهول .. بيد الله تعالى ..لا نعلم منه شيئا ..
فهل تعي الآن بأنّك لا تملك إلاّ الآن ؟
اليوم فقط تستطيع أن تقرّر بألاّ تسمح لمطارق الأفكار المزعجة من الماضي و المستقبل أن تستعبدك ..قرار و نيّة خالصة حتما يعقبها عون و توفيق من الله فلا حول لنا و لا قوّة إلاّ به سبحانه ..
كيف تعيش اللّحظة ؟
أن تحاول أن تحيا يومك بوعي و حضور بعيدا عن العشوائيّة و الاّحضور الذي تعوّدت عليه لسنين ..و بالتّدريج ..فأفضل الأعمال أدومها و إن قلّت لأنّ المداومة على الشّيئ و تكراره يصبح ممزوجا بكلّ خليّة من خلاياك "
كن حاضرا و أنت تجلس إلى مائدة الغذاء ، تذوّق طعم ما تأكل بدل أن تُنهي الصّحن دون أن تشعر ..
كن حاضرا و انت تشاهد فيديو من إختيارك ، عش مع أحداثه و كلماته بدل أن تسأل في كلّ مرّة عمّا حدث لأنك كنت غائبا ..هناك ..
كن حاضرا و أنت تحادث شخصا بدل أن تقول ماذا كان يقول آنفا فإنّني لم أسمع إلاّ القليل ممّا قال ، فلقد كنت سارحا في أفكاري ..
كن حاضرا في كلّ قول و كلّ عمل تقوم به لتُلبسه بذلك وشاح الإتقان و الإبداع و الإحسان .
إغلق أبواب الماضي و المستقبل وابق هنا ..
****
أراك قد سرحت و ذهبت بعيدا ..
نعم الأمر ليس سهلا لأنّنا ألفنا نمط العيش هذا لسنين و لم نكن نعرف غيره ..
و لكن حتّى وإن لم تنجح في كلّ مرّة لا تيأس و لا تترك الأمر برمّته لأنّ فيه خلاصك من هوى نفسك ووساوس الشيطان المُرهقة.. بل درّب عقلك على العيش هنا في أغلب أوقاتك ..
إستمرّ بتعليم نفسك برحمة وودّ كيفيّة الرّجوع إلى الحاضر كلّما أخذتك منه إلى هناك حيث المخاوف و الأحزان ..
****
..
هل تدرك الآن بأنّك لا تملك إلاّ اللّحظة ؟ تخيّل نفسك تحمل في يمناك ماضيك و في يسراك مستقبلك المجهول! على أيّ منهما ستركّز ! حتما سيتشتّت ذهنك و تُهدر طاقتك و تُملأ بأكوام من الأسى و الحسرة و النّدم لأنّك لن تطيق تحمّل كلّ هذا..
الماضي ليس إلاّ ذكرى..و المستقبل ليس إلاّ صورة ذهنية..
هل إنتبهت بأنّك لا تستطيع فعل أيّ شيئ حيال ذلك؟
إنّها مجرّد أفكار تتلوها أحاسيس تطير بك هنا و هناك، تستعبدك..وتسرق منك
أهميّة اللّحظة ..
إنّك لن تستطيع الرّجوع إلى الوراء و يا ليتك كنت تستطيع لغيّرت الكثير من القرارات الخاطئة و السّاذجة أليس كذلك ؟ لا داعي للتحسّر ، فلو أراد الله أن تكون لنا هذه القدرة لكتبها علينا، و لكنّه بدل ذلك أعطاك الفرصة لتغيّر من نفسك وواقعك في أيّ وقت دون الحاجة إلى الرّجوع هناك ، يريدك أن تنمو و تتطوّر و تنضج مع الأيّام بعدم الرّجوع إلى سذاجتك لا أن تسافر عبر الزّمن لتغيّر ما كان ..
و أن تعلّم ذهنك كيف يكون متفائلا بتخيّل و توقّع كلّ ما هو جميل مهما كانت الظروف من حولك ، بدل هذا التّشاؤم الذي يهلكك جسديّا و نفسيّا و لا يخدمك في شيئ...
أليس الله بقادر على كلّ شيئ !
****
هناك فريق أدرك كلّ هذا فسلك طريق التّغيير..
و فريق أدرك و لكنّه ينتظر الظروف الملائمة ليبدأ التّغيير!
و فريق لم يسمع أصلا أنّ هناك شيئا إسمه إدراك و وعي و التغييرات التي يجب أن تحدث بعد هذا ،فعسى الله أن يهديه سبيل الرّشاد..
الطريق طويل فلا تندهش ..
هذا هو الثمن الذي سندفعه مقابل فهمنا لحقيقة ذواتنا والحياة التي نحياها
مقابل سكون النّفس و الرضا و راحة البال..هذه الكلمات الذّهب التي لم تجد لها متّسعا وسط أنفسنا الغافلة لتنصب خيمتها..
من المؤسف أن نولد و نموت و لم نفهم لم خُلقنا، وما هي رسالتنا في الحياة، وكيف يجب أن نحياها لنتذوق طعم جنّة الأرض....
و المحزن فعلا ألاّ نتعرّف على حقيقة الإله الذي نعبد..هذا الإله الذي لن نصل إليه إلاّ إذا نفضنا عنّا غبار الماضي و همّ المستقبل..و غصنا في أعماقنا لنتحسّس نوره..
لن نصل إلى هذا كلّه إلاّ إذا أدركنا بأنّ الماضي فعلا لم يعد موجودا إلاّ في ذاكرتنا..و أنّ المستقبل ما هو إلاّ صورة ذهنية نرسمها داخل لوح مخيّلتنا ..
فنحن ما بين حزن الماضي و همّ المستقبل ..تضيع من بين أيدينا أهميّة الّلحظة و قوّة الآن..و الأجدر أن ندعو الله و نسعى محسنين الظنّ به ثمّ نستسلم له سبحانه و نتعلّم كيف نعيش الحاضر!
ستمشي في طريق ممتدّ..تحسّ بلينه و نعومته تارة و بخشونته و قساوته أخرى..
ستحسّ بدفئ الشّمس ثمّ يفترس صقيع الليل عظامك..
سيخالجك شعور الحب و السّلام ثمّ تنقبض أسارير وجهك..ستختبر الشيئ و نقيضه و لكنك ستصل.. فكلّ من يسعى بصدق يهديه تعالى سُبُله..
إنّ الرّسول عليه السّلام عندما قال:إذا أصبحت فلا تنتظر المساء و إذا أمسيت فلا تنتظر الصّباح لم يكن يدعو إلى الزّهد في الدّنياو لا إلى إنتظار الموت إنّما كانت دعوى إلى أن نعيش كلّ لحظة بشغف و حب وتركيز و إهتمام و هذا هو سرّ الإتقان و الإبداع و الإحسان ، ولربّما كان هذا هو سرّ الحياة الطيّبة و النّفس المطمئنّة ..
اليوم الذي يغيب لا يعود ، فحاول أن تعشه بحضور ما إستطعت إلى ذلك سبيلا و بالمثابرة يصبح الأمر أكثر يسرا و لا تنسى بأنّ بعد كلّ عسر يأتي اليسر ..
التعليقات
ابدعت حقا ..في وصفك ..للحياة .. و إنحصار تفكير البشر بين ماضي اليم و مستقبل مجهول .. ..رائعة حقا ..
و هي تولد طاقة الدفع للفرد للحركة و عمل ما يمكن لتحقيق هدفه وذاته في الحياة، و تغيير العالم إلى الأفضل
و كما قال عليه الصلاة و السلام: إذا أصبحت فلا تنتظر المساء،و إذا أمسيت فلا تنتظر الصّباح
شكرا يا خديجة