محورية المتن في تقييم الاخبار - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

محورية المتن في تقييم الاخبار

  نشر في 13 أكتوبر 2021 .

 

ان محورية القيمة المتنية للخبر مما يصدقه بل ويقره سلوك العقلاء في تعاملاتهم الحياتية، والشرع جرى على ذلك، ولحقيقة كون الشرع نظاما له دستور وروح ومقاصد وقطب تدور حوله باقي اجزائه وانظمته كان الرد والتناسق والتوافق اوليا واساسيا فيه. فكل ما يخالف تلك الروح والمقاصد لا يقر. ولا يتحقق اطمئنان ولا استقرار انتسابي ولا اذعان تصديقي الا بان تكون المعارف متناسقة متوافقة يشهد بعضها لبعض وهذا مطلب عقلائي ارتكازي.

لا بد من التأكيد والتذكير دوما ان الشرع نظام معرفي واضح المعالم والحمد لله وهي حصانة له، وفيه معارف ثابتة قطعية لا يصح مخالفتها لأنه من نقض الغرض ومن الاخلال بالنظام. فالأخبار الظنية مهما كانت صحة سندها خاضعة لعملية الرد والعرض والى وجوب تبين مدى الموافقة والتناسب ومدى الاقتراب من أصول الشريعة او مدى ابتعادها وشذوذها وهذا هو الاتصال المتني المعرفي الذي يقدمه منهج العرض بديلا حقيقيا وصادقا عن الاتصال السندي. وهل يعرف غرابة وشذوذ ما ينسب للشرع بظنون نقلية من تفسيرات لآيات او تأويلات او روايات احاد الا من خلال الرد والعرض، بل ان سيرة المتشرعة حمل ظواهر الأحاديث المشكلة على ما يوافق الثابت بل ان ظواهر الايات المتشابهة يحمل على محكمها، وهذا كله من تطبيقات العرض والرد.

فالتقييم المتني متجذر وعميق في الشرع كما هو حال اي نظام معرفي دستوري اختصاصي يحتكم الى عمومات وقواعد ثابتة ظاهرة هي روح النظام وجوهره لا يقبل الا ما توافق معها ويرد ما خالفها، وعلى ذلك كانت المعارف الشرعية الثابتة بل الارتكاز الشرعي المصدق بسيرة العقلاء بل وفطرتهم. فمن الجلي جدا ان ما يخالف ما هو قطعي من الشرع يكون مشكلا بل احيانا يحكم بانه منكر وأحيانا يحكم انه كذب. ولقد رد او كذب السلف والاعلام ومن لا يشك في ورعه وتقواه معارف كانت بهذه الصفة ليس الا انهم طبقوا الرد والعرض عليها.

لقد بين القرآن الكريم وبوضوح بان الحقية والعلمية والباطلية والظنية هي صفة للمتن بذاته بغض النظر عن ناقله، قال تعالى (وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (*) وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ [الأنعام/115، 116]). فلاحظ كيف جعل الله تعالى الصدق والواقعية مصدر المعرفة وان غيره من الظن لا ينفع وان قال به الاكثرون. ولا ريب ان الاكثرية مصدر اطمئنان عند بعض اهل القرائن.

ولاحظ هذا الاعتبار في قوله تعالى :( سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آَبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ [الأنعام/148]). ان الامر هنا وجه الى كافرين كما هو معلوم وطلب منهم اخراج علم، فالعلم لا يتعارض مع كون ناقله كافرا، وهذا ظاهر في ان المركزية للمتن وليس للناقل اذ النقلة كفرة فضلا عن كونهم فسقة. وفي المقابل قال تعالى (وَآَمِنُوا بِمَا أَنْزَلْتُ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ وَلَا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآَيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ (*) وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ [البقرة/41، 42]، فالآية صريحة ان علمية الانسان لا تحصنه من الباطل ولا تمنعه فان الملبسين هنا وصفهم بالعلم اي انهم عالمون والمعروف انهم علماء قومهم، والعلم بالإخلال والتحريف كشف عن عدم امانتهم وليس العكس. فالمركزية هنا ايضا للمتن فالخلل بالمتن من تلبيس وكتمان مع درايتهم وضبطهم وعلمهم الا انه كشف عن عدم امانتهم وعدم صدقهم. اجل من خلال بطلان المتن الذي نقلوه عرف عدم امانتهم وليس العكس. فالتقييم النتني طريق الى التقييم النقلي (ومنه السندي) وليس العكس كما هو مشهور الآن.

وانظر الى هذا الاعتبار بالمتن أيضا، قال تعالى (وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ [البقرة/144])، ولا ريب ان علمهم بكون الدعوى حق هو لاجل ما فيها من مضمون اي لاجل متنها وليس لمعرفتهم او اعتقادهم ان النبي امين لا يكذب فهم ليسوا من اهل مكة الذين علموا ذلك، كما ان علمهم لم يعصمهم من الانكار والاخلال بالنقل وبما قدموه من نقل، فالعلمية والضبط والخبرة لا تحصن الانسان من الاخلال بالمتن. وهذا العلم انما كان لاجل عرضهم وردهم ما في الدعوى اي المنتن الى ما عندهم. ومثله قوله تعالى (الَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ [البقرة/146]) فان درجة اليقين هذه انما تحققت بالرد والعرض ومطابقة ما في دعوى الرسول صلى الله عليه واله لما عندهم وليس لإيمانهم او وثوقهم به. كما ان علمهم وخبرتهم وضبطهم لم يمنعهم من الكتمان والاخلال بالمتن، وكلا طرفي الكلام يبين ان الأساس والمحور هو المتن وليس الناقل ولا السند كما هو مشهور.

في ضوء ما تقدم تتضح مركزية المتن في تبين كون المعرفة حقا بل وفي كون (التصديق) المصدقية الاساس الواجب الذي بتخلفه يتخلف العلم بكونها حقا. ومن هذا يتفرع ويتضح مركزية الصفات المتنية كمميز اساسي للأحاديث الظنية كخبار الاحاد من كونها ما يطمأن له ومما لا يطمأن له. ومن المعلوم هذا التمييز الاطمئناني هو الاساس لجميع المسالك التمييزية العقلائية بجميع مشاربها في مفهوم الحقيقة والعلم، ووفق المنهج المتني ومنهج العرض فالحديث الظني الذي له شاهد ومصدق من القران والسنة يكون داخلا في خانة الاطمئنان والعلم بغض النظر عن قوة طريق روايته او ضعفه. والحديث الظني الذي ليس له شاهد او مصدق من القران او السنة يدخل في خانة عدم الاطمئنان ويبقى ظنا بغض النظر عن ضعف طريقه او قوته. ومن ثم جاء حديث العرض ليكون نصا في الباب كمصداق وتطبيق لكل تلك المعارف وفرعا لها، وهو ما استفاض النقل به والذي سأذكرها مفصلا ومنها قول رسول الله صلى الله عليه واله: إذا حدثتم عني بالحديث فأنحلوني أهنأه وأسهله وأرشده، فإن وافق كتاب الله فأنا قلته، وإن لم يوافق كتاب الله فلم أقله. (اخرجه في المحاسن عن هشام بن الحكم بسند صحيح)، وقال رسول الله صلى الله عليه واله - في خطبة بمنى-: يا أيها الناس ما جاءكم عني يوافق القرآن فأنا قلته، وما جاءكم عني لا يوافق القرآن فلم أقله. (اخرجه في المحاسن عن الهشامين وغيرهما بسند صحيح). وهذا ما نسميه الصدور التنزيلي أي من خلال المتن وموافقته الكتاب يحكم بالثبوت والصدور لأنه قال (فانا قلته). وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: ما أتاكم عنا من حديث لا يصدقه كتاب الله فهو باطل. (اخرجه في المحاسن عن كليب بن معاوية وهو ثقة بسند صحيح)



   نشر في 13 أكتوبر 2021 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا