خلل أخلاقي! - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

خلل أخلاقي!

  نشر في 06 نونبر 2020 .

لماذا يُصدم البعض عندما نخبرهم عن حال الجواري والجنس والسبايا في التاريخ الإسلامي وكأن هذا خللا أخلاقيا عظيما، بينما كان هذا أمرا عاديا جدا بالنسبة للإنسان القديم والمسلمين القدامى؟


الجواب أن موضوع الجنس كان أصلا لا يُعتبر ضمن الموضوعات الأخلاقية. فهو كان متوفرا ووافرا للجميع، لأي مسلم عبر الجواري والإماء أو من حيث مرونة الجواز، كسهولة المهور والتعدد ونحو ذلك.


لا أقول أن ذلك صحيحا على ذلك الشكل الفجّ، ولكن بشكل عام هذا أمر مألوف وطبيعي لدى البشرية منذ القدم فضلا عن المسلمين القدامى. وهذا ما كان عليه النظام السائد لدى البشرية منذ عشرات آلاف السنين، وليس الـ100 سنة الماضية فقط هي التي خلت من ذلك.


لذلك هذا ليس خللا أخلاقيا بالحد الذي يتصوره البعض لأنه متأصل في الطبيعة البشرية في غريزته البيولوجية منذ مئات آلاف السنين حسب علم النفس التطوري والأنثروبولوجيا. هذه غريزة متأصلة في طبيعة الإنسان.


أنتم تُصدمون من هذه الأشياء لأنكم لم تعيشوها وتألفوها في عصركم فقط، على الرغم أن هذا متجذرا في طبيعتكم، وعلى الرغم، وهذا الأهم، أن البشرية عاشت ذلك لعشرات آلاف السنين وأكثر من ذلك. والحيوانات هي إلى الآن تعيش هذا النظام تماما، لم يتغير، ونحن كنا نمارسه مثلهم، لأنه فعل غريزي بالنفس ولا مدخل للأخلاق فيه بالقدر الذي يتصوره الناس في يومنا هذا. فقط في العصر الحديث حدث هذا التغيير والإنفصال. 


هذه الأيديولوجيات جميعها شوهت جزءا من طبيعتنا تارة بنكرانها وتارة بإضفاء أمور عليها خارجة عن حقيقتها. تتفاوت كل منها في قدر التشويه ونوع الجزئية وحجمها. هذا نكران لحقيقة النفس ونكران للطبيعة الغريزية فيها.


يجب أن نفهم جوهر الدين وروحه، وجوهر أي أيديولوجيا، على أنه جاء في وفاق مع الطبيعة الداخلية للإنسان والطبيعة الخارجية له في الواقع حوله، ولم يأتِ في تضاد وعناد؛ لأن هذا هو جوهر الدين في الحقيقة. ليس على هذه المسألة فقط، بل على جميع مناحي الحياة الأخرى. بحيث نخلق توفيقا بين منهجية القيم الشاملة وبين منهجية الطبيعة المتأصلة كي يتحقق التوافق والإنسجام بين بعضهما ولا يتعارضا إلى حد يؤدي إلى التطرف والتصلب، أو إلى التفكك والإنهيار. برأيي أن كُتب الدكتور عبد الرزاق الجبران هي الأفضل لمثل هذه القضايا. 


أما موضوع الأخلاق، فالقارئ والمراقب لها جيدا عبر التاريخ الإنساني يعلم أنها جميعها ارتبطت بمفهومي المنفعة والمضرة تجاه الإنسان. جَلْبُ المنفعة له وَدَفْعُ الضرر عنه وعن هذين المفهومين انبثق مفهوم الخير والشر. أي أن مفهوم الخير والشر انبثقا وتبلورا ضمن دائرة المنفعة/اللذة والضرر/الألم. كما أن منظومة الأخلاق هي نفسها تختلف عبر التاريخ وفقا لاختلاف الظروف الزمانية والجغرافية والاجتماعية بين البشر. والتفصيل ليس هنا، فنيتشه ألف كتبا كثيرة حول تأصيل ذلك وتفصيله. تجدون ذلك في كتبه. المقصد من هذا أن دائرة الأخلاق متسعة وشاملة في حقيقتها، ولا تنحصر في منظومة صغيرة ونظام محلي ضيق كما نظن. 


لا أقول أن تلك الممارسات صحيحة، ولكن ذهبنا إلى حد أنكرنا فيه جزءا من طبيعتنا باسم الأيديولوجيات، وهذا هو خطأها. وهذا في العصر الحديث فيما يتعلق بهذا الأمر. والمقصد فقط هو أن نوفق بين القيم الشاملة وبين طبيعة الواقع بما فيه طبيعة الإنسان. ونتيجة هذا النكران والتعنّت وتطبيقه على أرض الواقع هو القمع والكبت الذي أدى بعالمنا العربي إلى أمرين لا ثالث لهما؛ إما إلى الإنفجار والتمرد، أو إلى الازدواجية والكذب. شاركت سابقا دراسات تثبت صحة ذلك وهي موجودة في صفحتي. وما نشهده من حوادث مثل التحرش، الإغتصاب، الخيانات الزوجية وجرائم الشرف في عالمنا العربي، ما هو إلا من آثار هذه الفلسفة المُغيَّبة والمبتورة عن حقيقة الواقع وكيفية معالجتها بطريقة صحيحة.


فوق كل ذلك، الجنس هو نشاط فيزيزلوجي طبيعي شأنه شأن المأكل والمشرب. لا أجد حريجة بالتحدث عن أمره وإيجاد حلول واقعية لمثل هذه المسائل بعيدا عن أي تأثير أيديولوجي. فكما للجائع المضطر حق سرقة طعامه عندما تنعدم الفُرص جميعها أمامه كي يسد جوعته الغريزية، كذلك إلحاح الغريزة الجنسية تدفع صاحبها كي يسد جوعتها ومطلبها بغض النظر عن الطريقة التي يلجئ إليها. وهذا هو الطبيعي بنظري، وبنظر العلم والحقيقة. 


لكن الشئ الغير طبيعي هو محاولة الإنسان أن ينكر أن هذا ليس طبيعيا، مما يؤدي به إلى الكذب على طبيعته أولا والحقيقة التاريخية ثانيا. وهذا ما سيؤدي به لاحقا إلى الوقوع في الازدواجية والتناقض بفعل الكبت والقمع الذي يعانيه كحل لمشكلته. والسبب هي القوانين المتصلبة المفروضة عليه، والذي قد يكون هو أيضا مساهما بتثبيت دعائمها على نفسه من دون وعي وإدراك بآثارها السلبية على المدى القريب أو البعيد.


وذلك ما أكد فلسفته الصحابي أبو ذر الغفاري حينما قال: ”عجبت لمن لا يجد قوت يومه، كيف لا يخرج على الناس شاهرا سيفه“. لأن أبا ذر هنا لا يرى فحسب أن للمضطر حق أخذ كفايته، وإنما وجوب أخذه ولو بالقوة وبكفٍ دامية. لأنه يراه أخذ حق وليس سرقة. فمطلب الغريزة يأتي أولا ولها الأحقية في ذلك، ثم مطلب القانون يأتي ثانيا، وعليها (الغريزة) تُبنى فلسفة القانون أصلا. فهي ذات الإنسان التي تقوم عليها حياته ومعاشه وتحكم على استمراريته وفناءه. وعلى الرغم أن القوانين في ظاهرها هي ابتعاد عن الغرائز عبر كبتها وقمعها، إلا أنها في حقيقتها وجوهرها لم تنبثق في التاريخ البشري إلا لكي تخدم الغرائز على طول سيرورتها؛ لأنها أساس وجود الكائن.


والخلاصة أرى من الأفضل أن نفصل بين موضوع الجنس وبين الأخلاق أو أن لا نقحمه فيها بالحد المتزمت الذي فعلنا في واقعنا العربي. وذلك ما نجح الغرب فيه تقريبا بترسيخ فلسفته. لأن هذا ما كانت عليه البشرية منذ الأزل إلى جانبها الحضارة الإسلامية، وهذا ما عليه طبيعتنا. فما فعله الغرب هو أن وفّق بين النظام القديم من جهة، وبين النظام الحديث من جهة أخرى. أما نحن فقد علقنا بين النظامين، القديم والحديث، من دون أن نسعى لإيجاد حل واقعي لهذه المشكلة. ونتيجة هذا، هو ما قرأتم في الأعلى، وما ستقرأون في الأسفل.


أظهرت دراسة أن السعودية تُعتبر ضمن الدول العربية في ركب الخيانات الزوجية بين الرجال والنساء على حد سواء، على الرغم أنها من أكثر البلدان حفاظا على التعاليم الدينية والتقاليد الاجتماعية.


المصدر:

https://www.google.com/amp/s/www.milleworld.com/arabs-cheating-infidelity-divorce/amp/


بغض النظر عن الحجم الحقيقي للخيانات أهي كبيرة أم صغيرة، ولكن هذا يدل على أن ذلك يحدث فيها مع باقي الدول العربية الأخرى، على الرغم من الحفاظ الكبير الذي يتسم به المجتمع السعودي. وهذا ينطبق على جميع الدول العربية الأخرى طبعا، وليس على السعودية حصرا. لكن السؤال لماذا حدث هذا في دولة كهذه؟ حدث بسبب القمع والكبت المفروض على الشعب. 


لذلك من العيب تعيير الشخص وحط شأنه في ما يتعلق بهذا الأمر، كما في هذه الصور وغير ذلك مما سبق، وهو في حقيقته يتعرض للقمع والكبت المفروض عليه من الخارج من جهة، ومن جهة أخرى أن هذا طبيعة غريزية في بنية الكائن.


رأيت الكثير من الفتيات والشباب ينعتون أولئك الناس بأشنع الألفاظ بشكل تعسفي وجاهل، وهم لم يتعرضوا للمحنة التي يقعون/يقعن بها، ومن بين هؤلاء الناس من ذوي الفهم والعلم. هذا معيب حقا. أنا عندما أنتقد مجتمعاتنا فإنني أتوجه بالنقد لكل العناصر الفاعلة والمؤثرة سلبا على أرض الواقع. مثل نوعية النظام الاقتصادي ويشمل جودة المعيشة التي يعيشها الشخص، والنظام الاجتماعي ويشمل جودة التربية والتعليم وغير ذلك، والفلسفة التي يتبناها المرء في حياته كالجهل والمعرفة الزائفة...إلخ. يعني على الرغم من كل انتقاداتي، لا أغفل دور المؤثرات/الظروف الخارجية على تكوين الشخصية والعوامل الداخلية النفسية أيضا. أنا أدرس علم النفس وأدرك جيدا ما أقول. وقد أخطئ في أمور أخرى، هذا يقع على الجميع.


وإلا، لو جاز أن نهزء ونذم شخصا أو أمة لذلك، فهل يجوز أن نطلق ذمنا على المجتمع السعودي وعلى جميع المجتمعات العربية الأخرى؟! بهذا الشكل من التعميم المُجحف؟ الأمر له عوامله الخارجية والداخلية، ولكن بحال هؤلاء، السببية الأكثر تأثيرا هي القمع والكبت. وهذا قانون بديهي كما سلف؛ القمع والكبت يتبعه حالتين لا ثالث لهما؛ إما الانفجار والتمرد، أو الكذب/التحايل والازدواجية كحل بديل للمشكلة. فقبل الحُكم يجب الفهم، وقبل الذم والتجريم، يجب النظر إلى كيفية معالجة القضية بشكل واقعي وجدي.


والأفدح من هذا وهنا تقع الازدواجية، ألم يلاحظ بعضكم أنكم تنعتون النبي نفسه بالألفاظ المَشِينة من جانب خفي، أدركتم ذلك أم لم تدركوا، لأنه كان يتّبع هذا النظام في تعدد الزوجات والنساء؟! فذلك ما كان عليه العالم القديم من النظام الأخلاقي/الاجتماعي السائد من الناحية التاريخية، وهو كذلك من الناحية البيولوجية، ولم يكن يرونه على أنه شنيع بالقدر الذي نراه اليوم. وإلى الآن تتواجد مجتمعات تقليدية تتّبع نظام التعدد في الزواج لكلا الجنسين من الرجال والنساء على حد سواء، كما بينت بمقال سابق لي.


الرسالة إليكم هي أن توسعوا منظوركم لدائرة الأخلاق، فهي ليست ضيقة ومحلية إلى هذا الحد كما تعتقدون. ومن ثم ذهب البعض وتظاهر بالغضب لرسمة عن النبي، وهم يسيئون إليه أكثر بألف مرة مما فعلت الرسومات. أقسم أن الله لا يرضى بذلك بحق النبي وبحق الإنسان العادي؛ بل وبحق الإنسانية والعقل. احترموا عقولكم أيها الناس، واحترموا الإنسانية.



  • Muhannad Ajlani
    طالب علم نفس، مهتم بالعلوم الإجتماعية والإنسانية.
   نشر في 06 نونبر 2020 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا