نعمة الفهم والتدبر
نشر في 04 فبراير 2017 وآخر تعديل بتاريخ 08 ديسمبر 2022 .
نعمة الفهم والتدبر
ذ/ محمد خلوقي
-----------------------------------
من يحصر النعمة في الاكل والشرب، فقد قل وعيه وقصر ادراكه، وتكلس فهمه، واقترب هلاكه ، وقد يتحول الى اشبه بذاك الثور الذي يفرح كلما زادت كمية علفه و درجة تسمينه ، دون ادراك منه ان ذلك انما يُدني بذبحه ويعجل بسلخه ، هكذا وقَفت فُهوم العامة قاصرةً مُقتصِرَة عند حدود الملذات الزائلة ، ونسيت او عميت أبصارها عن كون نعم الله على خلقه لا تعد ولا تحصى ، كما قال سبحانه وتعالى في سورة ابراهيم ( وان تعدوا نعمة الله لا تحصوها، إن الانسان لَظَلُوم كفار ).
وأقف في هذا التأمل المتواضع عند واحدة من النعم الكثيرة التي يصعب عدها..وهي نعمة الفهم و التدبر في النعمة نفسها :
كالتدبر في تيسيرها او تعسيرها.. في إقبالها او إدبارها.. في منحها او منعها .في سرعة مجيئها او تأخرها .
فمن فتح الله عليه بالفهم والتدبر للنعمة من حيث حكمةُ تخلِيَتها او تحليَتها ، فقد أوتي نعمةَ النعم .. ومنازل القمم، بل قد بلغ شأو العابدين الشاكرين الذاكرين . ودون ذلك فهو في عامة الناس ودهمائهم ممن تجدهم عن هذه الحقيقة غافلين او معرضين ، ومن زوال النعمة هم وَجِلون ، او بوفرتها هم مهوسون ومتهافتون ، ولحدوثها هم مرتقبون ..وعن سواها لاهون .. والسبب في ذلك ان فهوم العامة قد انحسَرت وحوصرت في مربع مادي جد ضيق ،لا يحوم فقط الا حول البطن وما احتوى ،والجسد وما اكتسى .. فتمّ تضيع الغاية والهدف .. واصاب القوم ضيق و قلق ،و شاع في فكرهم وسلوكهم انحراف ونزق.
واعتقد جازما ان في تدبر النعمة بكل اشكالها وعند شاكرها ..هي في حد ذاتها نعمة من النعم ..وأن فهم وتدبر ماساة كل لاهث وراء عطية غير مستحقة ..يعد كذلك نعمة من النعم ..وأن تدبر سالِب نعمة الآخرين بغير حق .. هي كذلك نعمة فهم ، بها نحارب كل وَهْم وهَمّ ..
كما اعتقد ان نعمة الفهم اذا ما حصلت عند المرء ، فقد تفتح له فتوحات جديدة نحو سعادة أكيدة ، وراحة متواصلة ،وغير عادية ، لا يتلذذها الا من ذاق حلاوتها.. كما انها تبعده عن كل شعور بلهيب السخط ،و عبث اللغو ،و خطل اللغط .
-------------