المساجد في فلسطين - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

المساجد في فلسطين

  نشر في 28 ديسمبر 2015  وآخر تعديل بتاريخ 08 ديسمبر 2022 .


أ. بسام أبو عليان

لو عدنا إلى كتب التاريخ والسير وبحثنا في بطونها، سنجد في كتاب "سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد" للدمشقي، وكتاب "تاريخ الكعبة" للخربوطي، أنه لما هبط آدم عليه السلام وزوجه حواء من الجنة إلى الأرض، كان أول شيء فعله آدم عليه السلام هو: بناء "الحرم المكي"، وهو أول مسجد وضع في الأرض، قال تعالى: {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ} [آل عمران96]. وبالوقوف على البدايات الأولى للتاريخ الإسلامي، نجد أن أو فعل فعله الرسول صلى الله عليه وسلم حينما حطت رحاله في المدينة هو: بناء المسجد (مسجد قباء)، الذي قال الله تعالى في حقه: {أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَم مَّنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىَ شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [التوبة109].

بناءً على ما سبق نستنبط، أن المسجد يعتبر ركنا أساسيا من أركان بناء المجتمع المسلم.

إن الغاية الأساسية من إقامة المساجد في الأرض هو العبادة والتقرب إلى الله تعالى، وإقامة شعائر الإسلام، قال تعالى: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ} [النور36]. وفي موضع آخر بيّن الله تعالى صفات عمّار المساجد، فقال: {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللّهِ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاَةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللّهَ فَعَسَى أُوْلَـئِكَ أَن يَكُونُواْ مِنَ الْمُهْتَدِينَ} [التوبة18].

إن المسجد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين لم يكن مقتصرا على أداء الصلوات والشعائر التعبدية فقط. بل كان للمسجد شأن عظيم، إذ من خلاله كانت تسيّر كافة شئون المجتمع المسلم. وقد تعددت الأنشطة التي كانت تنطلق من المسجد، منها على سبيل المثال:

كان المسجد يقوم بدور مؤسسة تعليمية، يهتم بإعداد وتربية النشء على موائد الإسلام، فمن خلال المسجد يتعلم أفراد المجتمع (حفظ القرآن الكريم وتفسيره، والحديث، والفقه، والعقيدة). وكان يقوم بدور مؤسسة تشريعية: يناقش القضايا العامة التي تهم عموم الناس، وتتخذ القرارات بالشورى. وكان يقوم بدور مؤسسة عسكرية: حيث كانت كل الجيوش التي شاركت في الغزوات والسرايا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين كانت تعد وتخرّج من المساجد، بعد أن تشربت المفاهيم الإسلامية في شكلها الصحيح، وتعلمت قيم وأخلاقيات الجهاد في الإسلام: (لا تقتل طفلا، أو شيخا كبيرا، أو امرأة، أو راهبا في صومعته، ولا تقتلع شجرا... إلخ). كذلك كان المسجد يقوم بدور مؤسسة إعلامية، وكان المسجد بمثابة دار للضيافة: فالوفود التي كانت تفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم أو الخلفاء الراشدين من خارج المدينة، كان يتم استقبالها في المسجد. وكان المسجد يقوم بدور دار قضاء للحكم والفصل بين (المتخاصمين والمتنازعين). ومن الأدوار الهامة التي كان يؤديها المسجد أيضا أنه كان بمثابة مؤسسة اجتماعية تهتم وترعى كافة الناس، وتقدم الخدمات الاجتماعية المختلفة للناس سواء كانت مساعدات مادية أو توجيهية وإرشادية.

تلكم كانت الصورة المشرقة للمسجد على العهد الإسلامي الأول. وإذا ما حاولنا أن نعقد مقارنة بين دور المسجد على عهد المجتمع الإسلامي الأول، ودور المسجد في المجتمعات الإسلامية المعاصرة، نجد أن البون شاسع، والفجوة كبيرة، ولا وجه للالتقاء إلا في وجهين: الأول/ المسمى (مسجد)، الثاني/ اقتصار دور المساجد على أداء الصلوات والشعائر التعبدية فقط. أما بقية الأدوار الأخرى فهي معطلة ومغيبة تماما عن المسجد. بعد هذه المقدمة سأخصص الحديث عن المساجد في المجتمع الفلسطيني.

المساجد على عهد الاحتلال الصهيوني:

من الأمور المسلم بها أن ممارسات الاحتلال الصهيوني بحق المجتمع الفلسطيني شاملة، فلم يسلم منها بشر ولا حجر ولا شجر، ومن بين ما لحق به الاعتداءات الصهيونية (المساجد). فقد كانت ولازالت المساجد هدف للعدو الصهيوني، فهي محاربة يشكل مقصود ومتعمد وبشكل مخطط له. فمنذ اللحظات الأولى على قيام الكيان الصهيوني الغاصب نجد قائمة طويلة بالمساجد التي هدّمت (بشكل جزئي أو كلي)، وأخرى حوّلت إلى إسطبلات للخيل، وثالثة حوّلت إلى حانات للخمور وممارسة الفاحشة، ورابعة شمّعت بالشمع الأحمر ومنع المصلين من الوصول لها، وفي أحسن الحالات يسمح لذوي الأعمار الكبيرة كما هو الحال في المسجد الأقصى والمسجد الإبراهيمي، وخامسة تعرضت للحرق وارتكبت فيها مجازر لتكون شاهدة على العنجهية الصهيونية.

كل هذه التصرفات والتعديات الصهيونية على المساجد لأنهم يعلمون علم اليقين أن هذه المساجد هي التي تنشئ جيل العقيدة الذي سيأخذ على عاتقه تحرير فلسطين من دنس ورجس يهود. والكل سمع بمقولة أحد الحاخامات حين قال: "لا يمكن للعرب أن يهزموا إسرائيل إلا حينما يبلغ عدد المصلين في صلاة الفجر مثل عددهم في صلاة الجمعة". لذلك يعمل يهود جهدهم لمنع هذه حدوث الظاهرة، فحاولوا إغراء الشباب بكل الوسائل، للانغماس في الشهوات والملذات وقتل الوازع الديني عندهم.

وعلى الرغم من كل الجهود الصهيونية لنشر الانحلال والرذيلة في المجتمع الفلسطيني وإبعادهم عن دينهم، إلا أن كل هذه المحاولات باءت بالفشل.

ـ سنقفز على بعض المحطات التي مرت بها المساجد في فلسطين ونصل إلى مرحلة اندلاع انتفاضة الأقصى 28/9/2000م ـ، فمع انتفاضة الأقصى بدأ ينتشر في المجتمع الفلسطيني ما اصطلح على تسميته "الصحوة الإسلامية"، إذ أصبح أغلب عمّار المساجد من شريحة الشباب وصغار السن الذين كانت المساجد تفتقد إليهم في مرحلة ما قبل انتفاضة الأقصى، كما أن أغلب المساجد صارت مليئة بالمصلين في الصلوات الخمس. حتى صلاة الفجر التي كانت تشتكي إلى الله هجران المصلين لها، ولم يكن يؤديها إلا كبار السن فقط، الآن هناك عدد لا بأس به من الشباب وصغار السن الذين يحافظون على عليها جماعة في المسجد.

كذلك في فترة انتفاضة الأقصى تم تفعيل دور المسجد وإعادة الحياة له من جديد، إذ أصبحت المساجد مثل خلايا النحل، منطلق لكل الأنشطة والفعاليات الإسلامية والاجتماعية والسياسية، فتجد: (مراكز التحفيظ، الندوات العلمية، الدروس والمواعظ الدينية، المحاضرات السياسية، إحياء المناسبات الدينية... إلخ).

لكن على الرغم من عودة الحياة من جديد إلى المساجد إلا أنه لازال دور المسجد يمشي بخطى سلحفاة ـ بطيئة ـ، ولم يصل إلى الدرجة المأمولة والمطلوبة.

انعكاس الانقسام السياسي على رسالة المسجد:

الانقسام السياسي ترك بصماته وآثاره على كل شيء في المجتمع الفلسطيني. وكانت المساجد هي الأكثر تضررا من الانقسام. فلم يعد للمسجد صورته المشرقة المرتبطة بالإيمانيات والعبادات والتقرب إلى الله والابتعاد عن مظاهر الحياة المادية، بل أصبحت المساجد في فلسطين مرتبطة في أذهان الناس ـ بشكل تلقائي ـ بالأحزاب والتنظيمات السياسية والجماعات الدينية المشرفة عليها. وقد صنفت المساجد بحسب تلك الجماعات والأحزاب؛ فهذا المسجد تحت إشراف حركة حماس، وثاني بإشراف الجهاد الإسلامي، وثالث تابع لجماعة الدعوة والتبليغ، ورابع تابع لأهل السنة والجماعة، وخامس للسلفية، وهكذا. وفي بعض الأحيان ذهب البعض إلى أبعد من ذلك بأنهم إذا رأوا أحدا داوم على الصلاة في مسجد ما لم يتورع باتهام هذا الشخص أنه ينتمي لتلك الجماعة التي تشرف على المسجد!

كما أن هناك الكثير من المصلين الذين اعتزلوا المساجد خشية من تقارير الزور والبهتان، وآخرون هجروا المساجد خشية قطع الرواتب. في المقابل هناك من التزم بمسجد بعينه، والصلاة خلف إمام بعينه عله يحصل على رضاه ليتم تزكيته إلى وظيفة ما، أو الحصول على كوبونة. فأصبحت العبادات والشعائر في المسجد يغلب عليها "الرياء" ـ إلا ما رحم ربي ـ، فعنصر التقرب إلى الله أصبح في الدرجة الثانية أو الثالثة في غاية الفرد من التردد على المساجد.

إن الصورة السلبية التي علقت في أذهان البعض عن المساجد تحتاج إلى جهد كبير حتى يتم تصحيحها، وحتى يعاد للمسجد دوره الاجتماعي يجب إخراج المسجد من عزلته بأن جعله البعض يقتصر على الصلوات فقط، ومن ثم يقوموا بإغلاق أبواب المساجد في وجه الناس بعد إتمام الصلاة.

إن المسجد له رسالة كبيرة في المجتمع، وهو ركن أساسي من أركان بناء المجتمع. وبما أن المسجد كذلك فإنه يجب أن يكون المنطلق لكافة الأنشطة في المجتمع. فمن خلال المسجد يمكن تعقد الندوات واللقاءات التثقيفية والدعوية والسياسية والاجتماعية، والمسابقات الأدبية. وأن يكون الشعار مستوحى من قول الله تعالى: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً} [الجن18]، فليست المساجد لهذا الفصيل أو ذاك.




  • د. بسام أبو عليان
    محاضر في قسم علم الاجتماع ـ جامعة الأقصى. محاضر سابق في جامعات: (الأزهر، والقدس المفتوحة، والأمة للتعليم المفتوح، وكلية المجتمع). مدرب في مجال التنمية البشرية.
   نشر في 28 ديسمبر 2015  وآخر تعديل بتاريخ 08 ديسمبر 2022 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا